Image title


لو أنّ  اللغة لم تُخلق، لما تخلّقت المشاعر في مئة صورة وصورة، الحُزن مثلًا؛ سيظلّ حبيسًا في القلب ولن يتصاعد إلى الأفكار التي تحاول إعادة خلقه من جديد في أوصاف تخلقه على هيئةِ كلمات تعيد خلقه منطوقًا ومسموعًا ومكتوبًا ومقروءًا... فيصيرُ له أكثر من وجود، وجود حقيقي محسوس في أنين القلب ووجود يزنّ  في العقل ووجود مجازي يحتل المساحة خارج نفوسنا.

لو أنّ  اللغة لم تُخلق، ستنحسرُ أشياء كثيرة، ربما نصيرُ في غيابها أخف، لا وجود لكلمات تستحضر الأفكار في العقل وتعيدها في صياغات عديدة. الشك مثلا سيظلُ حبيس النفس ولن يتناسل في هيئة أسئلة واحتمالات وافتراضات لا تنتهي.
الاحتياج أيضا لن يعرف ذاته خارج الجسد، لن يتخلق في النداءات المسموعة والمخذولة، ولا في الردود الـمُقبلة والـمُعرضة.
كذلك الحُب -هذا الشعور الذي يظلل الفرد بغمامة رحمة مُنزلة عليه وحده- لن يتخلق في هيئات لا تُحصى ولا تعدّ، ولن ينجب القصائد والأغنيات، ولا سلالاته المشوهة من الوعود والخيبات والانكسارات والحسرات التي تُعيد خلقها اللغة أيضًا، تُعيدها وتُعيدها وتُعيدها بلا نهاية.
لو أن اللغة لم تُخلق، لما فكّرتُ  في قصص التخلق هذه ألف مرة ومرة، ولما استطعت تصور الأشياء في حضور مختلف، حضور لا يستنسخها ولا يُعيد تدويرها واجترارها.

لو أنّ اللغة لم تُخلق، كيف سيكون شعور الخفّة؟ سيكون أصل كل شيء، فكل شعور سواه لن يتجاوز لحظته، أمّا الخفة فستكون أم المخلوقات.