في هذه المقالة ؛ نقتبس بيت شعر من   قصيدة ( أبت عبراته إلا انسكابا ) للشاعر ابو فراس الحمداني , وفيه يتحدث عن الشيب ؛ اذ انشد قائلا : 

وَما إِن شِبتُ مِن كِبَرٍ وَلَكِن *** رَأَيتُ مِنَ الأَحِبَّةِ ما أَشابا

يمر الانسان بعدة مراحل عمرية تحدث فيها تغييرات بيولوجية بالإضافة الى  التغيرات النفسية والاجتماعية التي يُمكن أن ترتبط بالتغيرات الهرمونية والتطورات العصبية والنمو العضوي ...؛  فمرحلة الطفولة تختلف عن المراهقة , وكذلك مرحلة الشباب تختلف عن الشيخوخة .  

وصدق من قال : ان دوام الحال من المحال ؛ فلا يبقى شيء على حاله ؛ اذ نولد أطفالا صغارا وتستمر مراحل النمو والكبر لدينا إلى ان نصل مرحلة الشباب وفيها يكون شعر الرأس اسودا براقا كثيفا كأمواج البحر المتلاطم في الليالي البيض ؛ ثم  نتعدى مرحلة  الكهولة حتى تظهر علينا علامات الكبر والشيخوخة ؛ اذ تُمثل مرحلة كبار السن ؛  المرحلة الأخيرة من التغيّر الجسدي، وتبدأ عادةً في سنّ 65 تقريبًا، وبشكلٍ عام، قد يختلف متوسط العمر للأشخاص بناءً على عدّة عوامل ؛ منها: مدى الحصول على الرعاية الطبية، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، والمنطقة التي يعيش فيها الفرد، وتجدر الإشارة إلى أنّه قد تميل النّساء إلى العيش لفترةٍ أطول من الرجال بمعدل خمس سنوات، وخلال مرحلة الشيخوخة ؛ يمُر كبار السنّ فيها ؛ بالعديد من التغيّرات والتي منها : ظهور الشيب ؛ نعم قد نرى اشخاصا لا تظهر عليهم ملامح الكبر لتميزهم بالوجه الطفولي ؛ وأشخاص قد نرى بياض شعورهم وهم صغار السن ... ؛ وشاعرنا الحمداني هنا يوضح لنا احد اسباب شيب الرأس ؛ اذ يقول ان شيب شعره ليس بسبب الكبر بالسن والتقدم بالعمر ؛ وانما بسبب الاحبة ؛ فقد رأى منهم ما يشيب له الرأس .

خيانة وغدر الاحبة بك , وتخاذلهم عن نصرتك , وتباطؤهم عن مساعدتك , وجفاءهم لك  ؛ أشد عليك  من ألف طعنة سيف ؛ فالمرء في علاقاته السليمة  كالصخرة القوية ؛ ولا يحطمها الا مطرقة الاحباب الخائنين والاصدقاء الغادرين , لذا قال الامام الشافعي  :

ولا خير في خلٍ يخون خليله ***  ويلقاه من بعد المودة بالجفا

وينكر عيشا قد تقادم عهده ***ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا

وكذا قال الشاعر : 

يخونك ذو القربى مراراً وربما*** وفى لك عند العهد من لا تناسبه

ولا خير في قربى لغيرك نفعها*** ولا في صديقٍ لا تزال تعاتبهْ

وحسب الفتى من نصحه ووفائه*** تمنيه أن يؤذى ويسلم صاحبهْ.

وكلما أشرقت شمس يوم جديد أو غربت يعتصر الفؤاد حزناً ويمتلىء القلب الجريح شعوراً بالوحدة فينكسر الأمل ؛ ويفقد الشعور بالفرح ؛ المرء المخذول من احبابه , وتظل الخيبة والألم الرفيق الدائم للقلب المغدور...؛ وعليه يكون شيب الرأس تحصيل حاصل . 

وعلق احد الشعراء الشعبيين العراقيين على البيت الشعري المذكور انفا ؛ قائلا :

أشحده كلبي شنحه من نهج ..وشحاب

وبيمن هام , كلي شولف .. وشحاب

مو من كبر راسي شاب .. وشحاب

انا من حبابي شبت والمر عليه