اسفرت الحرب العالمية الاولى عن هزيمة الاتراك العثمانيين الطائفيين , وكالعادة تم تحريك بعض القوى الدينية الشيعية لمناصرة الاتراك الظالمين المسلمين ومقارعة الانكليز الكفار المنتصرين , تحت شعار( انصر اخاك المسلم ظالما او مظلوما  ) , وبعد الدراسات المطولة والابحاث الميدانية التاريخية والأنثروبولوجية والاجتماعية والنفسية التفصيلية والتي قام بها الانكليز فيما يخص العراق وسكانه ؛ توصل الانكليز الى ضرورة حكم العراق من قبل الغرباء والدخلاء ؛ نكاية بالعراقيين النبلاء والشرفاء والاصلاء , فضلا عن ان سياسة بريطانيا في القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين كانت تهدف الى انشاء نظام الاقليات في المستعمرات ؛ لان نظام الاقلية يتميز بالمواصفات التي يحتاجون اليها في ادارة مستعمراتهم , والسبب الذي دعاهم لذلك هو افتقادهم للشرعية والقاعدة الشعبية والتأييد الجماهيري , وكي تبقى الاقلية الحاكمة معتمدة اعتمادا كليا على المستعمر البريطاني والدعم والاسناد الخارجي لمواجهة الثورات الشعبية والازمات والعواصف السياسية والمشاكل الداخلية ؛ و لان بقاءها في سدة الحكم مرهون بالخارج .

ومن المعلوم ان الاتراك العثمانيين وطوال فترة احتلالهم ؛  جاؤا بمختلف السبايا والغلمان والمرتزقة والعبيد والخدم  والمماليك والموظفين الى العراق ومن مختلف اصقاع العالم , ناهيك عن هجرات البعض من ذوي الاصول الاجنبية والغريبة الى بغداد وشمال العراق وغيرها , وقد قطف ابناء هؤلاء الغرباء واحفاد أولئك الدخلاء ثمار الحقبة البريطانية في العراق ؛ معلنين بذلك بداية مسيرة الحكومات الطائفية والعنصرية في عام 1921 , و التي ضمت بين طياتها الكثير الكثير من الشخصيات الطارئة ذات الاصول التركية والشركسية والشيشانية والداغستانية والقرجية و الايرانية والعربية ... الخ  ؛ اذ احتضنت هذه الحكومات كل الاعراق الاجنبية والشخصيات الوافدة حديثا الا انها خلت تماما من العناصر العراقية الاصيلة الفاعلة , اذ تم رفض الامير العراقي خزعل الكعبي بينما توج فيصل الهاشمي الحجازي ملكا على العراق  , فكانت من اغرب التشكيلات السياسية في التاريخ المعاصر , فمن أعلى الهرم ( الملك ) الى ادناه : خدم القصر ( الهنود ) كلهم غرباء دخلاء على الواقع العراقي او لا اقل هم من اخر المهاجرين اليه .

كانت ولا زالت تلك الشراذم الاجنبية والجماعات ذات الاصول الغريبة والانساب غير العراقية الاصيلة ؛ تمثل خنجر الغدر في خاصرة الاغلبية والامة العراقية ؛ فهذه الشرذمة الغريبة والاداة الاجرامية من  بقايا العثمنة ورعايا البريطانيين  طالما استعملهم الساسة الاجانب والمحتلين الغرباء في ضرب الاغلبية والامة العراقية من خلال الفتاوى الشاذة والتدلسيات وافتراء الاكاذيب  واستخدام العنف والقسوة والقمع ؛ فهم عملوا جاهدين على اضفاء الشرعية على كل الحكومات الغازية المحتلة والظالمة والتنظير لوجودهم الطارئ والمرتبط بالأجنبي دوما وابدا ؛ فلا تستغرب من هؤلاء عندما يفضلون غير العراقيين من المستعربين والاعراب والافارقة واقوام القوقاز والكرج والارمن ... على العراقيين الاصلاء ؛ او عندما يستنجدون بالغرباء الارهابيين الدواعش من امثالهم واشباههم واقرباءهم وابناء ارومتهم .

فقد فتحت هذه الشرذمة الضالة المنحرفة، الشاذة الغريبة، المارقة المندسة ابواب العراق امامهم , ودعت شذاذ الافاق المجرمين وجحافل المسلحين من الشيشان والتركمان والقوقاز والطاجيك والاتراك والصينيين والروس الارهابيين ... الخ ؛ اذ انضم الى صفوف تنظيم داعش الارهابي الطائفي نحو 40 ألف مجرم أجنبي من مختلف أنحاء العالم للقتال في العراق وارتكبوا فيه أبشع وأقذر الجرائم بحق العراقيين الاصلاء وابناء السنة الوطنيين العراقيين وباقي المكونات العراقية كالمسيح والشبك والايزيديين والتركمان الشيعة ... الخ . 

ومن هذه السقيفة البريطانية اللئيمة بدأت رحلة العذاب والتيه العراقي التي استمرت ثمانية عقود كل عقد منها كأنه ألف سنة مما يعدون , فقد زرعت بريطانيا هذه الشجرة الخبيثة في بلاد السواد , و سارت السنوات العجاف بطيئة رتيبة مملة مليئة بالاضطرابات والانقلابات والازمات والتخلف والانتكاسات حتى القت اوزارها وتمخضت عن وليد لقيط كان من أمر واخبث ثمار تلك الشجرة الاستعمارية اللعينة الا وهو النظام الصدامي الاجرامي المقيت , فلو وضعت كل الحكومات الطائفية السابقة في كفة و وضع النظام الصدامي في كفة اخرى لرجحت كفة نظام صدام وزبانيته المجرمين . 

و قد تفوق الصانع على الاستاذ ولا غرو في ذلك , فقد جاء في المثل الشعبي العراقي ما يؤكد ذلك : ((صانع الاستاذ استاذ ونص )) ؛ اذ طبق النظام الصدامي المبدأ الاستعماري الهدام : (( فرق تسد )) بكل حذافيره , وتجلت هذه الاستراتيجية الصدامية الطائفية بسلسلة من الاجراءات الحكومية الهادفة الى تمزيق وحدة الصف الوطني واقصاء الاغلبية العراقية الاصيلة وتهميشهم وابعادهم عن مصدر القرار التشريعي والتنفيذي , وتقريب الفئات الطارئة والدخيلة والشخصيات الاجرامية المريضة , بل انه سلط شذاذ الافاق من الاجانب والعرب والاعراب ومجهولي الاصل والهوية والمرتزقة على ابناء العراق الاصلاء وفضلهم عليهم ؛ فصيرهم مواطنين من الدرجة العاشرة وبالمقابل اعطى امتيازات لا عد لها ولا حصر لكل الغرباء والدخلاء في العراق .

وقد حولت الاجراءات التعسفية الطائفية الصدامية حياة الاغلبية العراقية الى جحيم لا يطاق , وكأن الحياة نفسها أصبحت عقابا لهم , فكل شيء كان يغضيهم , فهم اينما حلوا وذهبوا لا يسمعون الا العبارات المشحونة بالحقد الاعمى والضغينة الطائفية والعنصرية المقيتة والترهات والقذف والافتراءات من امعات الحكومة الصدامية واذنابها الطائفيين ؛ بل وصل الانحدار الاخلاقي والتخبط السياسي برأس النظام العفن آنذاك الى ان ينشر عدة مقالات طائفية وعنصرية في جريدة الثورة يهاجم فيها العراقيين الجنوبيين الاصلاء وينعتهم بأوصاف هم منها براء , وكما قال المثل : (( رمتني بدائها وانسلت )) ؛ وما عشت اراك الدهر عجبا , اذ صار الدخيل العميل يعير العراقي الاصيل ولعلي لا اجد ردا عليه وعلى امثاله من المنكوسين ابلغ من قول الشاعر :

سل مضجعيك يا ابن الزنا ... أأنت العراقي أم أنــــــــا ؟؟!!

وبعد الدماء العراقية  الزكية التي سفكت ظلما وعدوانا , وملايين الضحايا من الشهداء والقتلى والمرضى والايتام والارامل والمعاقين ؛ فضلا عن ملايين الجياع والفقراء والمساكين , وبعد هدر الثروات العراقية والاموال الوطنية والتي قدرها البعض بخسائر الحرب العالمية الاولى او قريبة منها ...!!

وبعد السنوات العجاف وايام الجمر والنار , وادعية وتوسلات العراقيين والعراقيات ودموع الايتام والارامل والامهات ؛ جاء الفرج الممزوج بالاسى ؛ اذ جاء التحرير من خميرة الشيطان على يد الشيطان نفسه ؛ وهذا قدرنا , مكتوب علينا ان نجمع بين النقائض والاضداد ؛  فقد انتهت المهلة الأميركية المطالبة برحيل السفاح صدام  و زبانيته الشياطين  في 20 مارس 2003، وأعلن جورج بوش انطلاق العملية ضد مخلب الشيطان صدام ابن صبحة ، وانهال وابل من الصواريخ العابرة على أحد أحياء العاصمة العراقية... ؛ وبدأت الحرب وأطلق عليها الأميركيون اسم "عملية حرية العراق"... ؛ ثلاثة أسابيع كانت كافية من أجل حسم مصير النظام البائد وجيشه وحزبه واجهزته القمعية وشياطينه وجلاوزته وجلاديه وذباحيه  والسيطرة على بغداد في التاسع من أبريل... ؛ ولم يقارع الشيطان صدام ولا زمرته من بقية الشياطين قوات الاحتلال ؛ لان امريكا تعتبر ربهم الاعلى فهي الشيطان الاكبر , ومن الطبيعي الشياطين الصغار لا تجرؤ على مقارعة ابليس  

واختبأ السفاح صدام في حفرة كالجرذ , بينما لاذت عائلته بالفرار , وهربت فلول صدام والبعث , وهمج تكريت ورعيان العوجة , و ولت شراذم الطائفية والعنصرية والتكفيرية هائمة على وجوهها , بينما قبع البعض الاخر في السراديب والحفر والملاجئ والكهوف والغرف المظلمة كالخفافيش والغربان ؛ ولكن لا تزال في خميرة الشيطان كائنات تتحرك في جنح الظلام للانقضاض على العراق والعراقيين الاصلاء مرة اخرى وبمساعدة الخبيث ابو ناجي والشيطان الاكبر والقوى الاستعمارية والدولية والاقليمية والعربية الاخرى .