بقلم: د. أحمد المغراوي

ما حدث في دول الربيع، إن الشعوب لم تعد تخشى طغاتها وأنها نزعت حاجز وهاجس الخوف لكنها تعثرت لأنها لم تتخلص من الخوف من بعضها البعض وذلك لغياب ثقافة الاختلاف إلى جانب الاستقطاب الشديد في مجتمعاتها. ثقافة الخوف هي ما سعى الطغاة تحديدا إلي غرسها ورعايتها لعقود لتتم لهم السيطرة والحكم. كل ما فعلته الشعوب هو الإطاحة برؤوس هذه الأنظمة دونما التخلص من الموروث العفن الذي ساد لعقود. إن من السذاجة الاعتقاد بان الانتقال من ثقافة الاستبداد إلى ثقافة القبول بالاختلاف سيكون يسيرا وسهلا، فقد احتاجت أمريكا لعقود لتصل لما وصلت إليه من ثقافة (رجل واحد صوت واحد). في هذا السياق كانت ملحمة 71 فبراير تمثل أسمى المعاني الإنسانية كالصدع بالحق، والفداء، والتطلع إلي الحرية، وكانت ولا زالت امتحان، وتغربيل، وتمحيص لليبيين ليعرف الله الخبيث منا من الطيب. كانت تجربة وامتحان من اجل معرفة مدى قدرتنا وطاقتنا لنصرة الحق وأهله. هذه التجربة والامتحان للأسف سقط فيها منا الكثيرون. ولهذا علينا أن نعترف بأننا كمواطنين جزء من المشكلة وكذلك جزء من الحل، وأننا ابعد ما نكون إن نكو نوا مسلمين. ازدواجية الشخصية وغياب المرجعية الأخلاقية أو العلمية أو القانونية أو الدينية أو العرفية هي المشكلة التي يعاني منها المواطن الليبي بصفة خاصة. أن هذا ليس جلد للذات كما قد يعتقد البعض ولكنها الحقيقة بدون رتوش فالنفس البشرية تستريح إلي كلمات المجاملة وتجد غضاضة في سمع الحقيقة لأنها ثقيلة على القلب. علينا إن نعي إن صناعة التاريخ ومن ثم صناعة حضارة لا تحدث وفق الرغبات والتمنيات الحسنة. صناعة الحضارة لا تحدث من خلال بطل أو منقذ أو حاكم عادل أو من خلال شعارات كما يعتقد البعض، لكنها تتم وفق الثقافة الجماعية والعقل الجماعي للمجتمع ونحن للأسف نعاني من غياب ثقافة العمل الجماعي أو بمعنى أدق ثقافة الائتلاف. علينا إن نؤمن بأنه في غياب الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات ينمو حكم السادة الذين يستبيحون كل شي وبالتالي يستباح الوطن والمواطن. علينا إن نعي إن الديمقراطية تعني التعددية السياسية الحزبية وتعني التداول السلمي على السلطة، وان الديمقراطية هي وسيلة وليست غاية. على الليبيين إن يعوا أن الديمقراطية النقية تودي إن تقع السلطات الحاكمة في أيدي الرعاع وخاصة في البلدان ذات التاريخ غير الديمقراطي. على الليبيين إن يعوا إن أصواتهم في الانتخابات هي أمانة وواجب ديني وعليهم إن يحرصوا إن يؤذونه بأمانة وصدق وإخلاص وأولا وأخيرا بيعة في رقابهم مسؤلين فيها إمام الله والناس. وحتى تنهض الأمة الليبية من جديد عليها إن تتخلى على ممارسة ثقافة الانتظار) انتظار المخلص (إلى جانب التخلي على ممارسة النفاق الاجتماعي والسياسي وان ترفع الرسالة التي كلفت بها منذ 7341 عاما من تقديس العمل والوقت والدعوة إلى العلم والعدل والحياة والصدع بالحق ونصرة المظلوم. على الأمة الليبية إن تحطم الأصنام من جديد وتبدأ مشروع النهضة، مرحلة جديدة من البناء وعودة الوعي والذي سيتيح لأفرادها حرية الفكر والإبداع ويعيد لمواطنيها كرامتهم التي اغتصبت وسلبت منهم ويتيح لهم من جديد المساهمة الفعالة في الحضارة الإنسانية التي كان الإنسان ولازال أحد شواهدها.

تفاصيل الخبر على الرابط التالي: http://www.eanlibya.com/archives/84362