أمسك أستاذي الدفتر الذي على الطاولة أمامي، بنية تفحصه، و توقف عند الصفحة الاولى، ثم أغلقه و هو يقول ببطء و هدوء، يريدني بهما ان استوعب ما يقول: (ليس لك حق في الكشف عن ميولاتك السياسية داخل مؤسسة تعليمية.
كنت قد كتبت على الصفحة الاولى، بخط كبير، أريد به اظهار مايكنه قلبي من افتخار، و لون احمر اريد به الافصاح عن الحب...كتبت هناك بخط بارز أحمر: (فلسطين)!!
هذه الكلمة التي تقع على القلب كوقع قطرة عسل صافية، يلقي بها الاستاذ في حظيرة قذرة، ثم يخرج و يخرجني، و يوصد الباب محذرا اياي من الاقتراب منها!
ما آلمني شيء سوى أنه سجن قضية أمة قد نالت من مساحات القلوب ما نالت و كانت حصتها منها الاكثر شساعة، في بيت تضيق به جدرانه، و أني قبل ان تسقط عيناه على الورقة المذكورة، حاولت ان اواريها بيدي.. فكنت بذلك اول من اشير الى نفسي باصبع اتهام، و وضعت عني سلاح الفخر الذي كنت اتوشحه، و درع شرف حب هذه الارض.. بدوت اكثر ضعفا و بدت الفرصة سانحة لاطلاق الرصاص صوبي.. و راح يحدثني عن الطرق -الصائبة- للالتزام بالاسلام و دعوة الناس اليه.. و ما علاقة هذا بذاك؟!!يحدثني عن السياسة .. و ما شأني و السياسة؟ اني احببت فلسطين كلمة مضمخة بالحنان.. قبل ان احبها وطنا و قضية.. احببتنا اناسا و شعبا... احببتنا لبراءة اطفالها و وقار شيوخها لعظمة نسائنا و شدة رجالها.. و احببتها حاضنة للقدس و الاقصى.. <3
بعد بضعة اسابيع قدر لعين الدفتر ان يقع بين يدي استاذ اخر ليتفقده، و بعد صمت التزمه، وسط ضجة مروره بالأوراق.. أطلق ضحكة كانت صافرة بداية ضحك البقية...
رفعت رأسي صوبهم، أعلم لم يضحكون هم.. و لا أعلم لم يضحك هو.. هم يضحكون لانهم يدركون اني تلك الحمقاء التي تملأ دفاترها بشعارات فلسطين، و كلمات لا تملك لها نفعا و لا ضرا.. تسكب من محتويات قلبها المكتظ بآلام من اسمتهم اخوانها.. و قد ضحكوا مني ،قبل الان، كثيرا...اما هو فلا اعلم لم يضحك!!.. انتظر ان ينبس بكلمة تكون دليلي لمعرفة السبب، التفت اليه اود قول شيء لا اعلم ما هو.. فسبقني الى الكلام:
-سأضيف الى رصيدك "نقطة" لأجل هذا..
ثم افرج عن ما تبقى في نفسه من الضحكات...
أتم: -جيد أن يكون تفكيرك بهاته الطريقة.
ألقيت نظرة على ما كتب على الصفحة التي بين يديه فوجدته: (ادرس لأجل الأقصى)
لم أسر بتلك القيمة المضافة لي في مادة تخونني مما اجتهدت في الوفاء لها، و لا تجود لي الا بالقليل مهما استعددت لاعراس فروضها...بل سرني أن اصادف من يقاسمني فكرة أن فلسطين قضية وطن و أمة و إنسان...
هو ذاك أستاذ الرياضيات يفكر فقط.. و هو ذاك استاذ الفيزياء يفكر و يحس...
أستاذ الرياضيات -في حصته- لن تنجح في إقناعه إلا ببرهان منطقي محض، إلا اذا استخلصت له من بين العلاقات الرياضية الكثيرة، علاقتك كطالب في الصف الثانوي و علاقة دفاترك العلمية بفلسطين!! النخوة، العروبة، الانسانية... مجاهيل لا يعرفها...
حسب ما يراه، فلسطين محتلة، و "الاحتلال" مصطلح يعثر عليه في القاموس السياسي.. لا مكان له في دفتر الرياضيات.. حسب ما يراه، فلسطين الآن تدفع ثمن لعبة سياسية خسرت رهانها لفترة ستنتهي.. كما دفعت باقي الدول التي احتلت ثمن سذاجتها و فشلها في حماية نفسها ..حسب ما يراه، ما يحدث ليس الا مسرحية، دماء جارية، بطون خاوية، ارض ضائعة، أم باكية، أطفال مشردون و اخرون لاجئون.. كل ذلك لا يهمه.. هو يفكر فقط لا يحس.. و كثيرا ما كان يحذرنا من اقحام العاطفة في المسائل الرياضية.. حسب ما يراه، كل شيء سينتهي، و ما تلبث ان تعود المياه الى مجاريها، و يدحر الاحتلال كما دحرت احتلالات سبقته، فلا داعي لصرف اهتمام في مسرحية معلومة النهاية.. كمن يهدر وقته في حل معادلة يعلم حلها و برهان حلها...
و ما دام أستاذ الفيزياء.. يستنتج من ملاحظاته و تجاربه قوانينه، فلا عجب ان يسنتج مما لوحظ من ظلم و بغي و عدوان في حق شعب لا يطلب الا حقه في ارضه و رحيل المحتل، و يتفق معي في ان حب فلسطين واجب انساني، و انه أضعف من أضعف الواجب ان نحتفظ بهذا الحب في قلوبنا و بين أوراق دفاتر الرياضيات و الفيزياء...
مريم وفيق
كتب بتاريخ : 20/03/2016