Image title

“يلعق اصبعه يبحث عن ذكريات طعم اللحم بين أصابعه، يتحسس الأرض يبحث عن فتات الخُبزةُ التي أكلها قبل يومين، وهو يلعن النمل الذي سرق قوت يومه!، ينظر باتجاه النافذة ويصرخ، أنا لستُ بجائع، أنا أحتضر أيها العالم. سأتركك لوحدك تعبث بهم، تعب الجوع منّي وأنا تعبته، سرق طاقتي وسرقت قوّته، حتّى بعد أن ربطت الخُرقة فوق بطني -كما أخبرني ذلك المتسوّل- لم يفلح الأمر، وكلّما بحثت عن عمل، طالبوني بأوراق لا أعرف لها شكل!، وكُلّي ثقة بأنني إذا ما رحلت عن هذا العالم، سألتقي بأمّي وأخبرها بأنني جائع، وأعلم أنها ستطهو لي ألذ طعام، وسآكل حتّى أنفجر، ولن أسرق من البقّال بعدها، ولن أشتاق لعطف أحد المارّة بقربي أبداً، أنا إذا التقتُكِ أمّاه، لن أنكسر”.

لأننا اعتدنا كلمات التطوّر، وكلمات التغيير للأفضل، نسينا وجودهم بيننا، هؤلاء المنسيون في بُقع مُختلفة من العالم، لأننا اعتدنا الوصول إلى رغباتنا نسينا أن للحروب التي تُدار رحاها هُنا وهُناك مآسي مَخفيّة، هُناك أيتام تُركوا على قارعة الطريق لا مُعيل لهم، تُدمّرهم الحرارة، وتَصهر جلودهم، وتُذيب قطرات الماء المُتبقّية في أجسامهم الذابلة، وإذا ما جاء فصل الشتاء تراهم كالقطط يبحثون عن أيّ مكانٍ يحمل دفء، فلا شيء يحمي جلودهم من التقشّر، ولا شيء يقيهم نزلات البرد القاتلة، وعند البُكاء لا أحضان لهم غير التُراب الذي يفترشونه، ولا غطاء لهم غير سواد السماء وشيءٌ من نجومها، ولا ذكريات لميلادهم، هُم فقط غصن كُسر من شجرة قُطِفت منذ زمن.

هل تساءلنا في يوم من الأيّام، عن حاجة يتيمة صغيرة تركض في الشوارع خلف كُل سائح؟ تبحث عن قطعة نقديّة تسد بها جوعها، حقيقةً أخبركم، لم أشاهد طعم الجوع ورائحة إلا عندما شاهدت الأيتام الباحثين عن شيء في هذه الحياة، لا أخفيكم سراً شاهدت مُخادعين، شاهدت كاذبين، ولكنّي أيضاً وجدت الصدق والعفاف، وجدت الخوف والحياء.

قبل أيام قليلة قام أحد الأصدقاء بتقديم عرض جميل حول مشاريع كفالة الأيتام وهيَ مشاريع كثيرة في دولة الكويت، وهيَ بإشراف أناس ذوي خبرة وعطاء كبير في مجال العمل الخيري، لم أكن أتصوّر أن تتغيّر حياة هذا الصديق لمجرّد أنّه تقدّم على كفالة يتيم، والمبلغ الذي يدفعه مقابل إكرام هذا الطفل وإبعاده عن التسوّل وقضاء ضروريات حياته هوَ مبلغ ضئيل مقابل ما ندفعه في الكثير من أيام حياتنا، صديقنا حاول تحفيز بقيّة الأصدقاء ليكفلوا يتيماً من الأيتام، ليكونوا مُختلفين أيضاً منذ الشباب، فمن تعوّد على شيء شاب عليه.

وأنتم أيضاً، جرّبوا لن تخسروا شيء، اتجهوا إلى المبرات الخيرية أو المؤسسات الخيرية، واكفلوا يتيماً أو اثنين أو ثلاثة، الأمر يرجع إليكم، وكُلّي يقين بأنّ حياتكم ستتجّه نحو الأفضل، فأنتم تدفعون هذه الأموال في أرصدتكم المُختلفة، رصيد عالم الآخرة، تذكّروا دوماً بأنه يُمكننا الاستثمار في العالم الآخر من الآن، العطاء الآن جميل، وإن لم يكن هُناك من يقدر على هذه المبالغ -التي قد أراها ضئيلة- أنصحه بأن يتشارك مع أصدقائه شهرياً ليتمكنوا من العطاء بشكل جماعي، لنحفّز بعضنا الآخر على العطاء، فالأمر يستحق.

وكان يلعق اصبع الجوع ذات مرّة، طفل.

H-Makki.com