منذ تأسيس الحكومة العراقية الاولى عام 1920 وانبثاق الدولة العراقية المعاصرة - والتي شوهت خريطة وهوية العراق الحقيقية والتاريخية ؛ اذ تم اقتطاع الكثير من الاراضي العراقية الشاسعة واضافتها الى حدود دول الجوار بل واحداث تغييرات ديموغرافية قام بها الاتراك العثمانيون ومن بعدهم الانكليز بالإضافة الى الانظمة الهجينة المتعاقبة - ؛ منيت بلاد الرافدين بزمر العملاء وشراذم الدخلاء وعصابات الغرباء التي لا تتقن شيء سوى التآمر والتخريب والفساد ورفع الشعارات الكاذبة والتفوه بالتصريحات الطوباوية والادعاءات غير الواقعية .
اذ طالما رفعوا شعارات بناء الدولة والتحرر من الاستعمار او الاتفاق معه – احيانا - من اجل العراق , وسوقوا مقولات الديمقراطية والتقدمية والاشتراكية والقومية العربية والعدالة الاسلامية والاجتماعية واسسوا الاحزاب والمنظمات التي تتبنى اطروحاتهم المنكوسة والمخادعة ... واصبحت هذه الادعاءات وتلك الشعارات ذريعة لاتهام الاغلبية العراقية والمعارضين من ابناء الامة العراقية بالعمالة والخيانة والرجعية والاقطاع والتبعية والتآمر والارهاب ... ؛ لمجرد اختلاف ابناء العراق الاصلاء مع هؤلاء العملاء والدخلاء حول تحديد مفاهيم هذه الشعارات او الاعتراض عليها ... فكانت ولا زالت الشعارات مطية الحكام الظالمين والفاسدين والفاشلين ورجال الدين المنكوسين والمشبوهين .
وقد ابتلى العراق بهذه الاحزاب المختلفة : - الوطنية والقومية والاسلامية والشيوعية والعلمانية والليبرالية والتقدمية والاشتراكية والديمقراطية والوحدوية والنطيحة والمتردية وشعاراتها وادعاءاتها و وعودها ... الخ - ؛ والتي تبلد جلودها كالحرباء ؛ فما ان تعتلي سدة الحكم وتتربع على كرسي السلطة او تتحالف مع السلطات المحلية او الخارجية حتى تكشر عن انيابها , فالوطني منهم ينسى الوطن ويسعى لاهثا وراء الاموال والمناصب , والقومي يتخذ العروبة او غيرها وسيلة لتحقيق الغايات الفئوية الضيقة والاستعمارية الخبيثة , والشيوعي قد يتحالف مع اعتى القوى الرأسمالية ضاربا الفقراء والعمال بعرض الجدار , والتقدمي يتبع الاساليب القديمة والبيروقراطية في العمل ودوائر الدولة بحيث يكره المواطن بالحكومة والوطن والتقدمية , والاشتراكي يغدق على انصاره فقط وينسى اشتراكيته , والديمقراطي يستبد بالسلطة ويهمش الاخرين , والاسلامي يقول ما لا يفعل ويحلل ويحرم كيفما يشاء ؛ فظاهره يمثل سيرة الامام علي وباطنه يعكس جشع وظلم وانانية ولؤم وحسد بني امية ... ؛ ولا زال ابناء الأغلبية المظلومة يتذكرون شعار ونداء قيادة الحركة الاسلامية التي تمثل العراقيين في ايران وقتذاك : (( اخي المجاهد لنا القيادة وعليك الشهادة ..!!!)) صدق من قال ان شر البلية ما يضحك .
ومن البداية استخدمت انظمة الفئة الهجينة المتعاقبة الصحافة والاذاعة والتلفزيون ووسائل الاعلام المختلفة الاخرى لتضليل الجماهير و خداعها , بالإضافة الى ترديد المقولات المنكوسة والشعارات الكاذبة والتصريحات القشرية والآراء المزيفة والبرامج المسيسة الطائفية والعنصرية , ولم تستخدم هذه الوسائل قط ؛ من اجل توعية الجماهير والنهوض بالواقع الثقافي والمعرفي والتربوي للامة العراقية ... بحيث سلطت وسائل الاعلام الهجين الاضواء على اتفه واجهل واخس الناس كالشاذ خيري طلفاح والتافه الكسيح عدي والمجرم حسين كامل وغيرهم من سقط المتاع , وجعلت من الامعات شخصيات مشهورة , وحولت العلماء المبدعين والمخلصين الوطنيين والكفاءات العراقية الى شخصيات مغمورة ومجهولة بين الاوساط العراقية بل والعربية والعالمية ... واعتقد حكام الفئة الهجينة ان العمالة بالإضافة الى الدعاية والاعلام خير طريق لتثبيت حكوماتهم وزعامتهم بغض النظر عن سوء الاوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعيشها الامة العراقية ... ؛ بينما مارست المؤسسة الدينية المنكوسة والدجالون والجهلة من رجال الدين المحسوبين على الاغلبية العراقية سياسة التجهيل والاستحمار وتغييب الوعي وتسطيح الفكر ونشر الخزعبلات والخرافات واطلقت شعارات ودعوات هلامية مطاطية عائمة وعابرة لهموم ومصالح الاغلبية العراقية الانية , ولم تتعامل مع الأهداف الاستراتيجية الوطنية والجماهيرية باعتبارها أهدافاً ذات اولوية مرحلية ملحة ؛ بل ركزت تلك الشخصيات والحركات الدينية على الطقوس والشعائر الظاهرية والنقاشات العقيمة والدراسات الماضوية وعلى تحصيل الاموال والسيطرة على الاضرحة الدينية والتواصل مع السلطات المحلية وبعض المخابرات الدولية لتحقيق اكبر قدر من الامتيازات والمصالح الشخصية والعائلية .
وقد فرح البسطاء والسذج من ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة عندما توج السيد محمد الصدر – من ذوي الاصول الايرانية – رئيسا للوزراء في العهد الملكي , وبما انه كان يعمل ضمن دائرة انظمة الفئة الهجينة ؛ لم يحقق للأغلبية العراقية اية مكاسب سياسية او اجتماعية او اقتصادية ... ؛ وخرجت الاغلبية العراقية – ومما لا شك فيه انها خرجت بدفع من الفئة الهجينة او مشاركتها لأسباب معروفة وان كان هذا لا يعفي السيد الصدر من مسؤوليته الوطنية والمذهبية تجاه ابناء جلدته او ينفي امتعاض الاغلبية من اداء الحكومة - ؛ وهي تردد الاهزوجة المعروفة : (( ردناك عون ... طلعت فرعون ... يابو لحية اللا يلون )) ؛ وقد صدق الكاتب مصطفى السباعي عندما قال : (( بعض الناس يحلمون فيتوهمون فيتزعمون فينطفئون ، وبعض الناس تحلم بهم أمتهم فتقدمهم ثم تزعمهم ثم يتألق نجمهم، ثم لا ينطفئ أبداً مهما غيبتهم عن الأنظار وأحداث الزمان... فالزعامات الكاذبة العميلة او الفاشلة كالنجوم التي تتألق فجأة ثم تنطفئ فجأة . )) ؛ فهل من المعقول ان يأتي شخص مثل مصطفى الكاظمي - المجهول والفاشل بكل المقاييس والمعايير - ويصبح رمزا وطنيا او قائدا سياسيا لا ينسى ؟!
ومهما بذلت تلك الاحزاب السياسية والحركات الدينية والشخصيات من اموال لتلميع صورتها واخفاء حقيقتها , وسخرت اقلام مأجورة لتوثيق وتمجيد سيرتها والاشادة بها ؛ بحيث قد يتحول قادة هذه الحركات والاحزاب الى نجوم شاشات فضائية وخطباء منابر دينية ؛ لا يمكن لها ان تحجب الشمس بغربال , او أن تُخفي الحقيقة التي يسعى وراءها شرفاء واحرار وغيارى الامة العراقية .
وكما قال الشاعر : وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ .......... وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ