السياسي الناجح يعرف بإنجازاته , والزعيم الديني النزيه يتبعه الاخرون لصدقه والتزامه بمبادئه وخدمته لأبناء دينه ومذهبه , فكبير الهمة وصاحب العزيمة يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، فضلا عن نشر صوره بين الناس او الدعاية الاعلامية له ... ؛ وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته وعلمه وعزيمته ؛ اما السياسي الفاشل ورجل الدين الدجال ؛ فهما كالكائن الطفيلي الذي يعتاش على اجساد الاخرين ؛ دون أن يكون له أدنى جهد في دعم وبناء تلك الأجساد ... , اذ ان النجاح والانجازات والنزاهة والمبدئية ؛ تأتي نتيجة لتخطيط سليم وعمل صحيح وجهود حثيثة وارادة قوية ورؤية واضحة ... الخ ، وهذه السمات هي التي تميز القادة الكبار عن غيرهم .
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه الاخرون مستحيلا وينجز ما يظنه البعض صعبا ... ؛ وعالي الهمة و واثق الخطوة يعرف قدر نفسه قبل ان يعرفه الناس ، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، ويصونها عن الرذائل , وينزه شخصه عن الدنايا وسفاسف الامور , ويحفظها من أن تهان ويجنبها مواطن الذل والعار , ولا يحملها ما لا تطيق , ويبتعد قدر الامكان عن الشبهات ... ؛ لان ذاته لا تعطى الدنية، ولا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون .
اما الكذبة الدجالون واشباه القادة والفاشلون والفاسدون والعملاء المجرمون ؛ فهم يلجأون الى الخداع والتمويه واللف والدوران والضحك على الذقون , عن طريق رفع الشعارات وتعليق الصور والمنشورات ؛ لذا نسمع منهم جَعْجَعَة ولا نرى طحنا , فهم يعملون على جذب انتباه الاخرين , ومتابعة الناس لهم , من خلال رفع الشعارات وتعليق الصور والمنشورات بل ونشر غسيل الفضائح احيانا , لشد الانتباه اليهم وتسليط الاضواء عليهم ؛ والفرق بينهم وبين القادة الاصلاء ؛ كالفرق بين الارض والسماء ؛ فهم رجال الاقوال والتصريحات والصور والشعارات , بينما القادة الاصلاء والزعماء النبلاء ميدانهم الافعال لا الاقوال , والانجازات لا التصريحات , والحنكة السياسية لا الجعجعة الاعلامية .
وظن العراقيون ان ظاهرة انتشار الصور ولت من دون رجعة , مع هلاك صدام الذي ملئت صوره العراق من شماله الى جنوبه , فقد طبع صور اكثر من عدد نفوس العراقيين بمئات المرات ؛ ولا زلت اذكر ذلك المشهد المؤلم والذي بقى عالقا بذهني , اذ رأيت احد المساكين المرضى و(المكاريد) المتسولين يقف تحت صورة كبيرة للطاغية مكتوب عليها وبالخط العريض : (أن شعب يقوده صدام مكانه الذرى ) ...!!.
ومع كل هذه الاعلانات الشيطانية والدعايات الاعلامية ؛ ومع كل هذه الجهود والاموال لم يزداد الا انحطاطا وبغضا وكرها , فما من يوم يمر الا وتتسع دائرة اعداءه ومبغضيه والحاقدين عليه ؛ حتى تيقن اسياده بضرورة التخلص منه ... ؛ الا ان ظنون العراقيين ذهبت ادراج الرياح ؛ فقد هلك صدام الا ان الصدامية باقون , وذهب الظالم الا ان الظلم لا زال موجود , فالكثير من الظواهر السلبية الصدامية والبعثية والهجينة لا زالت باقية بل وتتمدد ؛ فقد شهد العراق بعد سقوط الصنم , ظاهرة انتشار صور الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية في الاماكن العامة فضلا عن وسائل الاعلام , فقد هيمنت هذه الظاهرة على الحياة العراقية العامة , وقد تسببت هذه الظاهرة بحدوث الكثير من النزاعات والقلاقل والفتن وراح ضحيتها العديد من العراقيين .
علما ان الصورة الذهنية وانطباع العراقيين عن الشخصيات يعتمد على المواقف والافعال والاحداث والانجازات وليس الاقوال والشعارات فحسب او الصور و(البوسترات ) والمنشورات و(السلفي ) وغيرها ... ؛ فالصور وعلى الرغم من انتشارها في كل مكان ؛ لا تصحح نظرة الناس للشخصيات السياسية والدينية وغيرها , ولا تغير احكامهم ومواقفهم تجاه القادة والشخصيات ؛ فالصورة لا تقدم سيرة مشرفة او تزكية شرعية لصاحبها , انما تشرفه المواقف وترفعه المكارم .
بل كانت النتائج عكسية لهذه الظاهرة , فالبعض تتواجد صوره بالقرب من المزابل واماكن القمامة او الشوارع الوسخة والاماكن البائسة والحفر والاتربة والمطبات ... الخ ؛ مما ولد حالة اقتران بين البؤس وصور هؤلاء ؛ حيث تشكلّت هذه الصّورة في أذهان النّاس ؛ فكأنهم والبؤس وجهان لعملة واحدة ؛ فالكثير من الناس يحملون مشاعر الضغينة لبعض المسؤولين , فلا تخلو محادثاتهم اليومية وحواراتهم الاعتيادية من سبّ بعض الشخصيات والمسؤولين , واتهامهم بأنهم سبب الكوارث والخراب الذي حلّ بهم ؛ وزادت وسائل الاعلام المنكوسة والمعادية والطائفية والعربية والدولية من ترسيخ هذه الصورة في نفوس العراقيين , واغفلوا دور الارهاب الطائفي وشراذم البعث والقوات الدولية والامريكان في كل ما حل بالعراق والعراقيين من مصائب وكوارث وازمات ... ؛ فوسائل الإعلام المنكوسة والمعادية حاولت إظهار التجربة الديمقراطية والعملية السياسية الجديدة والساسة والقادة والنظام الجديد أمام الرأي العام متهمّاً وسبب كل الاخفاقات والازمات والنكبات والاتفاقيات والمؤامرات ... ؛ وذلك من أجل ترسيخ فكرة في أذهان النّاس بأن هناك علاقة وطيدة بين حكم الاغلبية العراقية الاصيلة والفشل والخراب والفوضى ؛ وهذا لتبرئة الاحتلال الامريكي والتدخل البريطاني وغيرهما من أي تهمة , وتجميل صورتهم من جهة ولممارسة ضغوط ضد الاغلبية والامة العراقية من جهة أخرى. وقد نجحوا في مساعيهم , اذ شوهوا سمعة الاغلبية الاصيلة ولفقوا الكثير من التّهم حول قادة وساسة الاغلبية , بينما برؤا انفسهم من كل هذا الخراب الذي يأتي معهم اينما حلوا وارتحلوا .
إنّ المتابع للأعلام المنكوس والمعادي في شبكة الإنترنت ووسائل الاتّصال الاجتماعي يلحظ أنّ البرامج والفيديوهات والاخبار و(البوستات ) والأفلام والمسلسلات والرّسوم الكاريكاتوريّة، والرّسوم المتحرّكة؛ تهدف إلى صناعة الصّور التّشويهيّة والسّلبيّة عن الاغلبية والامة العراقية والتجربة الديمقراطية ... ؛ فقد قدّمت الشّخصيّات العراقية بصورة سلبيّة وبأنّهم أغبياء متخلفون وجهلة ، متطرفون وانتهازيون وجبناء وقتلة وسراق فاسدون ؛ وكلهم وبلا استثناء ، كما عدّتهم أيضًا سبب الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة , وقد أسهم هذا الاعلام ؛ في تشجيع العراقيين على ازدراء التجربة الديمقراطية والقائمين عليها وبغض رجال الاغلبية والامة العراقية بل وعدم احترام القانون والنظام العام والحكومة وغض الطرف عن كل الانجازات والمشاريع ... الخ .
وان تفاقم واتساع ظاهرة انتشار الصور في كل مكان ؛ و وسط هذه الهجمات الاعلامية الشرسة ؛ لا يزيد الطين الا بلة , ولا الناس والجماهير الا نفورا ؛ فالأمة والاغلبية العراقية لا ترتقي الا بعظمة رجالها وقادتها الذين يعلوا صوت افعالهم على اقوالهم , وتسبق انجازاتهم تصريحاتهم , وتعرفهم الناس بسيرتهم وسريرتهم لا بشعاراتهم الرنانة وخطبهم الطنانة ؛ اذ ان مواجهة هذه الحملات الصفراء الحاقدة والهجمات الاعلامية المنكوسة بظاهرة نشر صور القادة والشخصيات فقط وبهذه المبالغة ؛ تكشف بساطة مستوى المسؤولين والشخصيات , و السّطحيّة في العمل والخطيط , والسّذاجة في الطّرح ... ؛ وتؤدي فيما بعد الى زيادة الأصوات السّاخطة النّاقمة المعاديّة للأغلبية والامة العراقية والتجربة الديمقراطية والعملية السياسية ... ؛ والحل يكمن في مصارحة الشعب بما يدور خلف الكوابيس وتسليط الاضواء على التحديات الداخلية والضغوط الخارجية , بالإضافةً إلى تفعيل عمليّة الوعي السياسي الجماهيري ... ؛ ورفع وتيرة الانجازات والمشاريع الحكومية , ومحاربة الفساد والفاسدين , وتطهير دوائر الحكومة من الفاسدين والمخربين والبعثيين والارهابيين والطائفيين والعملاء المنكوسين ... ؛ والعمل على صناعة حكومة الاحزاب والمنظمات ودولة المؤسسات والاستراتيجيات لا دولة الصور والشعارات والمجاميع والفئات والشراذم والعصابات والمافيات .