بعد دخول الامريكان هرب البعثية واختبأوا في الغرف المظلمة ؛ و تواروا عن الأنظار فجأة ؛ كأنهم ( فص ملح وذاب في الماء ) ولهم في ذلك أسوة سيئة بقائدهم الجبان جرذ الحفرة القومية , ولكنهم كعادتهم في التلون والتبدل وتغيير المواقف والتكيف مع مختلف الظروف ؛ اعادوا ترتيب صفوفهم المندحرة وبثوا الروح في خلاياهم النائمة وتواصلوا مع مختلف الجهات السياسية والقوى الخارجية للإطاحة بالتجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة , وانخرطوا في التنظيمات الارهابية والفصائل التكفيرية المسلحة , وشنوا الاف العمليات الاجرامية والهجمات الانتحارية والتخريبية , وصاروا يفجرون الأسواق والمساجد والحسينيات ويغتالون الأبرياء على الهوية ويذبحون الاطفال والشيوخ ويغتصبون النساء ؛ بل وصلت الدناءة والحقارة بهم الى فتح ابواب وحدود العراق للأجانب والغرباء والدخلاء والاعداء ليعيثوا فسادا في البلاد وتقتيلا وذبحا بالعباد  , واستباحة للمقدسات والحرمات وانتهاكا لأعراض العراقيات ... ؛  فصنعوا أياما دامية وأراضي للموت الجماعي كما في اللطيفة والمحمودية وجحيش، وجرف الصخر والطارمية والرضوانية وغيرها، ثم أخذوا ينتقلون بين عصابة تكفيرية وأخرى إلى أن تكوّن كيان داعش الإرهابي وفرض هيمنته على نينوى وغيرها، مستغلين الفراغ الأمني والسياسي في بعض الأراضي العراقية ولا يخفى أسباب انضمام البعثيين لهذا التنظيم التي منها : العمل على عودة سلطة الحكم للبعثيين ، وتوفير الدعم المالي والعسكري، والتخلص من وقوعهم تحت سلطة القضاء جراء ما ارتكبوه من جرائم بحق العراقيين وتعقيد الأوضاع لأجل إشغال المجتمع العراقي عن جرائم نظام البعث المقبور التي ارتكبها سابقاً . (1)

وبدلا من مطاردة البعثيين ومحاسبتهم وانزال اقسى العقوبات بحق المجرمين والجلادين الصداميين ؛ ومصادرة اموالهم السحت وارجاعها الى خزينة الدولة , قام الدونية والجبناء والاغبياء والضعفاء والعملاء  من المحسوبين على الحكومات العراقية الجديدة ؛ ومنذ البداية بفتح قنوات حوار مع أجنحة وقيادات بعثية وشخصيات صدامية ، بهدف إشراكها في العملية السياسية، دون مسمى حزبي... ؛ وإبان رئاسته للحكومة، نظم إياد علاوي، لقاءات بين مسؤولين أميركيين ومندوبين عن البعث، جناح الدوري..., كما طرحت بغداد حينها على عضو القيادة القطرية، فاضل المشهداني ، فكرة تولي قيادة البعثيين تحت اسم جديد، إلا أن المشهداني رفض الفكرة، وهي في الأصل لم تكن قابلة للتطبيق... ؛ وفي عام 2007 أجرى الأميركيون محادثات مع جناح الدوري، توسط فيها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وأدارها السفير الأميركي في صنعاء...,  وقبل ذلك بعامين، أجرى السفير الأميركي في بغداد آنذاك، زلماي خليل زاده، مفاوضات مع جناح يونس الأحمد، وقد أكدت حدوثها السفارة الأميركية... ؛ وإضافة إلى تلك التحركات، فاوضت بغداد قيادات سابقة في الجيش العراقي، بهدف إعادة عدد من الضباط إلى سلك الخدمة، وقد دعم جناحا الدوري ويونس الأحمد هذه المفاوضات، التي جرت أهم جولاتها في عام 2009... ؛ بالإضافة الى ضغوط الطائفة السنية الكريمة  والانظمة العربية والاقليمية على ساسة الاغلبية والتي تهدف الى الغاء قانون اجتثاث البعث او تعطيله عمليا , ثم قامت وسائل الاعلام المنكوسة والبعثية والطائفية والارهابية ؛ بتبييض صفحة مجرمي البعث , والاشادة بزبانية النظام الصدامي , وليت الامر وقف عند هذا الحد ، اذ اسفرت تلك الكتابات والبرامج المنكوسة عن تغيير المعادلة وقلب الأمور وارجاع عقارب الساعة الى الوراء ، وذلك من خلال تكريم رجال العهد الصدامي البائد بل والإغداق عليهم بالرواتب المجزية والتي مكنتهم من السفر الى خارج العراق والعيش في البلدان المجاورة والاوربية ، والتمتع والاستجمام والاسترخاء بتلك الأجواء الرائعة ؛ بينما يعاني العراقيون الوطنيون الامرين من شظف العيش وقلة الخدمات ، وبعد هذه السياحة المريحة والاقامة الجميلة ؛ كشر ازلام النظام السابق عن انيابهم الصفراء، وبدأت حملات اسقاط التجربة الديمقراطية وافشال سياسة التداول السلمي للسلطة وارباك الأوضاع العراقية مرة اخرى  .

وبما أن الصفقة تمت ضمن سلة واحدة تضمنت اقرار رواتب للأكراد البيشمركة ؛ وهي فصائل حزبية مسلحة تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني شكلت منذ الستينيات وقد دمجت بعد ۲۰۰۳ مع الدولة العراقية كجيش تابع لإقليم كردستان وتم احتساب الخدمة لكل منتسب في البيشمركة منذ تاريخ تأسيسها ولغاية ۲۰۰۳ ؛ كخدمة تقاعدية يمنح بموجبها كل فرد راتبا تقاعديا يبدأ من مليون ونصف مليون دينار مع منحة مالية وقطعة ارض سكنية و منحة بناء.

وأما بعد سنة ۲۰۰۳ ، فأن أفراد البيشمركه يتمتعون بجميع امتيازات الجيش العراقي الحالي في الخدمة والتقاعد وغيرها ، علما انه لا يوجد بلد في العالم يمنح تقاعد لأفراد فصائل مسلحة انفصالية كانت تقاتل الدولة وبأثر رجعي لعشرات السنوات الماضية ؛ والأنصار الشيوعيين - ومن السخرية أن هناك عددا من الناشطين و الكتاب والإعلاميين المدنيين واليساريين الذين يملؤون وسائل الإعلام ضجيجا بمقالاتهم وتحليلاتهم ومداخلاتهم الوطنية التي تنتقد الفساد وهم يستلمون تقاعد الانصار - ؛ و الخدمة الجهادية - وهم الأشخاص المرتبطون بالأحزاب والحركات والفصائل السياسية الإسلامية ومعارفهم الذين كانوا يعيشون خارج العراق وتحديدا في إيران وسوريا حتى وان رحلوا بعد ذلك لدول غيرها وحصلوا على اللجوء و تجنسوا بجنسيات اخرى و يتم احتساب فترة وجودهم من يوم خروجهم من العراق لتاريخ عودتهم بعد ۲۰۰۳ كخدمة جهادية - ؛ وشريحة رفحاء - وعددهم 19 الف شخص وقيل غير ذلك - ؛ التي لم تلحق بباقي الشرائح المستفيدة الا بشرط اقرار رواتب وامتيازات مماثلة لكل من : منتسبي الأجهزة الأمنية / القمعية ( المخابرات ، الامن العامة ، الامن الخاص ، الحرس الخاص ، الاستخبارات العسكرية ) و منتسبي مكتب أمانة سر القطر لحزب البعث المنحل و منتسبي ديوان الرئاسة المنحل و منتسبي الحرس الجمهوري و ضباط الجيش ليصبح المجموع الكلي 550 الف منتسب للأجهزة القمعية المنحلة من فدائي صدام والأمن الخاص والمخابرات وكبار البعثيين المجرمين ، والتي تكلف ميزانية الحكومة اكثر من 3.5 مليار دينار شهريا .

وبعد ان اتم فريق عمرو بن العاص الصفقة وتكللت بالنجاح ، عاد من جديد ليرفع المصاحف بوجه الاغلبية العراقية ، وتنطلي الخدعة على حمقى واغبياء الاغلبية العراقية ايضا ، إذ بدأت حملات المجرمين والجلادين والقتلة الظالمين والذباحة الارهابيين ضد ضحايا السجون والمعتقلات الصدامية الرهيبة والمقابر الجماعية والمنافي والمخيمات القسرية ؛ فلم يكتفي الجلاد والقاتل والظالم والسجان والمجرم ب مساواته مع المجلود والمقتول والمظلوم والمسجون والضحية بل راح يطالب بأسقاط كافة الحقوق لهذه الشرائح المظلومة والمتضررة ؛ مع الحفاظ على جميع الامتيازات التي اخذوها مقابل جهودهم ونضالهم وكفاحهم في سحل وتعذيب وقتل واعدام مئات الآلاف من الضحايا ؛ بالإضافة إلى قطع اذان والسنة واوصال العراقيين وتجريف بساتينهم وتهديم بيوتهم وتجويعهم واذلالهم لمدة 40 عاما تقريبا ... !!

ومما زاد الطين بلة سكوت الاغلبية العراقية عن هذه الرواتب الخيالية والتي تستنزف ميزانية الدولة ، والمطالبة بإيقاف رواتب الشهداء والسجناء واهالي رفحاء فقط والتي لا تمثل شيئا أمام تلك الامتيازات والرواتب ... ؛وقد استجابت حكومة الكاظمي لمطالب هذه الاصوات المنكوسة , وقبلها حكومة العبادي , اذ قامت بتعطيل حقوق السجناء بل  وبإلغاء العديد من الفقرات القانونية التي تخص شريحة السجناء والمعتقلين , وعدم العمل بالقوانين الاخرى , واضحت مؤسسة السجناء السياسيين مجرد مؤسسة شكلية  ... ؛ بل وتسربت اخبار شبه مؤكدة عن لقاءات بينهم وبين البعثية ... !! 

بل وصلت الوقاحة بالمجرمين البعثيين والجلادين الصداميين ؛ ان يترفعوا عن الجلوس مع مسؤولي الحكومات العراقية المنتخبة ؛ او الاتفاق معهم حول بعض القضايا السياسية ؛ فقد أكد المجرم خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق  - في وقت سابق - عدم صحة ما تناقلته بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من معلومات منسوبة لمصادر حكومية عراقية حول (استعدادات داخل حكومة حيدر العبادي للتفاوض مع البعثيين، وأن اللجان السرية المنبثقة عن الحكومة وصلت الى خطوات متقدمة في التفاوض لإشتراك البعثيين في الحكم وإن البعثيين أصبحوا أربعة فصائل في تفاوضهم مع حكومة العبادي وبعلم من السفارة الأميركية التي نجحت في ترويض بعض الجهات للتفاوض مع البعثيين مقابل صفقات سرية معهم)... ؛ واضاف  المجرم المرشدي في تصريح صحافي نشره على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي ( فايسبوك ) :  ان هذه المعلومات والتسريبات الاستخبارية غير صحيحة ولا تتعدى كونها أخبار ملفّقة ومن بنات أفكار بعض الجهات المغرضة التي تسعى لتحقيق عدد من الأهداف المشبوهة والمُضَلِلّة، منها إلايحاء بأن حزب البعث العربي الاشتراكي يعاني من انقسامات وانشطارات تنظيمية ويضم فصائل متعددة كما تشير تلك التسريبات من جهة، ولغرض التشويش على مواقف الحزب المعارضة والرافضة والمقاومة للعملية السياسية ... ؛ وأشار المجرم المرشدي الى أن حزب البعث لم ولن يكون يوماً جزءاً من مشروع الاحتلال أو نظامه الطائفي الإرهابي الفاسد والفاشل وفاقد الشرعية الذي تأسس في العراق بعد احتلاله وتقوده وتديره ايران وحرسها الثوري وميليشياتها الصفوية... ؛ وقال  : إن حزب البعث يؤكد موقفه الثابت الذي يدعو الى تغيير شامل في العملية السياسية ودستورها والبدء بمرحلة انتقالية جديدة ... ؛ بعد تحرير العراق من قبضة ايران وميليشياتها وعصاباتها... ؛ وختم بالقول "ان حزب البعث في العراق والوطن العربي يمر بأفضل حالاته من الوحدة الفكرية والتماسك التنظيمي ووضوح الرؤيا وثبات الموقف وإن كافة تنظيماته تلتف بقوة وعزم وإيمان حول قيادة الرفيق المجاهد عزة ابراهيم أمين عام الحزب وقائد جبهة الجهاد والتحرير"...!!

ولم ينقطع الحراك السني والبعثي طوال هذه السنين قط ؛ اذ وصلت التحركات  والتأثيرات البعثية الى حكومة السوداني ؛ فقد أكّد القادة السُّنة المنضمون إلى تحالف "إدارة الدولة"، اتفاقاً سياسياً مع تحالف "الإطار التنسيقي" في فترة تشكيل الحكومة يقتضي إحالة ملف هيئة المساءلة والعدالة أو ما يُعرف بهيئة "اجتثاث البعث"، إلى القضاء تمهيداً لإلغائها، وعلى الرغم من المفاوضات السياسية تحول سياقات قانونية ودستورية دون الإسراع في إحالتها أو إلغائها.

وفي هذا الصدد صرّح القيادي السني مشعان الجبوري لموقع TRT عربي قائلاً: "الاتفاق السياسي داخل تحالف إدارة قوى الدولة، الذي ضمّ الإطار التنسيقي وتحالف السيادة والقوى الكردية، الذي سبق تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، كان نصّ على جملة من الاتفاقات والتفاهمات شرطاً لتشكيل الحكومة، وكان من بينها حلّ هيئة المساءلة والعدالة، وتحويلها إلى ملف قضائي"... ؛ وتابع الجبوري: "حسم قانون اجتثاث البعث يتعرَّض لانتقادات جمّة من الأحزاب السياسية داخل الإطار التنسيقي، وفي نفس الوقت تعتبره القوى السنية ملفاً بالغ الأهمية يحتاج إلى تشريع قانون من داخل مجلس النواب العراقي، وتأتي هذه الأهمية لإنهاء الخلافات السياسية بين الأطراف المتنازعة، والتمهيد لتثبيت الاستقرار في البلاد، والتزام التفاهمات السابقة المرتبطة بتشكيل حكومة السوداني، الأمر الذي سيُقنِع الأحزاب السُّنّية بجدوى العملية السياسية من خلال تشريع قانون انتقالي تدريجي يُرسَل إلى مجلس النواب للتصويت عليه".

في هذا السياق قال القيادي في الإطار التنسيقي حسن فدعم لموقع TRT عربي: "عودة البعثيين مرتبطة بحلّ هيئة المساءلة والعدالة، وهذا ملفّ شائك قضائياً ودستورياً، وهو ليس من مهامّ رئاسة الوزراء، بل من اختصاص مجلس النواب العراقي، ولا يدخل ضمن برنامج الحكومة الجديدة، إذ إن إمكانية حلّ الهيئة المذكورة تحتاج إلى تشريع قانون جديد يُنهي عملها، ثم يُصوَّت على قانون جديد من داخل البرلمان".

ومن اخير المهازل وليس اخرها ؛ ما نقله الدكتور عبد الرحمن الشمري وغيره ؛ بخصوص البعثي الصدامي المدعو لؤي لبيب مرزا , وهو من المقربين للمجرم عدي ومن سماسرته الانذال ؛ والذي شارك في الوفد الحكومي الرئاسي المتوجه الى زيارة الولايات المتحدة الامريكية بمعية رئيس الوزراء السوداني ؛ بصفته احد اقطاب الاقتصاد العراقي واحد كبار العاملين في الصناعة الدوائية ...!!

ومن المعلوم ان الاقتصاد هو شريان السياسة بل الحياة , وان ملف الادوية من الاهمية بمكان , وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ارتباط المدعو لؤي لبيب بشركة كيماديا المختصة بتسويق الادوية والمستلزمات الطبية الى العراق ؛ علما ان اغلب ان لم نقل جميع العقود الدوائية والاستثمارات الصحية مرتبطة بهذه الشركة ؛ وهي تعمل لصالح احدى التيارات الشيعية ...!! 

وهل من المعقول ان نسلم هذه الملفات الحساسة والتي تتعلق بالأمن الوطني وصحة المواطنين وسلامتهم ؛ بيد زبانية النظام الاجرامي البائد الذي قتل الالاف من الرضع في المستشفيات , وتسبب بموت الالاف من الاطفال والمرضى , وقام باستيراد الدم الملوث , واستخدم المواد الكيماوية والسموم لقتل العراقيين , واجرى التجارب الارهابية القاسية والمميتة على السجناء والمعتقلين , وسخر الاطباء والمراكز الصحية لبتر الايدي والارجل و وشم الجباه وقطع الالسنة والاذان ومن دون تخدير ...؟!

ومما سبق تعرف سر انتشار الادوية المسرطنة والفاسدة في الاسواق العراقية ؛ وعدم جدوى وفاعلية اغلب الادوية . 

...............................................

  • 1- العلاقة بين نظام البعث وكيان داعش الإرهابي / عباس القريشي / بتصرف .