جاء في الحديث  المنسوب للنبي محمد ؛ انه قال : ((كيف بكم إذا فسد نساؤكم، وفسق شبّانكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ )) فاستغرب الصحابة والمسلمون من ذلك , وقالوا : ويكون ذلك يا رسول الله؟!

فقال :  (( نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف )) وتعجب المسلمون من هذا الامر وقالوا :  يا رسول الله، ويكون ذلك؟!

 فقال : ((  نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً )) .(1)

وجاء عن الامام علي  : (( ... ؛ فمن لم يعرف قلبه معروفاً، ولم ينكر منكراً، نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه، فلا يقبل خيراً أبداً )) (2) 

نعم قد تنقلب لدى الفرد الموازين وتشتبه عليه الامور فيرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً ؛ ويصبح القاتل شهيدا والمقتول ارهابيا في نظره .

لم أكن أعلم أنني سأعيش في ظل ظرف يسمح لذوي الارهابيين واهالي الذباحة والقتلة المجرمين بالحصول على المنح والعطايا والمساعدات والرواتب الحكومية المجزية ؛ والادهى والامر ان يمسي الداعشي مجاهدا والارهابي شهيدا والذباح ضحية من ضحايا الارهاب , ويكافئ ذوهم وتكرم عوائلهم ... ؛ كنت اظن ان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار , ولم اتصور قط اننا سنكون على سرر متقابلين , ونحتسي  من خمر الجنة  معا  ...  !! .

ولا اجد لحيرتي هذه من جواب ؛  سوى ما ورد في الحديث المنسوب للنبي والذي ذكرناه انفا ؛ فهو جوابا للتساؤل ورفعاً للاستغراب  ؛ عندما  اجد بعضاً من ساسة الاغلبية يصفون من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين الابرياء بأنهم ضحايا وشهداء ؛ بل ويستحقون رعاية الحكومة واهتمامها ...!!  

ومن حق حكومتنا رعايتهم , لان القتلة والذباحة ؛ لم يألوا جهدا في ذبح الضحايا المظلومين ونحر الشباب العراقيين , وتفجير المساجد والدوائر والاسواق  , وتفخيخ الاطفال والنساء والمرضى والمجانين , وقتل الجنود والشرطة وقوى الامن العراقية , والتعاون مع اعداء العراق ؛  للعبث بأمن واستقرار الوطن , ونهب خيرات بلاد الرافدين  وسلب ثرواتها  , وتدمير كافة بناها التحتية بما فيها الاثار وقبور الموتى ... !! . 

وقد كشف حيدر العبادي في لقاء متلفز - لبرنامج بالمختزل مع الإعلامي سامر جواد- : إن وثيقة الاتفاق السياسي التي وقعت عليها الحكومة تضمنت بنداً يعتبر الانتماء إلى “داعش” ليس بالجريمة، وبالتالي سيكون لقتلاهم تعويضات باعتبارهم شهداء ... .

نعم : اوافقكم الرأي بأن السياسة فن الممكن , وان للسياسة متطلباتها , وللظروف احكامها ؛ وانا لست من دعاة الشعارات الخيالية والمبادئ الطوباوية و( الحجي المعلك ) والثوابت المتحجرة ؛ بل أؤمن بالسياسة البرغماتية والمصالح الوطنية فقط ؛   الا ان هذا لا يعني الانبطاح امام الاعداء والتفريط بالمصالح العليا ومبادئ الامة والاغلبية العراقية السامية , فلابد للساسة من اتقان لعبة السياسة ؛ فالسياسة أخذ وعطاء , ومكر ودهاء , فعندما يعطي السياسي باليد اليمنى لابد له من الاخذ من المقابل باليد اليسرى , والا ما جدوى السياسة وما نفع الساسة ؟!

فهل من السياسة ان تبنى وتعمر محافظات الشمال وتتطور وتزدهر باستمرار , بل وتصبح مكانا امنا ومركزا مستقرا لكل البعثات والوفود والقنصليات والسفارات الدولية والشركات العالمية ؛ وكذلك محافظات المكون السني الكريم ؛ التي  تنعم  ببحبوحة  من العيش ؛ وبناها التحتية افضل بكثير من غيرها , وكذلك نسبة البطالة ومعدلات الفقر أقل ... الخ ؛ وفوق كل هذا يطالب ساسة المكون السني باحتساب القتلة المجرمين والذباحة الارهابيين ؛ شهداء ...؟!

بينما يعيش سكان محافظات جنوب العراق أوضاعاً صعبة، واحوالا بائسة ,  وسط الفقر والبطالة وغياب الأمن وسيطرة العشائر والأحزاب وعصابات الفساد ومافيات الارهاب ؛ بالإضافة الى  خراب البنى التحتية وسوء الخدمات الصحية والتربوية والتعليمية ... ؛ ناهيكم عن مشاكل وازمات الكهرباء والماء ... الخ . 

ان كانت السياسة الناجعة  والساسة الناجحين بهذا الشكل ؛ فعلى السياسة والساسة السلام . 

وهذا لا يعني اني احمل حكومة العراقي الاصيل السيد السوداني مسؤولية ذلك التردي والبؤس في جنوب العراق ؛ فهذه مسؤولية الحكومات السابقة وتداعيات قراراتها واجراءاتها  وصفقاتها ومشاريعها الفاسدة , وسوء ادارتها . 

...............................

  • 1- المصدر الأصلي: قرب الإسناد/المصدر من بحار الأنوار: ج٩٧، ص٧٤ .
  • 2-المصدر الأصلي: تفسير القمي/المصدر من بحار الأنوار: ج٩٧، ص٧٢