Image title

من قصص الطفولة التي كانت ترويها لي جدتي قصة (خاش باش) البنت الفاتنة التي لا تـشبه اسمها والتي كادت لها زوجة أبيها، وعانت من ظلم أخواتها واكتفى والدها بأن هرّبها من البيت لينصرها على زوجته التي طلبت قتلها. في رحلة (خاش باش) الطويلة نحو النجاة تأوي إلى نخلة لتهرب من الذئب وتخاطب النخلة قائلة: يانخلة أمي وأبي انزلي انزلي..
فتصير النخلة في مستوى قامتها، وترتقي عليها وتقول: يانخلة أمي وأبي اطلعي اطلعي...
فتعود النخلة لطولها الشاهق فتصير البنت في مأمنٍ من الذئب.

اتذكر أيام الثانوية ربما، نشرت صحيفة الحياة ملفًا خاصًا عن القصص الشعبية في البلاد العربية، وصادفت مشهدًا قريبًا من هذا المشهد في قصة أردنية، بنت تهرب إلى شجرة وتخاطبها بجملة مشابهة: انزلي... فتنزل... واصعدي فتصعد.

والآن في أولى أساطير عبدالكريم الجهيمان الشعبية تهرب (جوزاء) بأمر أخيها (خضير) من حصانه الذي يعشقها، لا يقتل الأخ حصانه ليحمي أخته لأنه حصان أصيل معروف بالسبق، وكل ما يبذله لحماية أخته هو منحها ثلاثة أيام تهرب فيها وتبتعد بأقصى ما يمكنها قبل أن يطلق حصانه المهتاج الذي عجز عن تهدئته. يلاحق الحصان جوزاء ويقترب منها فتأوي مع جاريتها إلى شجرة. تخاطب الشجرة قائلة: ياشجيرة البر تقيصري تقيصري وأمك القصيرة... فصارت الشجرة تهبط إلى الأرض قليلًا قليلًا حتى لامست أغضانها التراب فقذفت جوزاء بحوائجها على ظهر الشجرة وجلست مع جاريتها أعلاها وقالت: ياشجيرة البر تطيولي تطيولي وأمك الطويلة.
فصارت الشجرة ترتفع وترتفع حتى جعلتهما في مأمنٍ من الخطر.


بغض النظر عن سُبل النجاة الأخرى في هذه القصص، اللجوء للسلطة أو الاحتماء بسطوة الجمال والفتنة أو الهرب مع العبيد وارتداء جلودهم لستر الجمال الذي كان منذ البدء سببًا في الأزمة كما قد يكون في الختام بابًا للنجاة... من بين كل هذه الطرق يظل هذا التفصيل الهامشي، الحميمي، والمكرر مع الشجر تفصيل آسر ويغري بتتبعه في القص الشعبي... فالشجرة التي كانت سببًا في الهبوط من الجنة تصير في الأرض مطواعةً للنساء وحاميةً لهن تنزل بفعل كلمة وتصعد بفعل الكلمة أيضا.