فاجعة اطفال الهارثة حصلت مثيلاتها في السابق ولا زالت تحدث وتتكرر في باقي مناطق الوسط والجنوب المهمل ؛ فبعد 24 ساعة من فاجعة البصرة ؛ تعرض طالبان إلى حادث دهس أثناء الخروج من ثانوية الأزهر في منطقة البو حداري في الكوفة ، وهكذا تستمر قوافل قرابين الاغلبية الى ما لا نهاية , فالإهمال متعمد و التقصير مقصود في مناطق الاغلبية العراقية منذ نشوء الدولة العراقية المعاصرة والى هذه اللحظة , حيث انتشرت المدارس الطينية في عهود الحكومات الهجينة والطائفية , وبنيت ولا زالت  المدارس قرب الطرق السريعة والشوارع , وافتقدت ولا تزال  البنايات التربوية والتعليمية لأبسط اجراءات السلامة والمواصفات العالمية المعروفة  , فضلا عن الخراب الكبير في البنى التحتية . 

وكالعادة الكل تنصل من المسؤولية العامة , فمحافظة البصرة تلقي بالكرة في ملعب الحكومة المركزية والحكومة تشير الى دور وزارة التربية والاخيرة تتهم المجالس البلدية ودائرة المرور العامة ... الخ ؛ ولا غرو في ذلك , اذ اننا نعيش في دولة تعمل وفقا للمحاصصة الطائفية والفئوية والحزبية , وتبعا لأهواء ومصالح الشخصيات والكتل والتيارات والعصابات والمافيات ؛ لذا نحن بعيدون كل البعد عن العمل بروح الفريق الوطني الواحد , وبسياسة التنسيق بين دوائر الدولة المختلفة لإنجاح هذا المشروع او انجاز تلك المهمة . 

وطالما اشتكى الجنوبيون من سوء الخدمات وتردي البنية التحتية وخرابها ؛ وقد طالب اهالي الضحايا من سكان الهارثة الحكومات المحلية مرارا وتكرارا بإنشاء جسر مشاة لعبور الاطفال , ولكن من دون جدوى  ؛ وقبل عدة ايام من الحادثة المروعة , نشر احد المواطنين ومن ذوي التلاميذ الضحايا  مقطع فيديو يوضح فيه مدى خطورة عبور الاطفال لهذا الشارع ؛ قائلا فيه : ((  برقبة منو ؟ ذنب منو اذا صار حادث الهاي الاطفال   ؟ ))  الا ان الرجل لم يطلب من الحكومة في الفيديو انشاء مجسر , لأنه يعلم علم اليقين ان طلبه سيذهب ادراج الرياح ولن يجد له اذان صاغية ؛ بل انه طالب بتوفير دورية لشرطة المرور امام المدرسة  فحسب ؛ واذا بسائق الشاحنة الكبيرة وبنفس المكان الذي طالب به الرجل - صاحب الفيديو -  الحكومة بتوفير الحماية للتلاميذ يدهس 50 طفل بريء  ... !!  وصدق الشاعر عندما قال :

لقد أسمعت لو ناديت حيا ***  ولكن لا حياة لمن تنادي

وبعد وقوع الفاجعة وكالعادة يسارع المسؤولون لزيارة اهالي الضحايا ؛ فقد زار محافظ البصرة السيد اسعد العيداني احدى العوائل المفجوعة , وقام احد ذوي الضحايا من مكانه , وخاطب السيد العيداني قائلا : (( لماذا هذا الاهمال للهارثة ؟ من صرت محافظ لليوم ما شايفينك !! )) .

ومن بؤس الاوضاع العامة في الجنوب ؛ اطلق الجنوبيون على تلك الشوارع : طرق الموت ؛ لشدة تموجها وانتهاء صلاحياته وخرابها , ناهيك عن انعدام المجسرات وجسور المشاة ومناطق العبور الامنة  ,  واختفاء الاشارات المرورية ورجال المرور , وتقاعس الشرطة وحماية المدارس عن اداء دورهم الانساني والوطني في مساعدة الاطفال لعبور الشوارع الخطرة . 

ما من عام ولا شهر يمضي الا وتحدث فاجعة هنا او هناك , وها هو العيد على الابواب ونحن في شهر الله ؛ واذا بمئات العوائل البصرية تفجع ب فلذات اكبادها , ويعلو الصياح والبكاء والنحيب في ارجاء بيوتها , وتنتشر سرادق العزاء في الهارثة ؛ وكأنهم ضحايا حرب وليسوا مجرد اطفال كانوا في المدرسة ؛ و يا حسرة الاباء ولوعة الامهات اللاتي جمعن العيديات لأطفالهن منذ اليوم الاول لشهر رمضان , ولم يعلمن ان اصحاب العيديات و طيور الدار ؛ سيغادرون الى مقبرة وادي السلام  ومن دون رجعة . 

والامر المؤلم الاخر ؛ تعاطي البعض بدونية وحقارة  مع الفواجع والمصائب والاحداث التي تصيب اهلنا في الجنوب ؛ اذ يتعمد البعض التزام الصمت او اللامبالاة وكأن شيئا لم يكن  , وتختفي منه فجأة مشاعر الغيرة العراقية والحمية الوطنية التي يصدع بها رؤوسنا في حال حصول حادث بسيط في بعض المناطق الاخرى والمحسوبة على مكون اخر , بل ان بعض الدونية من المحسوبين على الاغلبية من الذين يبادرون لزيارة ضحايا الحوادث الاخرى والبسيطة ان كانت لأبناء المكونات الاخرى ؛ يتعامى ويغض الطرف عن هذه الفواجع الاليمة والكوارث الانسانية المروعة ...؟!