أهلاً بك -عزيزي القارئ- من جديد، مضى بعض الوقت، تمنّيت لو كان إلهام الكتابة يأتي كما يأتي إلهام الرسم، لكنّ هذه أمنيةٌ بدايةً.
في صيف 2010 م، وَ حينما كنت طالبًا في الجامعة، كانت كليّة الحاسب تُلزم كلّ طالب أن يُنهي ما يسمّى “التدريب الصيفي” كي يحصل على وثيقة التخرّج. الفكرة الرئيسيّة من هذا الأخير أن يتدرّب الطالب فترة 8 أسابيع لدى جهةٍ ما، سواءً كانت جهةً حكوميّة أو جهةَ قطاعٍ خاص. يتولّى الطالب عمليّة البحث وَ العثور عليها، لابدّ أن تكون هذه الجهة ملائمةً تقبله و ملائمةً تقبلُ بها الجامعة أيضًا.
ثمّة مشكلةٌ صغيرةٌ هنا -على الرغم من كلّ ذلك-، الجهات تقبل بالطالب عادةً لكنّ نصفها -و ربما أكثر- لا يملك خطّةً لبرنامج التدريب، بعضها تُسند إلى الطالب مهامًا لا علاقة لها بتخصّصه الجامعي، وَ الذي يفترض من الطالب أن يتدرّب في فلكه، لكن الأمور -على كلّ حال- لا تجري دائمًا بشكلٍ صحيح.
كنت قد خُضت تجربة تدريب صيفي لست بها فخورًا، إذ كانت مُخرجات التدريب بالنسبة لي صفرًا، لكن الجامعة -على كلّ حالٍ- قبلت بجهة التدريب وَ قبلت بنتيجة هذا التدريب أيضًا. الآن أدرك، أن اختيار جهة التدريب الجيّد جديرٌ أن يجعل التدريب الصيفيّ أمر مَرِح وَ مفيد. لكن قد تجد نفسك محدودًا في بعض الأحيان وَ مضطرًا لاختيار جهة غير ملائمة، إمّا لأسباب جغرافيّة أو زمانيّة أو غير ذلك من الأسباب. الجهة التّي تدربت لديها كانت جهة تقدّم خدمات إنسانيّة، لا أشكّ في نُبل غايتها، لكن، كان من المفترض بمخرجات التدريب أن تكون ذات علاقة بالحاسوب وَ التقنيّة لا بالإنسان -بشكل رئيسيّ-.
المؤكد -عزيزي القارئ- أنّ العديد من الطلاّب قد حصلت وَ تحصل لهم تجارب مشابهة، ثمّ تختلف طريقة تعاملهم مع هذه التجارب، منهم من يرحّب بها، وَ منهم من يستقبلها استقبالاً باردًا، وَ منهم من يُكملها على مضض. أعترف أنّي لم أستقبلها بترحاب، فقد كانت تسرق وقتي، الوقت الذي يُمكن أن يُستغل في مكان آخر أو في تجربة أخرى. إذا كنت -عزيزي القارئ- ممّن يشعر بالإمتعاض حيال تجربته لتدريب صيفي لا يليق، فإنّي أكتب هذه التدوينة؛ لرغبتي في أن أقدّم بعض الأفكار التي قد تحمل بين طيّاتها بدائلاً.
(صورة: ثقافة التدريب عن بُعد).
يمرّ الوقت، وَ تنتهي المرحلة الجامعيّة، وَ يبدأ الانخراط في سوق العمل. يتصّل بي أحد الزملاء؛ وهو رئيس تنفيذي لشركة تقدّم خدمات سحابيّة، كان قد خاض ذات التجربة حينما كان طالبًا؛ لم يحظ بتدريب صيفي لائق. استشار آخرين وَ إيّاي حول رغبته في إقامة برنامج تدريب صيفي خاص بشركته، المهم أن يكون -هذا البرنامج- مناسبًا وَ لائقًا لطلاّب وَ طالبات الحاسب، وَ يكون بديلاً مثاليًا لبرامج التدريب المتوفّرة. بعبارات أخرى، أن يكون برنامجًا تدريبًا بمستوى عالي من الجودة وَ الإحترافيّة. أشرت عليه وَ أبديت اهتمامي، ثم وعدني أن يتصّل مرّة أخرى.
لاحقًا، يتصّل بي زميلي ليخبرني بضرورة أن نبدأ بإعداد أجندة “برنامج التدريب الصيفيّ”، كان الفريق مكوّنًا من أربعة أشخاص، غالبهم -وَ مرة أخرى- خاضوا تجربةً مماثلةً خلال التدريب الصيفيّ. وَ فعلاً، عكف الفريق على إعداد برنامج -أراهُ لائقًا- مدّته 8 أسابيع، كان البرنامج يضمّ 4 مسارات، تختلف هذه المسارات في مدّتها وَ كذلك في طريقة تقديمها. ثمّة مسار للتطبيقات (Application Track)، وَ مسار للبنية التحتيّة (Infrastructure Track)، و مسار للبحث العلمي وَ دراسات ما بعد التخرّج (Postgraduate Track)، و مسار -أخير- لأفكارٍ في البحث عن العمل (Polishing Track).
أربعة أشخاص قاموا بمهمّة إعداد الأجندة وفق المطلوب، إذ أعدّوا وثائقًا كاملةً حول برنامج التدريب، نُشرت هذه الوثائق لاحقًا على الإنترنت. أحد هذه الوثائق يستعرض معلومات عامّة عن البرنامج التدريبيّ، وَ بعضها يستعرض الأجندة التي يخضع لها هذا البرنامج. ثمّة بنود تمّ الاتّفاق عليها قبل البرنامج التدريبيّ، هذه البنود تمثّل ثقافته غالبًا، على سبيل المثال، البرنامج التدريبيّ لا يكون إلاّ عن بُعد (Remote)، كذلك، البرنامج التدريبي يقبل الجميع، الطلاّب وَ الطالبات، و أخيرًا، البرنامج يُرشد الطالب إلى طرائق البحث عن التقنية الأمثل وَ ليس إلى إتقان التقنيّة -بشكل أوّلي-.
بعد كل ما كُتب، حدّد الفريق مواعيدًا لبدء برنامج التدريب و لإنتهاءه؛ تتوائم هذه المواعيد -غالبًا- مع مواعيد الجامعات أو قريبًا منها. بدأ الترويج لهذا البرنامج التدريبي وَ استقبال طلبات الالتحاق. استقبل الفريق عدًدا طيّبًا وَ مختلفًا من الطلبات، إذ كانت من أماكن مختلفة وَ من مستويات جامعيّة مختلفة، بل، و من كليّات مختلفة أيضًا.
البرنامج التدريبي كان مبنيًا -بدايةً- لطلاّب وَ طالبات كليّات الحاسب وَ الكليّات ذات العلاقة، هذا البند قد يتغيّر في المستقبل. على أيّة حال، بعد أن استقبل الفريق عددًا لا بأس به من الطلبات، تواصل مع كلّ مقدّم طلب إمّا بقبول طلبه أو بالإعتذار له، الإعتذار كانت أسبابه إمّا لامتلاء طاقة البرنامج التدريبي الإستيعابيّة، أو لأن الطلب لم يحظ بالاهتمام الكافي من قبل مقدّمه (تصرّف كما لو كنت تعني ما تفعل).
(صورة: الجزء الأول من خطوات برنامج التدريب الصيفي).
لاحقًا، تواصل الفريق مع كلّ جامعة ينتمي لها مقدّم الطلب كي يُكمل وَ إيّاهم نموذجًا، معظم ردود فعل الجامعات كانت إيجابيّة وَ سلسة، إلا أن عددًا قليلاً منها رفض الإكمال كون التدريب يتبنّى ثقافة الـ “عن بُعد (Remote)”؛ إذ تريد هذه الجامعات بطالبها أن يحضر إلى التدريب جسدًا وَ عقلاً؛ لا عقلاً و حسب. بعد كل ذلك، قام الفريق بجرد وَ اختيار 10 أسماء، كانت غالبية الأسماء من الطالبات، تحديدًا، 8 طالبات وَ طالبين (لماذا برأيك شكّلت الطالبات أغلبيّة؟).
بالنسبة لمسارات برنامج التدريب، كانت أربعة مسارات رئيسيّة، و مسار فرعي موازي خامس. المسار الأوّل كان مسارًا خاصّا بالتطبيقات (Application Track)، يهدف هذا المسار إلى أن يمكّن الطالب من أن يبني تطبيقاتٍ، سواءً كانت هذه التطبيقات للويب أو للجوّال، سواءً كانت ضئيلة أو ضخمة، وَ أن يفتح أبواب الإبتكار وَ التبنّي حال وصول منصّة أو تقنيّة جديدة.
المسار الثاني كان مسارًا خاصّا بالبنية التحتيّة (Infrastructure Track)، يهدف هذا المسار إلى أن يُرِىَ الطالب أعماق قلب تطبيقات الويب الحديثة (Application Stack)؛ إذ أنّه بمعرفته وَ إلمامه بالبنية التحتيّة يستطيع تصميم و إعمار تطبيق جيّد.
المسار الثالث كان مسارًا خاصّا بالبحث العلمي وَ دراسات ما بعد التخرّج (Postgraduate Track)، يهدف هذا المسار إلى أن يعطي الطالب فكرةً واضحةً حول ماهيّة البحث العلمي، وَ انطباعًا حول الأثر الذي خلّفه و يُخلّفه بحث علوم الحاسب على مجالاتٍ أخرى متعدّدة، كما يقدّم إرشادات وَ مفاهيم وَ خطى أولى نحو رحلة كتابة البحوث، يعطي كذلك مقدّمة حول “لماذا” وَ “كيف” يبدأ الطالب بنشر بحث ما، وَ نظرة شاملة عن مناطق البحث الساخنة في مواضيع ذات علاقة بالحوسبة، أيضًا، يعطي فكرةً حول “متى” وَ “أين” وَ “كيف” يبدأ الطالب إذا كان يسعى للدراسات العُليا (ماجستير و دكتوراه).
المسار الرابع كان مسارًا خاصّا حول أفكار في البحث عن عمل (Polishing Track)، يهدف هذا المسار إلى أن يُمكّن الطالب من كتابة سيرة ذاتيّة جيّدة وَ لبقة، و أن يسعى وَ يبحث عن عمل بطرائق مُثلى وَ مجرّبة. المسار الخامس، و هو مسار فرعيّ، يتداخل باستمرار مع كلّ المسارات الأخرى، كان مسارًا خاصّا بالحوارات وَ الندوات الجانبيّة (Invited Talks Track)، يستضيف هذا المسار العديد من الأسماء وَ الخبرات لتقدّم مادّة لطيفة وَ خفيفة على الطالب حسب تخصّصها وَ تجربتها.
(صورة: الجزء الثاني من خطوات برنامج التدريب الصيفي).
يبدو أن هذه التدوينة تحتاج إلى أخرى. إلى ذلك الحين، أتمنّى لك -عزيزي القارئ- الحظ الطيّب.