حفلت الآيات القرآنية والاحاديث النبوية , والروايات الاسلامية ولاسيما الشيعية منها , وكذلك التراث التاريخي العراقي القديم , والموروثات الشعبية ؛ بذم الظلم والجور , والتبرؤ من الظالمين والجلادين والمجرمين , بل والدعوة الى لعنهم والابتعاد منهم , ومحاربتهم واعلان الجهاد ضدهم , وتطهير البلاد من رجسهم وتخليص العباد من شرهم وارهابهم واجرامهم ... . 

وامرت الاديان اتباعها باتباع القدوة الحسنة - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}- ؛ فقد امر كتاب القران الكريم اتباعه بالتأسي بالصالحين من الانبياء والمرسلين ؛ وبما انهم حاربوا الظلم والظالمين ؛ فيجب على اتباعهم السير بسيرتهم والاقتداء بهم , واعلان التبرئ  من الظالمين والمجرمين ومن افعالهم وجرائمهم ... ؛ فالأسوة والقدوة الحسنة هؤلاء، والذين  يجب أن يكون المؤمنون مثلهم . 

ولم يكتف الاسلام بمقاطعة الظالمين , بل انه أمر اتباعه ببغض وكراهية الظالمين و شنآن المجرمين , لذا عد البعض : التبرؤ من أعداء الله جزء أساسي من الدين , بل اعتبرت بعض الروايات الاسلامية الراضي بفعل الظالم كالظالم ومحب المجرم كالمجرم ؛ فالظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء , بنظر الاسلام ؛ اذ جاء فيها : (( ... المرء مع من أحب ... ؛ ... من أحب قوما حشر معهم ... ؛ ... من أحب عمل قوم أشرك في عملهم ... ؛ ... ولا يُحب رجلٌ قومًا إلا حُشِرَ مَعَهُمْ ... ؛ ... مَن أحبَّ قومًا كان معهم يوم القيامة وإن لم يعمل بأعمالهم ... ؛ وجاء عن حكيم العراق وحاكمه الخالد الامام علي بن ابي طالب : أيها الناس إنما يجمع الناس الرضى والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا، فقال سبحانه: * (فعقروها فأصبحوا نادمين) ... )) اذ جاء في كتاب القران الكريم  عن قصة النبي  صالح  وموقف قومه ... ؛  فقد طلبوا من أحدهم أن يقتل الناقة  ؛ وصرح كتاب القران الكريم : (إذ انبعث أشقاها) أي خرج لقتلها فرد واحد، ولكن عند الحديث عن الجريمة ؛ صرح كتاب القران الكريم : (فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها)، لأن من قتل الناقة فرد، لكن من حرضه، وأحب ذلك، وأيده، اعتبره القرآن الكريم شريكا في الجريمة، فجاء الكلام بصيغة الجمع: (فعقروها) و(بذنبهم) ... . 

وعلى امتداد القرون، يدون التاريخ في صفحات مشرفة ، سير الأبطال الأحرار الذين تصدوا للطغاة والمجرمين ، وقارعوا الحكام الظالمين , ومن مختلف الجنسيات والاوطان , بالإضافة الى الثورات  الشعبية والانتفاضات الجماهيرية وحركات التحرر العالمية . 

وعليه والكلام موجه للملتزمين دينيا والمؤمنين والمسلمين ؛ فضلا عن  دعاة الاسلام السياسي والحركات والاحزاب والفصائل والشخصيات الاسلامية ورجال الدين ولاسيما الشيعية منها - باعتبار ان اتباع ال البيت  من المسلمين ؛ هم اكثر الناس مقارعة للظلم والظالمين -  ؛ وكذلك لدعاة العلمانية والتحرر والديمقراطية والليبرالية ومقارعة الدكتاتورية الا ان هؤلاء غير أولئك  ؛ فالصنف الاول ينزجر بالنص الديني ويعمل به  ؛ والصنف الثاني ينطلق من العقل والوجدان وحقوق الانسان ... الخ ؛ ومما لاشك فيه ان النتيجة واحدة ؛   فالإنسان السوي والإنسان الذي لايزال يحمل جزءاً بسيطاً من ضمير حي ؛ لا يحب الظالمين ولا يعشق الجلادين ولا يترحم على المجرمين . 

 ان الذي يعشق المجرم ويحب الظالم , ويبارك جرائم الطغاة ويترحم على زبانية الظالمين وجلاوزة الجلادين , كالحجاج وزياد بن ابيه وصدام والدواعش  ومن لف لفهم واقتفى اثرهم وسار بنهجهم ؛ فأنه يحشر معهم ؛ فمن أحب مجرما وأيد إجرامه، وشجعه على هذا الإجرام ، فهو محشور معهوهذا ما يسمى  ب ( حب الاتباع والتأييد )  أي ان تحب إنسانا فتتبعه، وتؤيد ما يفعله، وتقر بما يقوم به، من إجرام، ومجازر ، فهذا النوع من الحب يعني أنك شريك معه في جرمه وظلمه وفقا للرؤية الاسلامية ، فمن يحب الظالم السفاح والمجرم الجلاد ، لإجرامه وظلمه ، فهو شريك له في جريمته من حيث الوزر، و يتساوى معه في الجرم والعقاب الاخروي عند الله ... ؛ وقال  الشيخ  الصنعاني تعليقا على قول النبي محمد : "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها": (ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) أي حضرها وشاهدها غير منكر لها ولا كاره، أي يكون برضاه بها، ومحبته في الإثم والذنب مثلاً لهم، لأن الرضى بالقبيح قبيح، وفيه دليل أن أعمال القلوب كأعمال الجوارح في الإثم وعدمه) ... . (1)

فما بالك إذا لم يكن  الحب مجرد حب ساذج او فلتة من فلتات اللسان او شبهة طارئة سرعان ما يتوب صاحبها منها ،  بل يتضمن  انعقاد القلب على حب الظالم والاعجاب  به , و تبرير افعاله ومثالبه ,  والدفاع عنه وعن جلاوزته ، واضفاء الشرعية على جرائمه ومجازره ؛ والادهى من هذا كله ؛ ان يسلك هذا المسلك المنحرف ويسير بهذا الدرب الاعوج ؛ رجال ادعوا مقارعة الظالمين وشخصيات ادعت محاربة المجرمين , ورفعوا الشعارات السياسية التي تندد بالظلم والجور والدكتاتورية والطائفية والعنصرية والاجرام والارهاب والاقصاء والتهميش ... الخ ؛ وساسة العهد الجديد , والذين هم من المفترض ان يكونوا على النقيض من رجال وساسة العهد البائد وجلاوزة صدام وجلادي البعث ومجرمي الطائفية .

وما عشت اراك االدهر عجبا , مجرد ارقام لا قيمة لها , ورفات هامدة , وامعات  , واحياء اشبه بالأموات  , وعيشتهم في عهد الطاغية صدام  كانت كمعيشة الحيوانات ؛ بل أسوء حالا واضل سبيلا , تتخطفهم زبانية المخابرات وجلاوزة الاجهزة القمعية اينما حلوا وارتحلوا , وتسحقهم كما تسحق الحشرات  , ومن نجا منهم ؛ عاش فيها خائفا يترقب , او اوى الى الجبال والبراري والاهوار , او التزم الصمت كما القبور ...؛ صاروا يمتدحون جلادهم بعد ان اهلكه الله , ويحنون لسياطه التي طالما لفحت ظهورهم ؛ حنين العبيد الاخساء الى اسيادهم اللؤماء ؛ وصدق شاعرنا الكبير المتنبي عندما قال بأمثال هؤلاء الشراذم  الذين عششت العبودية والدونية في نفوسهم الهشة : 

لا تشترِ “العبد” إلا والعصا معه… إن العبيد لأنجاس مناكيد .

وقد بذلت الاغلبية الاصيلة وبمعية احرار الامة العراقية ؛ الغالي والنفيس , وتكبدت الخسائر الباهظة والتضحيات الجسيمة , من اجل التخلص من الدكتاتورية والطغمة البعثية الصدامية ؛ ولولا دماء الشهداء وضحايا السجون الطائفية والمعتقلات البعثية وغرف التعذيب الصدامية والمقابر الجماعية ؛ لما استجابت القوى الكبرى لاستغاثات المظلومين والمعذبين والسجناء والمعتقلين والمهاجرين واللاجئين والمعارضين والمجاهدين  من ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ ولما اقدمت على اسقاط العميل المدلل ؛ ودار الزمان دورته , وأهلك الله مجرمي الفئة الهجينة , وزلزل الارض بجلادي الطغمة البعثية والزمرة الصدامية , وضاقت عليهم البلاد بما رحبت ؛ وجاء من جاء , وابتدأ مشوار العملية السياسية , وانبثقت انوار التجربة الديمقراطية , و رأينا وجوه لأول مرة نراها , وشاهدنا اشخاص لم نعرفهم من قبل , وفيهم الغث والسمين والطالح والصالح والكريم واللئيم والشجاع والجبان والوطني والعميل ... الخ ؛ وتزامنت مع هذه التجربة السياسية الجديدة ؛ الهجمات الارهابية والاغتيالات السياسية والافعال الاجرامية والاضطرابات الامنية ... الخ ؛ واسفرت هذه المعمعة عن استشهاد افراد وقتل اخرين , واختفاء اشخاص من المشهد السياسي العام وانزواء ساسة , وظهور اشخاص وتبوء البعض للمناصب الحكومية ومراكز القرار ؛ فتقدم الجبان والحرامي والفاشل واللئيم والمجهول ؛ وتأخر الشجاع والنزيه والناجح والكريم ومعروف الحسب والنسب ... ؛ وجار الزمان وجار ؛ حتى ادعت الامعات تمثيل الاغلبية الاصيلة والامة العراقية العظيمة ؛ واستنسر البغاث علينا، وتذأبت الأرانب وتعملقت الجرذان، وأصبح الحال غير الحال ؛ فخنعت أسودنا ، وانسحبت شخصياتنا وانطفأت نار تطلعاتنا ومشاريعنا الحضارية والتقدمية والتنويرية والتنموية , ونكست راياتنا العلوية وبيارغنا العراقية  ، وأغمدت سيوفنا ، وسكتت رجالنا ، وأقفرت العملية السياسية  إلا من جبان أو منافق او فاسد او فاشل ، أو مضيع متصدر أو أعمى أو غبي أو جاهل متحكم ،  باستثناء بعض الشرفاء والغيارى من ساسة وقادة  ومسؤولي  الاغلبية والامة العراقية طبعا  .

وظهرت حقيقة بعض الساسة , وبانت مظاهر الاستخناث السياسي , وعادت نغمة الاناشيد البعثية والاغاني العفلقية والبطولات المزيفة الصدامية ؛ وبسبب دونية وجبن  بعض ساسة الاغلبية العراقية ومخانيث الشيعة  وصل الاستهتار بمشاعر ملايين العراقيين من ضحايا النظام البائد ؛ من قبل ازلام النظام البائد وايتام صدام بحيث قام موظفو دائرة شركة الملاحة الجوية بإداء رقصة الجوبي وعلى انغام الاناشيد البعثية والصدامية ؛ تقليدا منهم لأفعال شخصيات النظام البعثي الاجرامي الهالك , وتمجيدا بالمجرم صدام , من خلال احياء ذكراه في دوائر الحكومة التي قامت على جماجم ملايين الضحايا من ابناء الاغلبية والامة العراقية وتضحياتهم الجسيمة في مقارعة البعث ومعارضة صدام  ... ؛ والمصيبة ان هؤلاء الاوغاد السفلة الذين يتغنون بصدام جهارا نهارا , قد فعلوا فعلتهم الشنيعة هذه امام مدير عام سلطة الطيران المدني عماد الاسدي وبعض المسؤولين  ...!!

و تجرأ بعض الساسة المخانيث و المنكوسين والطائفيين والارهابيين على التصريح وامام وسائل الاعلام العامة فضلا عن مجالسهم الخاصة ؛ بأمور وقضايا ومقارنات تهدف الى تبييض صفحة النظام البائد , بل وصل الامر بالبعض للاتصال والتواصل مع ازلام صدام ومجرمي البعث , وتقديم العون والتسهيلات لهم , بل وحضور مجالس عزاء الهالكين منهم والترحم عليهم , والترحم على الطاغية صدام , والاشادة بجرائمه وايامه الغبراء وسنوات حكمه العجاف ...؟!

وادعى السياسي والبعثي سابقا والمخرف لاحقا ؛ المدعو اياد علاوي : (( ... أن العراقيين صاروا يترحمون هذه الايام على نظام الرئيس صدام حسين، بسبب اداء الحكومات التي احرقت العراقيين بنار الطائفية والمحاصصة ... )) لم يستح هذا الافاك الدجال والمجرم البعثي من هكذا تصريحات مزيفة ومضللة , ولولا تخاذل ساسة الاغلبية وضعفهم ؛ لما تجرأ هذا المنكوس وغيره من سقط المتاع السياسي وحثالة التجربة السياسية الجديدة على مجاملة البعث والصداميين , والاشادة بهم , ومحاولة التقرب اليهم مرة اخرى . 

......................................

  • 1-التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (2/150).