إذا سألت أي مواطن مصري عن سبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وصعوبة الوصول إلى فرص عمل محترمة فسيكون الجواب أن هناك عصابة من الحرامية مسيطرين على اقتصاد البلد، وربما يخبرك الأكثر جرأة أن الجيش مسيطر على كل شيء وفي هذا السياق نفسه سأعرض الآن ما أظنها المشكلات المصرية الثلاث، والتي تتسبب في كل تدهور اقتصادي وفي كل المشاكل الاجتماعية التي تواجه المصريين في آخر عشر سنوات.
المشكلة الرئيسية بالطبع هي عدم تصور تنازل أو استقالة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عن السلطة، وليس عند الناس أي أمل في الإصلاح السياسي إلا بموت السيسي وحدوث ثورة شعبية مسلحة ضد الحكومة الفاسدة والنظام المستند لقوة السلاح وبطش الأجهزة الأمنية والسيادية والتي هي الأمن الوطني والمخابرات العامة والحربية، باقي الأجهزة الأمنية تعمل كتابع لهذه الأجهزة الثلاثة، وحتى القضاء بعد تحويله لأداة الظلم أصبح مجرد كاتب قانوني عند الأجهزة السيادية، وأصبحت الشرطة مجرد عصا التنفيذ في أوامر القبض والاعتقال وتكميم الأفواه.
ربما يكون من الأفضل التفكير في حل هذه المشكلة أولا وقبل كل شيء، كيف سينزل السيسي من على عرش مصر ؟ إجابة هذا السؤال ستكون مضمون مقالاتي التالية بإذن الله، لأنه إذا تم حل هذه المشكلة سيكون من السهل التفكير في طريقة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة الفساد الإداري وبناء خطط التنمية، سيكون من الممكن التنفس مجددا حين يحل عنا هذا الكابوس المتمثل في حكم السيسي وتحالفات اللواءات ورجال الأعمال الفاسدين، وسيمكننا حينها التفكير بهدوء في طريقة لإيقاف التدهور الحاصل في الاقتصاد المصري وكذلك بناء مجتمع قوي كفاية ليواجه تحديات وجود مصر في منطقة منهارة ومتفككة.
المشكلة الثانية هي الهيمنة الكاملة للجيش واللواءات وشركات القوات المسلحة على كل الأنشطة الاقتصادية ومزاحمتها لأي صاحب عمل في مصر، هل من الممكن حدوث أي تنمية أو إصلاح اقتصادي يرفع من مستوى الطبقات الفقيرة بينما تظل السيطرة الكاملة لمؤسسات اللواءات والجهات السيادية على حالها بدون تغيير؟
تحولت عقيدة الجيش المصري في العقد الأخير لتصبح مجردة من أي مبدأ وطني أو قومي، وأصبح هم اللواءات الأكبر هو الحصول على قطعة من كعكة المصالح والمشاريع التي يفرض الأمر الواقع على أصحابها الاستسلام لمشاركة أحد اللواءات حتى تسير أمورهم بدون مشاكل، وربما أبرز هذه الحوادث هو محاولة الاستيلاء على شركة جهينة من صاحبها وابنه واعتقالهما حين تمسكا بالحق الأصيل في عدم التنازل عن ملكيتهم للشركة، أدى اعتقال الأب وابنه إلى وفاة زوجة صاحب الشركة حزنا وكمدا على مصير ابنها وزوجها، مثال آخر على الهيمنة الكاملة للجيش واللواءات على الإعلام هو الاتفاق العام أن شركة المتحدة تابعة للمخابرات المصرية وأنها تملك وحدها القدرة على الإنتاج الإعلامي والفني في مصر، بينما يستحيل منافستها من أي جهة إنتاجية أخرى لأنها تملك كل الموارد كما أنها تسيطر على أجهزة الرقابة وبالتالي فإن أي خروج عن الخط الإعلامي لشركة المتحدة لن يخرج للجمهور أبدا، النتيجة المنطقية لهذه السيطرة أنك صرت معتادا على الكلام عن شركة المتحدة وكأنها هيئة حكومية للإنتاج الإعلامي والفني أو أنها هيئة الشؤون المعنوية.
المشكلة الثالثة والأخيرة التي أختم بها مقالي هي مشكلة المعتقلين السياسيين وهي نتيجة مباشرة للقمع السياسي والهيمنة الكاملة لحكومة السيسي المستبدة ومنع أي صوت معارض مهما كان اتجاهه السياسي، أكثر من ستين ألف معتقل سياسي منذ عام 2013 وهذا يدل على شدة التهديد المستمر لأي معارض للسيسي بأن يتعرض للاعتقال بدون ارتكابه لأي جريمة وسيجد نفسه متهما بالانضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة، ربما يكون المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين أكثر حظا من غيرهم لأن لديهم قنوات للتفاوض والاتصال مع الحكومة بشأن إطلاق سراحهم، ولكن ماذا عن بقية المعتقلين، ماذا عن حياتهم التي تحطمت ومستقبلهم الذي حرموا منه حتى بعد خروجهم، ماذا عن الجروح العميقة في نفوسهم التي تسببت فيها وسائل التعذيب، والأهم ماذا عن أعمارهم التي ضاعت وهم محرومون من الحرية لكل هذا الوقت، لن يكون هناك أي تعويض بالطبع عن هذه الآلام، ولكننا نتمنى اليوم وقد حصل بعض الأسرى الفلسطينيين على حريتهم أن يتم الإفراج قريبا عن كل المعتقلين السياسيين من السجون المصرية.
في النهاية هذه محاولة لتحديد المشكلة الرئيسية في الواقع السياسي المصري وربما أتمكن في مقالات آتية أن أحاول اقتراح حلول لمشكلة الطغيان السياسي والاحتكار الاقتصادي لنظام السيسي والجيش على السلطة والاقتصاد في مصر.