لعل سائل يسأل : على اي مبدأ تأسس مشروع الامة العراقية ؟
مصطلح الامة العراقية يشير في بدايته للأيديولوجية التي تفترض بان اغلب العراقيين المعاصرين او لا اقل اكثر من نصفهم هم امتداد للعراقيين القدماء ( السومريين , الاكديين , البابليين , الاشوريين , الكلدان , السريان , النبط , وعرب مملكة ميسان والحضر والحيرة , ومواطني الدولة العلوية والعباسية )، بحيث يتم تنشئة المواطن على الانتماء والولاء الكامل للأرض والامة العراقية بمفهومها التاريخي , عبر تعزيز عناصر الهوية العراقية المغيبة والبحث عنها , والاعتزاز بها وبكل تاريخها الحضاري العريق , من خلال زرع حب العراق بخريطته القديمة والمعاصرة في وجدان العراقيين ... ؛ ولكن هذا لا يعني إخراج الاقوام والجماعات التي جاءت مهاجرة الى العراق فيما بعد من دائرة الامة العراقية ؛ بشرط اقتناعها بالأمة العراقية وايمانها بالهوية الوطنية الاصيلة .
وقد تعرض هذا المشروع ومنذ القدم – اي ظاهرة حب العراق والاعتزاز به ومحاولات تحديد معالمه وتبيان هويته – لشتى الهجمات ومختلف المؤامرات , فقد عمل الاعداء على اجهاض هذه الفكرة , وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس , وكل من نادى بالعراقية او تخلق بها , تعرض للتهديد وتشويه السمعة ؛ اذ اطلق الاعداء على اسلافنا واجدادنا القاب وتهم مختلفة بسبب مطالباتهم الوطنية ومحاولاتهم في احياء هويتهم العراقية المتميزة عن الاخرين ؛ كالخوارج والرافضة والخشبية والسبأية والشعبوية والصفوية والشروقية والرجعية ... الخ ؛ وكل شخص حاول الالتفات الى الهوية العراقية وتلبية المطالب الوطنية تعرض للهجوم ؛ واليكم مثالا من تاريخ العراق المعاصر ؛ الرئيس عبد الكريم قاسم الذي اعلنت مصر الحرب عليه , من خلال برامج راديو صوت العرب وباقي وسائل الاعلام , وقد اثرت تلك الدعاية الناصرية المنكوسة في عقول بعض العراقيين لاسيما من ابناء الطائفة السنية الكريمة ؛ فأصبحت مصر تحرك العراقي ضد نظام دولته الجمهوري الجديد , وتحرض الاوباش والحمقى والاراذل والذيول على الهوية العراقية الوطنية من خلال الضحك عليهم بالشعارات القومية الرنانة والخطب الجوفاء الطنانة , فنشطت الحركات القومية وظهرت الحركة الناصرية وتنفس البعثيون المنكوسون الصعداء ؛ وكل هذه الحركات والاحزاب بعيدة كل البعد عن الوطنية والهوية العراقية ؛ فهي لا تؤمن بالوطنية ؛ وتقدم الولاء للغرباء والاجانب والدخلاء بحجة القومية تارة وبحجة الدين تارة اخرى ؛ على الولاء للوطن ؛ وبعد استلام هذه الشراذم للحكم في العراق , بدؤا بمحاربة مفهوم الوطنية والامة العراقية فورا , واعلنوا ان بلاد الرافدين العظيمة هي جزء صغير من الوطن العربي الكبير ؛ بمعنى ان العراق العظيم عبارة عن بلدية صغيرة داخل محافظة كبيرة اسموها الوطن العربي , وبالتالي اصبح العراق دولة غير مستقلة بقرارها الوطني وامنها مرتبط بالأمن القومي , ولكل دولة عربية كالصومال وجيبوتي وجزر القمر حصة في ثروات العراق القومية , كما عبر عن ذلك العميل الهجين صدام مرارا وتكرارا , اذ طالما تبرع بثروات العراق وخيرات الجنوب للآخرين من شذاذ وشراذم البلدان العربية بذريعة انها حصتهم من الثروة القومية في العراق ...!!
ومنذ البدء غيروا مناهج التعليم العام والاعلام الحكومي ليصبح العراقي لا علاقة له بالعراقيين القدماء وحضاراتهم وحركاتهم وعقائدهم وطوائفهم الوطنية التاريخية ؛ او العراق القديم ؛ وزرعوا في عقول الناس , ان العراقي مجرد شخص مهاجر جاء من صحراء نجد او الحجاز او اليمن الى العراق , وان العراقيين القدماء انقرضوا كالديناصورات , وعلموا الاطفال والشباب ان واجبهم يكمن في خدمة الامة العربية الهلامية وقضاياها الطوباوية وانظمتها القمعية , واغفلوا شؤون الوطن والمواطن , والنتيجة المنطقية لهذه الحركات والاحزاب الحاقدة المنكوسة ؛ هي ضياع اعمار وجهود العراقيين في الجري وراء الاوهام والسراب ، اذ اصبحوا منشغلين في الخارج وتركوا مشاكل الوطن تتكدس ونسوا انه لا وطن لهم سوى العراق .
وها نحن نحاول من جديد لملمة شتات الامة العراقية والتبشير بمشروعها الوطني الجامع , بعد ان من الله علينا بإزالة وهلاك الحكومات الهجينة و القومجية والبعثية الحاقدة والمتنكبة عن جادة الوطنية والهوية العراقية .