ما اكثر المؤامرات التي تدبر في الليل ؛ بل و في وضح النهار لضرب استقرار العراق , وتعريض الاغلبية والامة العراقية للأخطار والاضرار , فالقوى الدولية الخارجية المعادية وقوى الخط المنكوس الداخلية الحاقدة والفاسدة ؛ تعمل اناء الليل واطراف النهار لزعزعة استقرار بلاد الرافدين وسرقة ونهب ثروات العراق وموازناته الانفجارية بشتى الاعذار الواهية والمسرحيات السياسية المكشوفة .
وبعد سقوط الحكومات الهجينة والطائفية عام 2003 ؛ ظن العراقيون الاصلاء خيرا بالتجربة السياسية الجديدة , والتي ارادوا من خلالها تحقيق مكاسب – مؤجلة لعقود طويلة - للأغلبية المحرومة والامة العراقية الاصيلة المظلومة , وخاب ظنهم ببعض الزعامات والقيادات والاحزاب والتيارات السياسية والتي تتدعي تمثليها للأغلبية والامة العراقية .
اذ استبشر العراقيون بالعهد الجديد , وظنوا انهم طووا صفحات المؤامرات والحروب والمعارك والشعارات والازمات والانتكاسات والفواجع و البلاءات والفقر والفاقة والبطالة والجهل والتخلف والانحطاط وسائر المشكلات ؛ مع طي الصفحات السوداء والايام الغبراء للحكومات الهجينة البائدة ؛ ولكن ما كل ما يتمناه العراقي الاصيل يدركه , فقد شنت قوى الظلام والارهاب والاجرام الخارجية والداخلية المنكوسة حملات شعواء وهجمات هوجاء , واعلنوا معارك رهيبة لا هوادة فيها ضد العراق والاغلبية والامة العراقية ؛ وساعدهم في ذلك العملاء والخونة والفاسدين والمخربين والجهلة والمنكوسين من المحسوبين على الاغلبية والامة العراقية .
مما شكل ظهور تهديدات جديدة وظواهر خطيرة تهدد وجود الاغلبية والامة العراقية , وتعرض امن واستقرار العراق للخطر وبصورة مستمرة ودائمة , ومن هذه الظواهر السياسية السلبية ؛ حشر العراق في قضايا دولية واقليمية كما كان يفعل نظام صدام البائد , واشغال الرأي العام العراقي بالمسائل والشؤون الخارجية بحجة الدين او القومية او غيرهما من الذرائع والأعذار , واختلاق الاباطيل والتراشق الاعلامي بين الاضداد النوعية , وافتعال المسرحيات والازمات المبيتة ... ؛ وذلك لإهمال الشؤون الوطنية والقفز على واقع الهموم العراقية والهروب من المشكلات الكثيرة والكبيرة التي تواجه الاغلبية والامة العراقية , واهدار وتبذير وتبديد الطاقات والموارد البشرية العراقية والثروات الوطنية .
فالأغلبية الاصيلة والامة العراقية وبعد كل عقود الاضطرابات والحروب والاعدامات والاعتقالات والحصار والجوع والفقر و ( الهوسات ) والازعاجات والمسرحيات والشعارات ... ؛ ارادت ان تتنفس الصعداء , وتستريح من فترات الظلام والبؤس الطويلة , وتعيش بكرامة واستقرار وامن وامان وبحبوبة من العيش الكريم , وان تحظى بقيادات حكيمة ومسؤولة تعمل على حفظ امن واستقرار العراق وحقن دماء الاغلبية والامة العراقية , ودفع الضرر والخطر عن الوطن قدر الامكان وبكل الطرق والوسائل المتاحة ... ؛ فحقيقة الامر اننا لم نكن في يوم من الايام أحسن وأفضل وصرنا الان أسوأ ... ؛ نعم أننا كنا أسوأ ولم نصبح الافضل والاحسن في المنطقة ؛ بعد كل تلك التضحيات الجسيمة والدماء الزكية والخسائر الفادحة التي بذلتها الاغلبية والامة العراقية ... ؛ بل ان البعض يدعي ان الاوضاع هي هي , لم تتغير , وان التغيير الحاصل انما هو تغيير شكلي سطحي قشري ؛ لم يعالج اسس الخراب والدمار الشامل ولم ينهض بالعراق نهضة حقيقية شاملة وكاملة ؛ وكأننا اصبحنا مصداقا للمثل الشعبي العراقي : (( المطي نفس المطي بس الجلال مبدل )) فعملاء اليوم يشبهون عملاء الامس من حيث التوجهات والقرارات والأيدولوجيات ؛ وليس من حيث الطباع والاخلاق والشخصيات ... ؛ فمن اوضح الواضحات تحكم القوى الدولية الكبرى بمصائر اغلب دول العالم الثالث , وانصياع حكام تلك الدول للإرادات الاستعمارية والضغوط الاستكبارية ؛ وقد اعترف احد الحكام قائلا : ( كلنا عملاء الا انه يوجد فينا من هو عميل ايجابي ومن هو سلبي ) فأن كان لابد من العمالة او التنسيق مع القوى الدولية الغاشمة ما شئت فعبر ؛ فلتكن عمالة ايجابية او تنسيق يصب في مصلحة العراق والاغلبية والامة العراقية ؛ و كما قال اهلنا : (( الرجال اليعبي بالسكلة ركي )) فقد سئموا من ( بياعين الكلام ) ورافعي الشعارات , ومطلقي ( الكلاوات ) ومروجي الدعايات والمسرحيات , واختصروا الحقيقة والحق بقولهم هذا ؛ فهذا المثل يضرب في الرجل الجاد والصادق والذي يحصل على حاجته بمجهوده وعرق جبينه ويجلب لاهله وعائلته قوتهم اليومي ويؤمن لهم كفافهم ... ؛ وقد يستخدم للمفاضلة بين رجال الافعال والانجازات ورجال الاقوال والشعارات ... ؛ فبعض الساسة وادعياء الزعامة والقيادة كالعبد الخسيس ( ... لا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ... ) او مثل ( صكر فويلح ) لا يأتينا منهم سوى الازمات والفساد والفشل والخراب والانتكاسات .
نعم نحن لسنا معترضون على موقف الاحزاب والفصائل والتيارات تجاه هذه القضية او ذلك الملف الخارجي او الداخلي ؛ ولسنا ضد تعدد الآراء والرؤى والتوجهات العراقية ؛ او تنوع العلاقات الوطنية الخارجية واشراك العراق في المحاور والتحالفات الدولية والاقليمية ؛ فهذا الامر يكاد يكون طبيعيا في اغلب دول العالم ؛ ولكن بشرط تحقيق المصالح الوطنية العليا والمتمثلة بدرء الشر والخطر عن الحدود الوطنية والداخل والنأي بالنفس عن الاخطار المحدقة بنا والمحافظة على ثروات البلاد وارواح العباد ؛ وجلب الخيرات والامتيازات والخبرات الدولية للوطن .
نعم انا اعترض وكل احرار العراق الوطنيين يعترضون ؛ ان كان التدخل في الشأن الفلسطيني او اللبناني او اليمني او السوري ... الخ ؛ يسبب للعراق والعراقيين الخسائر الفادحة , والتداعيات المدمرة , ويعرض امن واستقرار الوطن للخطر , فنحن لا نريد اعادة تجربة النظام البعثي الصدامي الهجين , والذي كان يتبجح بالشعارات الكاذبة والخطب الطنانة والعبارات الرنانة والفارغة من كل محتوى صادق وحقيقي ولا تصب في مصلحة الفلسطينيين ولا العراقيين ؛ وانما تخدم مصالح اسرائيل على المدى البعيد ؛ فقد ادعى صدام انه سوف يحرق نصف اسرائيل ؛ الا انه حرق العراق كله فيما بعد , وكذلك طلب من الدول العربية اعطاءه ( وصلت كاع ) كي ينطلق منها لتحرير القدس ؛ وكان بإمكانه احتلال الاردن والدخول مباشرة الى فلسطين كما فعلها مع الكويت ؛ وقد قالها صدام مرارا وتكرارا : ان مسرى الرسول يستحق ان نقتل وندمر وتخرب بلادنا من اجله ... ؛ وبدلا من ذلك ؛ شكل جيش القدس الاجباري والذي ساق اليه مئات الالاف من العراقيين قسرا ؛ مما دفع البعض الى شتم القدس ولعن القضية الفلسطينية ؛ ولعل غاية صدام الحقيقية تكمن في الوصول الى تلك النتيجة المرة ؛ وقبلها اطلق على اسرائيل - ضمن مسرحية اعدت سلفا بين الاطراف الدولية – 39 صاروخ كلها سقطت في البراري والصحاري ولم تقتل عصفورا او تهدم حجرا ؛ وفي مقابل تلك الصواريخ ؛ دفع العراق لإسرائيل تعويضات مالية طائلة ؛ وقيل ان اسرائيل بنت القبة الفلكية بها .
ان حكومات الفئة الهجينة كانت تريد منا - سابقا - ان ننحر العراق من اجل العروبة ونذبح العراقيين لأجل عيون الفلسطينيين والسودانيين والصوماليين ... الخ ؛ كما يطالبنا اليوم بعض العملاء و المنكوسين والجهلة بإسكان اهالي غزة في محافظة الانبار ؛ او ارسال شباب الاغلبية العراقية الاصيلة للقتال في غزة من دون غطاء جوي او دعم لوجستي او مدادات برية امنة ... !!
يريدون منا ان ننحر قضيتنا الوطنية الكبرى على اعتاب قضاياهم ... ؛ على أننا - وإن كنا ندرك أن القضيتين العراقية والعربية والاسلامية مترابطتان بمشتركات ثقافية وتاريخية - الا اننا لا نرضى أن تنحر قضيتنا العراقية الخاصة بأي حجة من الحجج ، أو ذريعة من الذرائع ؛ و ان فلسطين وغيرها لا ينبغي أن تلغي العراق , كما لا ينبغي أن يلغى وطن وتصادر قضايا المواطنين ، لحساب وطن اخر ، وخدمة لقضية اجنبية او غريبة يريد أهلها أن يخدموها ، بأي وسيلة وإن كان فيها نحر لقضايا الآخرين .
اليوم وصل كيلو الطماطة الى ( 2000 دينار ) وكذلك ارتفع سعر كيس الطحين الى ( 30 الف ) و واصل الدولار ارتفاعه الى ( 161 الف دينار مقابل المئة دولار ) ؛ ناهيك عن كساد السوق العراقي وركود النشاطات الاقتصادية , وشلل الحياة العامة ؛ وكلنا نعرف ان الحياة وكذلك السياسة عبارة عن اولويات , ومصالح متعارضة واهواء متضاربة ؛ الا ان الاهم يقدم على المهم , وكما ان مصلحة مصر تشكل الاولوية بالنسبة للسياسي المصري , وكذلك مصلحة فلسطين تمثل حجر الاساس للسياسي الفلسطيني ... الخ ؛ كذلك ينبغي على ساسة العراق تقديم مصلحة العراق والاغلبية والامة العراقية على غيرها من المصالح العربية والاسلامية والدولية ؛ ولعل هذه البديهة السياسية عرفها اهلنا البسطاء في العراق قديما ؛ حيث جاء في المثل الشعبي : (( اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع )) فليس من المعقول ان يتبرع العراق لدولة جزر القمر, او يقوم بإرسال مساعدات كثيرة وكبيرة الى هذه الدولة او تلك , وابنائه يعانون من الفقر والعوز والبطالة ...!!
فالناس في العراق باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية، فالمواطن العراقي محدودب ظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها حكومات الفئة الهجينة الهالكة وحكومات العهد الديمقراطي ودورات مجالس النواب المتعاقبة على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي كان لهم اليد الطولي في وجودها فلم تجد بدّآ لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه ورفع سعر صرف الدولار ، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والمواد الضرورية والدواء والماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة ؛ او التمتع بالكهرباء والهواء النقي ... الخ .
ولمصلحة من نرسل الشباب العراقيين للقتال في المناطق البعيدة ؛ ولقد خاضوا معارك سابقة في بعض المناطق والمحافظات من وطنهم الام ؛ وقتلوا من اجل تحرير الارض , ومع ذلك اتهموا بشتى التهم الملفقة , ولاحقتهم لعنات النواصب الحاقدة والمنكوسين وهم شهداء في قبورهم , والى هذه اللحظة يتم تشويه سمعتهم وخمط حقوقهم والاستهانة بتضحياتهم الجسيمة ؛ فعلام نعيد نفس الاخطاء , واجهل الجهال من عثر بالحجر مرتين ...!؟
فأن كان ولابد من نصرة اخوتنا في غزة ؛ فلندعمهم وننصرهم بالإعلام والسياسة والمحافل الدولية والديبلوماسية والعلاقات الخارجية , وان فاض شيء من خيرات العراق فهم اولى بها ؛ ولا ننسى بأن الفضيلة وسط بين رذيلتين - وسط بين الافراط والتفريط - , وكما قيل قديما : خير الامور اوسطها ... ؛ ولنا في سياسة ايران اسوة حسنة ؛ فقد رجعت من سفري لها قبل ايام معدودة ؛ اذ رأيت الايرانيين يعملون بإخلاص وجد ونزاهة بلا توقف , والحياة عندهم تسير بشكل منظم , وشاهدت مجالات السياحة والصناعة والزراعة والتجارة مزدهرة , ناهيك عن الامن الاجتماعي والاستقرار المجتمعي وسيادة القانون والنظام والانضباط , وارتفاع وتيرة العمل في البنى التحتية والعمران والبناء ... الخ ؛ ولم اشاهد في وسائل الاعلام الايراني او في الاوساط الاجتماعية والدينية دعوات للشباب للتوجه الى الحدود الفلسطينية او دخول غزة او الهجوم على الإسرائيليين ... ؛ مع العلم ان ايران من اكثر الدول دعما للقضية الفلسطينية والمقاومة ...!!
نعم لا بأس بأرسال القوات العراقية الى خارج الحدود ان كان امن العراق والعراقيين يتوقف على نقل المعركة الى خارج حدودنا ... , او اذا فرضت المواجهة العسكرية علينا فرضا لا خيار لنا فيها ... الخ ؛ اما ان يكون العراقي الاصيل كبش فداء لهذا او ذاك ؛ او ان هنالك مندوحة من الامر ومجال للتفاوض والحوار ومع ذلك فضلنا القتال والحرب على السلم والامان والامن المجتمعي والديبلوماسية السياسية ؛ فهذا الامر مرفوض جملة وتفصيلا .
و يشهد الله اني لست بأجبنكم ؛ ورأيي من رأيكم , ولسان حالي كما قال الشاعر :
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ******* غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
وان اقتضت المصلحة الوطنية ؛ الذهاب الى امريكا اللاتينية للقتال هناك لفعلت ذلك بلا تردد ... ؛ وعليه يجب على قيادات وشخصيات الاغلبية والامة العراقية ؛ التريث قبل اتخاذ القرارات السياسية الخطيرة والتي تعرض امن العراق واستقراره للزعزعة والانهيار , وتجلب الخسائر والويلات على ابناء الاغلبية والامة العراقية .