عَن آخِرِ أجزاء رِواية ِ"شَجَرَتي شَجَرَةُ البُرتُقالِ الرائعة"؛ نَرى كَم أنّ بِضعاً من الحَنانِ والمَحَبه زَرَعا الكَثيرَ من الحِنّيةِ والرَّحمة في قلبِ طِفلٍ صغير.. استمر مَعَهُ لِبَقيةِ حَياتِه، نَرى هذه المَشاهِد في الكَثير مِنَ الأحيان، لا وبَل قَد نَكونُ عِشناها او لا نَزالُ نَعيشُها، نَشهَدُ كَثيراً مِن الأطفالِ على مَرِّ الزمانِ عاشو أصعَبَ اللحظاتِ في حَياتِهم، سواء كانت عَيشَ شِدّةٍ او قَسوَةَ مُعامَلَةٍ او إهمال او تَحَمُلَ مَسؤوليةٍ قَبلَ الآوان او قَتلَ الآمال والأحلام، يَكبُرُ هؤلاءِ الصِغار  ليسلُكو طُرُقاتِ حَيواتهم ويَنخَرِطو في المُجتَمَعات، لكِن.. مع الأسَف تواجِهُهُم صُعوباتٌ لَيست مِلكَهُم او هي نِتاجُ سَنَواتِ الطُفولَة او كِتمانٍ، يَميلُ عادَةً الأطفالُ لِكِتمان مَشاعِرِهِم عند إستِشعارِهِم لِعَدَمِ الأمان والثِقَة في مَن حولَهُم، مع الوَقت قد يَميلونَ إلى الإنطوائية والعزلة .. وتُحاوِطُهُم قُيودُ الخَوف مِن كُلِّ جِهة، وهُم كِبار قَد يَصعُبُ عَلَيهم بِشَكلٍ بالغِ المُحاوَلَةُ لِتَغييرِ هَذه المَشاعِر مِن خَوف وقَلَق وغَيرها... لأنهم بالنِسبَةِ لهم قد أصبَحَ الخوَفُ المَعروف آمِناً أكثرَ من الإطمئنانِ المَجهول.


وحينَ نَتَعَمَقُ اكثَر ، فَقَد أُثبِتَ أنّ مَشاعِرَ الإنسانِ قَابِلَةٍ لِلتَوريث، وقَد تَم إثباتُ ذلكَ في أبحاثٍ ودراساتٍ عدِه، تُبَين ارتباط الجيناتِ في ذَلك، إضافة إلى أنَّ البيئةَ تُسهِمُ في قَدرٍ كَبيرٍ مِن تَنميةِ السُلوكيات والمَشاعِر والتَصَرُّفات وأُسلوبِ التَفكير، وقد تَمَّ إيضاحُ هذا في كِتاب "It Didn't Start With You: How Inherited Family Trauma Shapes Who We Are And How To End The Cycle" ل مارك وولين، وقد كَشَفَ عُلَماءُ الأعصاب أنَّ المشَاعِر والصَدَماتِ وأعراضَها تُنتِجُ تَغييراً في سِلسِلَةِ الحِمضِ النَووي، وأنَّهُ يُمكِنُ أن تُورّثَ لِلأجيالِ الَلاحِقَه. في مَقالَةٍ عَن عِلمِ الجيناتِ الوِراثيةِ والبيئه وتأثيرِهِم عَلى السُلوكيات، تُشيرُ إلى أنَّ قَد يَكونُ الجين المُوَرَث غَير مُفَعل، هنا يَكونُ لِلبيئةِ المَعيشيةِ إسهامٌ في تَفعيلِهِ أو لا، وهكذا تَكون الصِفةُ المَوروثَةُ جينياً مُكتَسَبَةٌ من البيئه.


وهكذا نَكونُ نَحنُ مَسؤولينَ عن أنفُسِنا وذَواتِنا أولا، إذ يَجِبُ عَلَينا سَلكَ طَريقِ التَعلُم إبتِغاءَ شِفاءِ جُروحِنا وصَدَماتِنا او على الأقَل التَخفِيفُ مِنها، وهَذا يَتَطَلَبُ وَعياً لِما نَمُرُّ بِه أولا، ورَغبَةً في تَصحيحِ مَسارِنا والتعافي ثانياً، وبَذلَ المَجهُودِ المَطلوب ثالثا، لِتَنميَةِ وتَربيَةِ جِيلٍ واعٍ بِنَفسِه أولاً ثُمَ بِالآخَرين.


حينَما نُفَكِر في غِراسِنا ألا وَهُم أولادُنا وبَقيةُ الأطفال، نَحنُ مَسؤولين أتَم المَسؤولية عَن طَريقَةِ نَشأتِهِم مُنذُ الصِغَر من أخلاقٍ وسُلوكياتٍ وعَن تَعليمِهِم أساسياتِ التَعامُلِ مَعَ الحَياه، وأن نُقَدِمَ لَهُم العَونَ في رِحلَتِهِم التَعليميةِ لأن خِبراتَهُم تُكتَسَبُ مِن خِلالِ مُمارَساتِهِم بأنفُسِهِم وتَجارِبِهِم ، كَذلِك مُساعَدَتِهِم عَلى تَنميَةِ شَغَفِهِم ومَواهِبِهِم وحَثّهِم عَلى بَذلِ الجُهدِ لِتَحقِيقِ أهدافِهِم.

أحيانا قَد لا تَتَوفَرُ الإمكانِية لِتَوفيرِ الأفضَل، لَكِنّ الوقوفَ بِجانِبِهِم وتَوفِيرِ الدَعمِ لَهُم لا يُقَدَرُ بِقِيمَةٍ ولا ثَمَن، فَنَحنُ لا نَنسى مَن مَدَ لَنا يَدَ العَون، و وَقَفَ بِجانِبِنا، بالأخصِ في أحلَكِ لَحَظاتِنا.