مرحبًا بك. يُمكن أن نفهم “التقليليّة [1] (Minimalism)” -أنت وَ أنا- -عزيزي القارئ- من خلال عبارة “الأقل هو الأكثر (Less is more)” وَ التي كان قد أطلقها “لودفيغ ميس فان دير روه [2] (Ludwig Mies van der Rohe)”. التقليليّة تعني أن تكون “واعيًا أو يقظًا (Mindful)“ تجاه العناصر التي تختار أن تضمّنها في سياق معيّن، أن تفكّر مليًّا، سواءً ضمّنت هذه العناصر في سياق الحياة (كأغراضك الشخصيّة مثلاً)، أو في سياق العِمارة (Architecture) (كغرفة معيشتك مثلاً)، أو في سياق الأدب (ككلمات قصيدتك مثلاً)، أو حتّى في سياق التصميم.

هذه التدوينة لا تتحدّث عن التقليليّة في أيٍّ من السياقات السابقة إلاّ في سياق التصميم، وَ تحديدًا، التصميم التقليليّ في نطاق تطبيقات الويب وَ الجوّال.

تُشير مصادرٌ إلى أنّ الفنّ التقليليّ (Minimalism Art) كان قد ظهر في أوائل 1960 م [3]. تقترحُ هذه المصادر -أيضًا- أنّه جاء كنوعٍ من الرفض للتعبيريّة التجريديّة (Abstract Expressionism) وَ التي بدورها لاتهتم بالنواحي الموضوعية في أيّ عملٍ فني، بل وَ تترك كامل الحرية للمشاعر وَ العواطف وَ الأحاسيس كي تلعب دورها في العملية التعبيرية على سطح ذاك العمل [4]. الفنّ التقليليّ إذًا، يُبقي على عناصر قليلةٍ مفعمةٍ (أو مدفوعةٍ) بهدفٍ خيرٌ من أن يُبقي على مجموعةٍ من العناصر بطريقةٍ -ربما- عشوائيّة.

Image title

(صورة: لوحة تعبيريّة تجريديّة عشوائية).

الأسئلة الصحيحة قبل كلّ شيء

كُنت قد كتبت -قبل فترةٍ- تدوينةً عرّجت فيها على نموذجٍ يُدعى “بيلي (Bailey)”. هذا النموذج يقترح أن تسأل أسئلة ثلاثة: ”من هو المستخدم؟” وَ “ماذا يريد أن يفعل؟” و “أين يريد ذلك؟”. هذه الأسئلة تتيح معرفة السبب من تصميم وَ تطوير تطبيق الويب وَ الجوّال وَ تُمهّد لمعرفة الكيفيّة.

الويب وَ الجوّال إذًا

“ما وجه الربط بين الفنّ التقليليّ وَ الويب وَ الجوّال إذًا؟”. لعلّ التصميم التقليليّ (والذي يُمكن أن ينتمي إلى الفنّ التقليليّ) للويب وَ الجوّال جاء كنوعٍ من الرفض للفوضى (في التصميم) وَ التعقيد (في الوظيفة) وَ الذَين تخلّفهما بعض تطبيقات الويب وَ الجوّال. كُنت قد كتبت -قبل فترةٍ- تدوينةً تقترح أن يتم تصميم الويب لأجهزة الجوّال أولاً وَ من ثم الانتقال لأجهزة الحاسوب؛ كل ذلك كان لغرض التقليل من الفوضى وَ الوظائف وَ التركيز على الهدف، و الهدف فقط. المؤكّد أن التصميم التقليليّ سيكون -بلا ريب- مختلفًا من تطبيقٍ لآخر، سواءً كان تطبيق ويب أو جوّال.

Image title

(صورة: تصميم تقليليّ لتطبيق ويب عشوائي).

في سياق الويب وَ الجوّال، من يجب أن يأخذ التقليليّة في عين اعتباره؟

يُمكن للمصمّمين أن يأخذوا التقليليّة في عين اعتبارهم؛ لكونهم -كما هو حال غيرهم- يسعون لحل مشكلةٍ بطريقة تناسب الآخرين؛ ليس بطريقةٍ تجعل المظهر ظريفًا وَحسب؛ بل وأن يكون سهل الاستخدام كذلك. يُمكن للمطوّرين أيضًا أن يأخذوا التقليليّة في عين اعتبارهم؛ لكونها ستوفّر عليهم الكثير من الإصلاحات وَ التعديلات، وَ الوقت كذلك. ربما يأخذ الناس المُنتمين إلى التسويق التقليليّة في عين اعتبارهم؛ لكون المُستخدم (وَ الزائر تحديدًا وَ غالبًا) لا يحب المكث طويلاً.

كيف نبدأ إذًا؟

ينبغي -قبل أن نبدأ- أن يكون لدينا معرفةٌ في أساسيّات التصميم، كما ينبغي أن نستحضر فكرة مفادها “أنّ لكل عنصرٍ هدفًا”. إن لم يكن لدينا معرفة في أساسيّات التصميم، فسيظهر التصميم ناقصًا؛ لكوننا ننتهج التقليل، قد نقلّل من الفوضى نعم، لكنّنا قد نقلّل من العناصر الأساسيّة دون أن نشعر.

مرحبًا بالفراغ

التصميم التقليليّ يستفيد من الفراغ كثيرًا. الفراغ يعني -على الأرجح- المساحة التي بين العناصر وَ التي لا تحتوي صورةً أو نصًّا أو حتّى عنصرًا. قد يبدو أنّنا نفوّت فرصةً ما في عدم الاستفادة من الفراغ، لكنّ هذا -في الحقيقة- يمنحنا شعورًا بالفخامة وَ الأناقة. هذه المساحة أيضًا توجّه أبصارنا نحو العناصر المهمّة (وربما العناصر الأهمّ). تخيّل متجرًا أرضه وَ سماؤه يكتسيان حُلّةً بيضاء، و طاولةُ هناك تكتسي حُلّةً زرقاء، ألن تبصرها أولاً؟

Image title

(صورة: تطبيق ويب يبدو أنيقًا).

الخطّ (Typography)

لقلّة العناصر في التصميم التقليليّ؛ يأتي المحتوى دائمًا أولاً وَ تحت المجهر. المحتوى إن كان نصيًّا، لا يليق بنا أن نُغفل الخطوط وَ تأثيرها. الخطّ كما قد تعلم -عزيزيّ القارئ- لهُ شخصيّةٌ وَ له وزنٌ وَ ربما أوزان. اقرأ -عزيزيّ القارئ- -إن أحببت-تدوينةً كتبتها قبل فترةٍ انتقيت فيها خطوطًا ظننتها مناسبةً للويب وَ الجوّال.

اللون وَ التباين (Contrast) وَ الدرجة (Value)

التصميم التقليليّ يستخدم -عادة- ألوانًا أقلّ، مثل الأبيض وَ الأسود وَ الرماديّ. نستطيع أن نستخدم الألوان بشكلٍ متعمّدٍ لكي نلفتِ الانتباه نحو عنصرِ أو عناصر معيّنة. كما يمكننا أن نستفيد من التباين وَ الدرجة لذات الغرض.

الصور

على الرغم من كون التصميم التقليليّ بسيطًا؛ إلاّ أن ذلك لا يعني أن نستغني عن الصور (وإن فعلنا فلا بأس). ينبغي أن نكون حذرين عندما نستخدم الصور، إذ يفترض أن تكون هذه الصورة تقليليّة كذلك.

Image title

(صورة: صورة تقليليّة عشوائية).

التخطيط (Layout) وَ البنية (Structure) وَ المحاذاة (Alignment)

هذه الثلاثة، هي العمود الفقري لمواضع المحتوى وَ العناصر في التصميم، إذا لم نأخذ ذلك بعين الحُسبان، سيبدو التصميم فوضويًّا. نحن إذًا أبرزنا العناصر الأكثر أهمية في تصميمنا وَ جعلنا ثمّة ترتيب وَ توازن بقصدِ تسهيل استخدام التصميم.

الكرة في ملعبك

حاولتُ -عزيزيّ القارئ- الاستفادة من عدّةِ مصادرٍ للتعريف بالتصميم التقليليّ. إن كان قد استهواك الأمر، جرّب أن تصمّم -أو ربما تعيد تصميم- تطبيق للويب أو الجوّال بحيث يكون تقليليًّا. جرّب أن تختبره كذلك وَ تأخذ آراء الناس حوله. لا أعلم، ربما وَ جرّب أن تكتب تدوينةً عنه أيضًا. محبّتي.

هوامش

  1. ثمّة عبارات أو ترجمات أخرى بدلاً عن “التقليليّة” مثل “الاختزاليّة” وَ “فن البساطة” وَ غيرها.
  2. معماريٌّ ألمانيّ، وَ أحد أبرز معماريّ القرن العشرين، وَ ساعد في تعريف وَ صياغة المعماريّة الحديثة.
  3. Minimalism Movement, Artists and Major Works, The Art Story
  4. تعرّف على الفنّ التعبيري و التجريدي.
  5. التدوينة مُستلهمة من فيديو “The Art of Minimalist Design”.