مستقبل الأوطان والأشخاص مرهون بالعمل والجد والكد ، وقد جاء في المأثور التاريخي العراقي ما يؤكد ذلك , ومنه : (( كد كد العبد ان أردت أن تصبح حرا )) فالكرامة والمجد ينتجان عن الاجتهاد والكفاح والانتاج ، الا ان الواجبات الكثيرة والمسؤوليات المتعددة قد ترهق الإنسان اذا تجاوزت الحد الطبيعي ، فالبدن يحتاج للراحة والاسترخاء والنفس ترنو للمتعة واللعب والمرح ؛ وقد اكدت الدراسات النفسية ذلك وحفل التاريخ العراقي بالكثير من النصوص التي تذهب الى هذا المعنى ؛ومنها : (( ان القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة )) وجاءت هذه النصوص منسجمة مع الآيات القرآنية ايضا , اذ ورد في القران : ((** المال والبنون زينة الحياة الدنيا **)) و ((** قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق **)) و ((** خذوا زينتكم عند كل مسجد **)) .
هذه النصوص وغيرها كثير ؛ تدل على مشروعية الاستمتاع بزينة ومباهج الحياة والتلذذ بالطيبات والتمتع بما خلق الله ؛ فالدين الأصيل والتدين العراقي العريق لا يتعارض مع التمتع بالحياة والنهل من معينها العذب ، ولكن رموز الخط الاسود المنكوس, وبعض المهرجين من رجال الدين المتشائمين الذين ينظرون الى الحياة بمنظار اسود ويعمون عن كل ما تحفل به الحياة من متعة وبهجة ونشوة وسرور , لا هم لهم سوى إبعاد الناس عن الحياة , و منعهم من التمتع بخيراتها والاستفادة منها ، فهم يستبدلون ثقافة الحياة والبناء بثقافة الموت والفناء – يستبدلون الخبيث بالطيب – , اذ يخلقون الكآبة للناس , و يصطنعوا الاحزان والاتراح لأدنى مناسبة , بينما في استطاعتهم بث روح العمل والأمل والإنتاج والاستمتاع بما أسبغ الله علينا .. , لا ادري متى يقلعون عن التطرف و التشاؤم والشكوى والقلق , والخوف من الموت , ويقبلون على الحياة ؟؟ !!
أيهذا الشاكي وما بك داءٌ ....... كيف تغدو إذا غدوت عليلا ؟
ان شر الجناة في الارض نفسٌ ....... تتوقى , قبل الرحيل الرحيلا
و ترى الشوك في الورود , وتعمى ....... أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ ....... من يظن الحياة عبئاً ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال ....... لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
ليس أشقى ممن يرى العيش مراً ....... ويظنُ اللذات فيه فضولا
.........................................................................
فاطلب اللهو مثلما تطلب الأطيار ........ عند الهجير ظلا ظليلا
وتعلم حب الطبيعة منها ............ واترك القال للورى والقيلا
.................................................................
أنت للأرض أولا وأخيراً ............ كنت ملكاً أو كنت عبداً ذليلا
.....................................................................
كل نجم الى الأفول ولكن .......... آفة النجم أن يخاف الأفولا
غاية الورد في الرياض ذبولٌ ....... كن حكيماً واسبق إليه الذبولا
وإذا ما وجدت في الأرض ظلا ....... فتفيأ به إلى أن يحولا
....................................................................
قل لقوم يستنزفون المآقي ........ هل شفيتم مع البكاء غليلا ؟
ما أتينا الى الحياة لنشقى ......... فأريحوا , أهل العقول , العقولا
كل من يجمع الهموم عليه ........ أخذته الهموم أخذاً وبيلا
....................................................................
أيهذا الشاكي وما بك داءٌ ........ كن جميلاً تر الوجود جميلا
التطرف مرفوض في كل شيء , اذ من الخطأ الفادح ان نقضي أيام العمر القصير كلها في العمل الشاق وتحمل المسؤوليات الجسيمة والأعباء الثقيلة ؛ وكذا لو صرفناها في اللهو والتمتع فقط .
طالما أحزنني منظر البعض من أخوتي العراقيين وهم يكدحون ويعملون في الليل والنهار بلا توقف , ويتحملون الصعاب التي يعجز عن حملها الآخرين , فمن منا ينسى تلك الأيام السوداء الطويلة التي قضاها العراقيون في جبهات القتال أو في مصانع التصنيع العسكري الجهنمي – اذ قد تصل ساعات العمل إلى 16 ساعة يوميا !!- في عقد الثمانينات الدموي الاحمر , أو ممارسة الأعمال الشاقة التي طالما رفضوها وأوكلوا أمرها إلى غيرهم من العمال الوافدين ؛ كالعمل في تنظيف مجاري المياه الثقيلة , أو العمل في تحميل وتفريغ الشاحنات الكبيرة لساعات طويلة وبدون توقف أو استراحة وتحت اشعة شمس تموز اللاهبة مما سبب لهم مشاكل صحية كثيرة فيما بعد ... في عقد التسعينات الاسود ؛ أو العمل في الوظائف العسكرية والأمنية المرهقة , اذ يبقى الجندي او الشرطي مسمرا في مكانه لا يبرحه لمدة طويلة جدا , وشمس الصيف تلفحه وبرد الشتاء يؤذيه من دون ان يأخذ قسطا كافيا من الراحة كي يؤدي واجبه على أحسن وجه , بعد سقوط الصنم الهالك دوحي بن صبحة ؛ ومع شديد الأسف الإرهابيون الخبثاء استغلوا نقطة الضعف هذه فصاروا ينفذون جرائمهم في الوقت الذي يفتر ويتعب به الجنود والشرطة ! , هذا يجري ونحن في القرن الواحد والعشرين !! .
هذا لا يعني اننا شعبٌ كسول أو لا نقبل بزيادة الانتاج ومضاعفة ساعات العمل ؛ و لكننا نطالب بحقوق الإنسان والتأمين الصحي والاستمتاع بمباهج الحياة كباقي شعوب الارض المتحضرة , وان يتناسب العمل وظروفه مع قدرة وطاقة المواطن العراقي , وذلك من خلال توفير الظروف المناسبة للعمل وتهيئة البنى التحتية التي تخدم العمل والعامل معا , وإعطاء الفرص والاجازات كي يستمتع العمال والموظفون .. بأوقاتهم وحياتهم مع أصدقائهم واسرهم .. عندها يصبح العمل ممتعا ويقبل عليه العامل بكل طاقاته .. ؛ فالعمل والترويح عن النفس كلاهما ضروريان في الحياة والإفراط في احدهما أو التفريط في الآخر لا يحقق الاعتدال ولا يجلب السعادة والرضا للشخص .
متى يقدر الوقت عندنا ؟!
ومتى نعرف قيمة الحياة وكيفية التكيف معها والاستمتاع بها ؟!
متى نعطي لكل شيء حقه بلا إفراط أو تفريط !؟
المشكلة تكمن في العقلية القديمة والثقافة المنكوسة السائدة بيننا ؛ فعندما ترى مواطنا بائسا وتحاول تصحيح مسار حياته وتنصحه بإتباع نظام الأوليات و وضع كل شيء في مكانه الطبيعي , والتمتع بمباهج الحياة وتلمس جمال الطبيعة وتذوق الطيبات ... ؛ يجيبك قائلا : (( والله انت بطران يا راحة يا استمتاع بالحياة !!)) و(( والله انت فايخ يا استمتاع بالحياة يا بطيخ ..)) و (( شهر المالك بي خبزه لا اتعد ايامه )) ...
ولا يعلم هؤلاء السذج أن الفاشل والبائس هو من لا يستمتع بالجمال ولا يتذوق الملذات ولا يستشعر الوجود الرائع , فقد اقتضت سنن الحياة ان تسير الحياة بهذا الشكل : حزن مع فرح , صحة مع مرض , سعادة مع تعاسة , لقاء مع وداع , ولادة مع وفاة , صداقة مع عداوة , نجاح مع فشل ... هذه هي حياتنا ولن تجد لها تبديلا .
فمن الخطأ ان نجتر الآلام ونعيش الحزن ونقبع في غياهب الماضي القاسي , ونعطي للمشاكل والأحزان حجما كبيرا لا يتناسب مع واقع الحياة .
أنت وحدك قادر على ان تجعل حزنك ساعة , وقد تجعله سنة , وقد تجعله سببٌ لوفاتك !! ؛ المشاكل والأحزان والبلايا عندما تحل علينا تصبح واقعا محتوما ممكن ان يتضخم ويتحول الى غول كبير يلتهم سعادتنا وحياتنا !! , وممكن ان ينظر إليها بواقعية ورباطة جأش فتسهل وتزول بمرور الأيام ... .
صحيح اننا نعاني من مشاكل كثيرة أحيانا , و ان أوقات المعاناة قد تكون مؤلمة ؛ ولكن الحياة لا زالت فرصة عظيمة لكل إنسان حي ؛ لكي يعيش سعيدا ويساهم في جعل الآخرين سعداء أيضا , وقد جاء في المثل الشعبي العراقي ما يثبت ذلك : (( العايش في الدنيا سعيد )) .
ربما يحزن المرء حين يتأكد ان حياته سوف تنتهي عاجلا أو آجلا , وقد يحزن كثيرا لموت صديق او قريب , لكن لو عرفنا بعضا من حقائق الوجود المذهلة ؛ لمثلت لنا عزاء في زمن الشدة والوقت العصيب .
إن الحياة لها قيمة لأنها قصيرة ؛ لان الندرة هي أساس القيمة كما تعلمنا من علم الاقتصاد وكما علمتنا الحياة , فالهواء مثلا لا نشعر بقيمته لأنه موجود ولا ينتهي , ولكن لو وضعنا في زنزانة ضيقة ومكتظة بالمسجونين ولا توجد فيها مفرغات التهوية والشبابيك , والتي يقل فيها الهواء عادة ؛ عندها سنشعر فورا بالأهمية العظيمة للهواء ؛ تنطبق نفس هذه الفكرة بالنسبة للحياة والوجود العزيز , فنحن نشعر بأهمية الحياة وعظمة الوجود كلما شعرنا باقتراب الموت , ومن الضد نتعلم أهمية الضد الآخر , فلو لم يكن الموت لما كانت للحياة أي قيمة , ولو لم تكن الحياة قصيرة لما كانت لها تلك القيمة الفائقة .
نحن نلهث جميعا وبشكل دائم في عالم اليوم المليء بالتحديات والروتين الممل رغبةً منا في الحصول على كل شيء ؛ الأمر الذي ينتج عنه الكثير من القلق والتوتر والشد العصبي , ويجعلنا دائمي الانشغال , إلا أن التحدي الأكبر الحقيقي الذي نواجهه جميعا والذي لا نعطيه ما يستحقه من اهتمام هو كيفية التمتع بالحياة ومباهجها وملذاتها في هذا العمر القصير .
فالبعض يعاني من عدم الاستمتاع بالحياة ؛ فلا المناسبات الاجتماعية السعيدة تسعده , و لا السياحة والسفر يفرحه , ولا لقاء الأحبة يؤنسه , ولا يشعر بأي طعم للحياة لان الهموم والأفكار المظلمة والرؤى السوداوية والمشاعر السلبية تسيطر على كيانه وتنخر فيه , مما يفقده البهجة والسرور والاستمتاع بالجمال والطبيعة ؛ عندما كان في سن العشرين تمنى ان يكبر , وعندما صار في سن الخمسين تمنى ان يصغر !! وهكذا دواليك هؤلاء لا يفرحون بشيء ولا يستمتعون بأمر ! ما كان أسعدهم لو انهم استمتعوا بكل لحظة من عمرهم المسروق , وتمتعوا بكل مرحلة من زمنهم المهدور .. الأشقياء هم من حرموا أنفسهم من الاستمتاع بما هو متاح وموجود من نعم الكون الجميل , هم المفلسون من كل الأحاسيس الايجابية والاشراقات الروحية .. .
أذ من الممكن أن تتحول جميع الأمور الايجابية في الحياة أمامنا إلى سلبيات , فنتخلى عما كنا نقوم به من نشاط اجتماعي ونهجر السعادة , بسبب فكرنا الظلامي وثقافتنا المنكوسة و رغبتنا في الابتعاد والعزلة والانكماش والتقوقع على الذات , فقد تحملنا الحياة أعباءها وهمومها , وقد نعاني من مشكلاتها , مما يضطرنا – بسبب ضعفنا – إلى الشعور بالضيق من كل شيء حولنا والتذمر من الحياة برمتها .
وقد يتطور هذا الضيق والشعور السلبي إلى مرحلة متقدمة جدا من الاكتئاب الذي قد يصل إلى كرهنا أنفسنا والحياة كلها .
ولكن ما الذي يدفعنا إلى الشعور بأننا فعلا نكره أنفسنا ونبغض الحياة برمتها ؟؟ .
يمكن أن يمر أي شخص منا بتجربة مريرة أو فترة صعبة , فالحياة لا تخلو من المتاعب , وعلينا مواجهة الأحداث والصعاب برباطة جأش وردة فعل طبيعية , بحيث نكون قادرين على تجازوها , والاستمتاع بالجوانب المشرقة الأخرى من الحياة الواسعة الفسيحة .
فلا يمكن أبدا أن تسير الحياة من دون المصاعب والمشكلات والفشل ؛ اذ المشكلات تولد التحديات والتحديات تنتج الإبداعات – الحاجة أم الاختراع - , والفشل سببٌ للنجاح والإصرار على بلوغ الهدف المنشود .
ولكننا أحيانا نستصعب تحمل المشكلات ونستثقل المسؤوليات ؛ ونشعر بأنها أثقل من الجبال الرواسي , وتضغط على رؤوسنا بشدة ,مما يسبب لنا الضيق والحنق والضجر وعدم الاستمتاع بالوقت والحياة .
ومن خلال دراسات علمية وميدانية متعددة أوضح الخبراء والعلماء : أن هناك أسبابا عديدة تدفع المرء الى مقت ذاته وعدم الاستمتاع بحياته , سوف أذكرها في فقرة : (( الأسباب التي تمنعنا من الاستمتاع بالحياة )) .
هنالك أسباب تقليدية للفرح والحزن يشترك فيها عامة الناس فمثلا :
هم يفرحون إذا كثرت أموالهم .
ويفرحون إذا زادت حاجياتهم .
وفي الوقت نفسه يحزنون اذا افتقروا أو قلت حاجياتهم ... .
ولكن توجد طرق عديدة وكثيرة للاستمتاع بجمال الوجود والتمتع بخيرات الطبيعة , والتنعم بمباهج وملذات الحياة , فهناك الكثير من الطرق الطريفة واللطيفة التي تدفع السأم والبؤس عن بني البشر , انها غير تقليدية , والبعض قد لا يلتفت إليها ولا يعيرها أهمية ؛ مع العلم انها قد تديم أفراحنا وتشعرنا بالسعادة ومن خلالها نتغلب على أتراحنا وشقائنا .
اذ من الممكن الاستمتاع بأصوات البلابل والعصافير , ورؤية الأشجار والورود والأنهار , ومشاهدة الحيوانات والكائنات العديدة والأفلام السينمائية الجميلة واللوحات الفنية البديعة والتحف والنصب والتماثيل الراقية ...الخ .
قد تطرب لأغنية حلوة , أو قطعة موسيقية عذبة , وقد يسعدك لقاء صديق او حبيب , أو ترتاح من خلال ممارسة الحب بصورة مثيرة في ليلة هانئة مع الزوجة الحبيبة , أو من خلال تناول بعض الأعشاب والمشروبات التي تخفف التوتر والقلق وتضفي الهدوء والسعادة الداخلية , أو عن طريق التسلية بالألعاب الترفيهية , أو من خلال المساج وتدليك الجسم والعضلات , و لعل من أجمل المتع الروحية البحث عن الله ثم إقامة العلاقة الروحية السامية معه , ألجأ إليه , ادعوه وناجيه , اطلب منه العون الروحي والمدد الروحاني العظيم , احكي معه عن شجونك وهمومك , انه يريد سماع صوتك , عندما يعصر الفلاح الزيتون يخرج منه زيتا نقيا لذيذا , وعندما تعصرنا الهموم والمشاكل يريد الله منا أن نخرج له من قلوبنا التضرع و الدعاء والمناجاة ...
ادخر مالا بين الفينة والأخرى , كي تسافر وترى الجبال والوديان والأنهار والأشجار والشواطئ والطيور .. , وحتى تتعرف على مختلف الجنسيات والثقافات , وتمتع بالسفر , انسى همومك ومسؤولياتك ؛عندما ترجع للوطن باشرها , فالسياحة والسعادة أمران لا يفترقان ..
عزيزي (( المعقد السوداوي الكئيب )) لماذا لا تشاهد منظر غروب الشمس يومياً ؛ فهي واحدة من أجمل اللحظات الوجودية الراقية في اليوم , أجعلها عادة يومية , ابحث عن مكان جيد لمشاهدة غروب الشمس , ويا حبذا لو تناولت قدحا من الشاي المهيل العراقي مع هذه اللحظة الكونية العميقة , او تسامرت مع الحبيب تحت ضوء القمر الساطع ..
اضحك وامزح ؛ فالضحك من أفضل طرق الاستمتاع بالحياة , تناقل النكت والأخبار الطريفة , واضحك من أعماق قلبك , شاهد مسلسلا أو فلما كوميديا , تعلم ان تضحك مهما كانت الظروف والمسؤوليات والمشاكل , تقلب على الأرض من كثرة الضحك وسوف تحب ذلك ؛ وقد جاء في التاريخ الإسلامي ان الإمام علي كان دائم الابتسامة ويضحك ويمازح الناس ؛ لذلك أحبه الناس وهاموا به هياما , و لم يكن عبوسا مكفهر الوجه , الناس بطبعها تحب مشرق الوجه , باسم الثغر , المتفائل , الذي تدخل الابتسامة والنكتة معه اينما حل , وتنفر من العبوس المكتئب ؛ وقد ورد عن الإمام علي ما يؤكد ذلك ,اذ قال :
واحرص على ان لا تُر بي كآبة ............. لكيلا لا يشمت عاد أو يساء حبيبُ .
وقد أثبتت بعض الدراسات : أن الابتسامة تزيد من نسبة الاندروفين في الجسم مثلما تفعل الرياضة , لذلك ابتسم ولو ابتسامة بسيطة فهي ممكن أن تشعرك بالسعادة والهدوء ..
اخرج , تنزه , استنشق الهواء , لا تغلق الباب على نفسك ؛ فالحياة ليست سجنا يعاقب به بني البشر بل نعمة إلهية كبرى وعطية ربانية عظمى لنا , سر عندما تمطر السماء استمتع بالمطر , اكسر الروتين , افلت من طوق التقاليد البالية والعادات البائسة , تمشى على جرف النهر أو الشاطئ , مارس الرياضة , أسبح في الماء الرقراق , اركض حافيا على العشب الجميل , تأمل وأمعن النظر في جمال الطبيعة ..
تذوق الطعام وتلذذ به , لا تأكل الطعام فقط وتعب الماء عبا – كالإنسان البدائي - , بل استمتع به , واشعر بنكهته – البعض يأكل بصورة سريعة وعجيبة كأن أحدهم يركض خلفه !! - , تذوق واستمتع بكل لقمة تأكلها – وقد جاء عن الإمام علي ما يؤكد ذلك , اذ قال : (( اللقمة التي لا تأكلها تأكلك )) !! – اذ أشار إلى معلومة في غاية الأهمية : الطعام الذي لا تحبه ولا تشتهيه وتأكله مكرها يتحول إلى داء ينهش صحتك وينخر فيك , فعندما تقبل على الطعام اقبل بشهية وامضغ جيدا وقلل من حجم اللقمة كي يستفاد جسمك منه ..
استيقظ مبكرا , استنشق الهواء النقي , تمتع بمنظر شروق الشمس العظيمة , لا تضيع يومك فهو هدية من واهب الحياة , استمتع بشرب قهوتك الصباحية أو قدح الشاي , أقرء جريدتك , استمع إلى الألحان الموسيقية التي تنشط خلايا الروح...
كن ايجابيا , اهجر الأفكار السلبية والظلامية , اترك الشكوك والأوهام , طلق الشكاوى والهموم , استبدلها بالأفكار البناءة الايجابية والمشاعر الجميلة والرؤى المشرقة ..
افتح غلق قلبك المتحجر , إلى متى يبقى مغلقا ؟؟ تعلم كيف تفتحه , كيف تجعله جاهزا لاستقبال موجات وترددات الحب والعشق والجمال والأمل والخير والروح ..
ألعب مع الأطفال – حتى النبي محمد كان يلعب معهم - , فالأطفال دون غيرهم يعرفون كيف يعيشون ويستمتعون , اذ يمكنهم تجربة أي شيء وعلى الفور و يباشرونه بجميع مشاعرهم , العب معهم وتعلم كيف تكون مبتهجا مثلهم ..
عزيزي السعادة تأتيك وتسكن في سويداء قلبك عندما تبحث عنها وتجعلها من أهم أولياتك , اما أن تتمنى السعادة وأنت قابعٌ في سردابك المظلم وصومعتك النائية ؛ فهذا من سابع المستحيلات ...
السعادة قد تكمن في تذوق الأشياء البسيطة والاستمتاع بالأمور العادية ,تعلم الاستمتاع بالحياة من داخلك لا تركز على الأشياء الخارجية فقط ؛ فطالما نبعت السعادة من وجدان الإنسان وداخله , اذ من عشش الخراب في داخله جميع ما في الدنيا لا يسعده , فقد عاش نابليون في قمة الجاه والمال والسلطة والشهرة الا انه قال : لم اعرف ستة أيام سعيدة في حياتي !!
بينما عبرت هيلين كيلر العمياء الصماء البكماء بما يلي : أجد الحياة جميلة جداً!! , تجاوب مع الأشياء البسيطة المحيطة بك , ولا تتعود أن تطلب ما ليس متاحا أو صعب المنال – لا تفكر بالمفقود حتى لا تفقد الموجود - , فكل ما تهبه الحياة لك استمتع به حتى لو كان بسيطا أو عادياً , استقطع جزءا من وقتك للاستمتاع واللهو , أفعل شيئا تعتبره هواية , فقط استمتع بوقتك وحياتك , ولا تكن كالذي لا يعرف قيمة الشيء الا بعد فقده .
فوائد الاستمتاع بالحياة :
1- أثبتت بعض الدراسات العلمية أن الاستمتاع بالحياة والابتعاد عن القلق والتوتر يطيل العمر .
2- يدعم العلم فيما يبدو الآن النظرة المتفائلة التي تركز على أن الكوب مملوء الى النصف لا أن نصفه فارغ ؛ وخلصت مراجعة لأكثر من 160 دراسة عن الصلة بين التفكير الايجابي والصحة العامة وطول العمر الى وجود أدلة واضحة و دامغة على أن الذين يستمتعون بالحياة – السعداء – يتمتعون بصحة أفضل و يعيشون مدة أطول .
3- أكدت الأبحاث المعملية العلمية أن ثقافة الاستمتاع بالحياة والتفكير الايجابي يخفض الهرمونات المتصلة بالتوتر ويعزز الجهاز المناعي ويساعد القلب على التعافي بعد أي جهد .
4- أكدت بعض الدراسات على ان الاستمتاع بالحياة سببا رئيسا لسعادة الإنسان وتفاؤله .
5- تشير معظم الدراسات الطبية الى كون الاستمتاع بالحياة والسعادة سببا رئيسا في تعافي الإنسان من الأمراض والوقاية منها في نفس الوقت ! .
6- ذهب العديد من العلماء الى كون الاستمتاع بالحياة والشعور بالسعادة له آثارا ايجابية تؤثر بصورة مباشرة على نفسية المرء وجسده أيضا ! .
عوامل الاستمتاع بالحياة
1- الوضع الصحي الجيد ؛ يساهم بصورة فاعلة في التمتع بالحياة والشعور بجمالها .
2- الوضع الاقتصادي الجيد ؛ من أهم دواعي الاستمتاع بالحياة .
3- الوضع السياسي المستقر والديمقراطي ؛ يساعد كثيرا على نشر ثقافة الحياة .
4- خلو النفس من العقد والأمراض ؛ يرفع من قدرة المرء على الاستمتاع بالحياة ؛ فالإحساس بالتوتر والتململ وعدم الراحة والغليان والقلق , وسرعة التعب والإرهاق , والعصبية والتهيج والنرفزة , والأرق .. كل هذه الأمراض والأعراض تبعدنا أميالا عن السعادة والاستمتاع بالحياة , وتعيق المرء عن مشاعر الرضا والفرح والسرور والطمأنينة والسعادة , اذ المصاب بهذه الأمراض يفقد الإحساس بالحياة والشعور بالسعادة والثقة و الامان .
5- الوضع البيئي السليم ؛ يدفع المرء للتنزه والاستجمام والاستمتاع بالطبيعة الخضراء حيث الأشجار والورود والأنهار والهواء النقي ... .
6- الأحلام والطموحات الواقعية والقريبة المنال ؛ اذ أن للأحلام والطموحات أهمية في حياة الإنسان , فمن دون الحلم والأمل والطموح يصعب الاستمتاع بالحياة والتلذذ بها – ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل - , أذ أن وجود الأحلام والطموحات في حياة الإنسان يخلق لديه حالة من حب الحياة والنظرة الايجابية إليها ؛ وليس من الضروري تحقق كل الأحلام والطموحات حتى يصل المرء الى مرحلة الرضا والسعادة الداخلية , فوجود الحلم بحد ذاته يخلق نوعا من اللذة والمثابرة والإيمان بالحياة ؛ وهنا يحضرني قول الشاعر المتنبي :
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله .... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا . الإنسان مخلوق متمرد ومتحدي بطبعه , ولا يرضى بثبات الحال الذي إن حصل تتحول الحياة الى دائرة مليئة بالتكرار والسأم والروتين الممل والضجر ؛ لذة الحياة في التحدي والنضال والكفاح والجهاد في سبيل تحقيق الأهداف السامية .
7- النوم الصحي والغذاء المفيد ؛ إن أول ما يقترحه عليك الطبيب هو أن تنام بالقدر الكاف – من 6 الى 9 ساعات يوميا - , وهذا لان وقت النوم هو الوقت الذي تستريح فيه أجسامنا وعقولنا ونفوسنا , وتتجدد فيه الأنسجة ونستعد لليوم التالي , وحيث أن النوم باسترخاء يعد الخطوة الأولى لحياة صحية و ممتعة , فان النظام الغذائي العالي البروتين والمتوازن مع كميات وافية من الفيتامينات والمعادن والمياه النقية يعد الخطوة الثانية للاستمتاع بخيرات الحياة وملذاتها .
8- ممارسة الرياضة ؛ أداء التمارين الرياضية يوميا وبصورة منتظمة من الأهمية بمكان , اذ انها تساعد على الاستمتاع بالوقت والطبيعة والحياة .
9- التكيف مع الحياة وترك التذمر ؛ اذا رغبت في إضفاء الهدوء على حياتك والاستمتاع بها , تكيف مع الظروف الطبيعية , وتقبل الآخرين بكل ما يحملون من عادات وتقاليد وثقافات كجزء من فسيفساء الحياة الاجتماعية , ولا تنظر اليها على انها أخطاء يجب تصحيحها أو جرائم يعاقب عليها .
10- القناعة بما هو متاح ومقدورٌ عليه ؛ لا تباري الآخرين في متطلبات الحياة ؛ فلا تشتري مستلزماتك الحياتية بناءا على تقليد الآخرين ومحاولة التشبه بهم , بل بناءا على أساس رغبتك وحاجتك الفعلية إليها ؛ فمن بين أسوء الأفكار التي نعتنقها مبدأ المقارنة ؛ إذ يحذر الخبراء من المقارنة المستمرة , والقصد من المقارنة – هنا - : هو أن تقارن نفسك بغيرك من الناس في نواح كثيرة وبصورة دائمة , اذ من الخطأ أن تقارن نجاحات الآخرين بفشلك , وسعادتهم بتعاستك , وغناهم بفقرك , وقوتهم بضعفك ... فلا تجعل الناس كلهم في كفة وأنت وحدك في كفة مقابلة أخرى . و أكد الخبراء : أنه ليس من المنطقي أن تقارن قدرات وامتيازات الآخرين بقدراتك , فالمقارنة تجعلك تشعر بالغبن والفشل والهزيمة والمرارة والعار ... وقد تشعر بعدم قيمتك وبأنك خسرت الحياة .. ؛ عزيزي عليك بالرضا والسكينة والاستقرار والاستمتاع بالمتاح من نعم الوجود التي لا تعد ولا تحصى , فما أجمل ضوء القمر , و أعظم شعاع الشمس , وما ارق النسيم .. , واعلم ان الحياة كخشبة المسرح كل واحد منا عليها يمثل دوره ثم يتقاضى أجره , فلكل إنسان دورا في هذه الحياة , لا تهتم للدور البسيط أو الضئيل في نظرك ؛ فقد يكون دورك مهما للغاية بالنسبة للغير , دورة الحياة العامة تحتاج العامل كما تحتاج التاجر , وتحتاج الفلاح كما تحتاج الفنان ... , الكل مهمون وكل الأدوار ضرورية للمسيرة الاجتماعية .
11- كسر الروتين ؛ قم بعمل أشياء جديدة غير متوقعة – اي غير تقليدية - ؛ لكي تشعر بالإثارة والاستمتاع , فإذا سارت الحياة بنفس الوتيرة و وفق نمط واحد لا يتغير .. ؛ فإنها حتما سوف تقضي على المتعة والمرح , وستولد الممل والسأم .
12- مواجهة التحديات ؛ تعلم قول ( لا ) , ان تعلم قول ( لا ) دون الشعور بالذنب أو الخوف أو القلق .. يساعدك على الاستمتاع بالحياة والتكيف معها ؛ وقد جاء عن حكيم العراق الإمام علي ما يؤكد ذلك : (( ... لا تكن لينا فتعصر )) .
13- مساعدة الآخرين ؛ من دواعي السعادة والطمأنينة والفرح والاستمتاع بالحياة مساعدة الآخرين , فنحن نحتاج أحيانا أن نتحمل المسؤولية عن الآخرين كما نتحمل مسؤولية حياتنا , بهذا الخلق يصير المرء أنسانا ساميا وقد جاء عن الإمام علي بن الحسين ما يؤكد ذلك , اذ قال : (( من نعم الله عليك حوائج الخلق اليك )) و (( خير الناس أنفعهم للناس )) ؛ وبخلافه يتحول الإنسان إلى كائن أناني و وحيد و متقوقع و متوحش لا يأبه لأوجاع الآخرين وآلامهم . وقد أكد بعض العلماء : أن كره الشخص لنفسه وعدم استمتاعه بحياته , ليس ناتجا عن الحرمان كما يتوهم البعض ؛ بل نتيجة للأخذ والأخذ فقط !! أذ أن حصولك على كل ما تتمنى , واستحواذك على كل شيء في الحياة ؛ يضفي عليك نوعا من الأنانية ؛ وبعدها تترجم الى كراهية , ليس لمن حولك فقط !! بل حتى لنفسك !! ثم تتحول الى السأم من الحياة وعدم الاستمتاع بها , ولا عجب في ذلك فالسعادة الحقيقية والمعادلة الكونية الواقعية قائمة على الأخذ والعطاء والإنتاج والاستهلاك ... .
14- الثقة بالنفس والاسترخاء ؛ من أهم القواعد الأساسية للاستمتاع بالحياة الثقة بالنفس والاسترخاء بين الفينة والأخرى .
15- النجاح والإبداع ؛ من الأمور المهمة التي تثير فينا لذة وبهجة الاستمتاع بالحياة ؛ النجاح في انجاز الأعمال , والإبداع في مجال تخصصننا .
16- التخلص من الإجهاد ؛ ان تقليل الإجهاد والضغط يؤدي الى زيادة الإنتاجية والعيش بطريقة صحية والاستمتاع بالحياة بصورة أفضل .
17- الكتابة والتأليف والبحث العلمي ؛ تعتبر الكتابة من أرقى وسائل الاستمتاع بالحياة والشعور بطعمها الحلو , وهي دواءٌ للكآبة أو الإحباط أو ضغط العمل والظروف , وعلاجٌ ناجعٌ لمواجهة تحديات الحياة .
18- التركيز مفتاح السعادة ؛ فقد أظهرت دراسة جديدة : انه حين يتشتت الذهن ويفقد التركيز عند القيام بمهمة أو نشاط ما ؛ يكون اقل سعادة منه حين يكون مركزاً تماماً فيما يفعله , فتشتت الذهن يكلف المرء سعادته ! , فالبعض تبقى أذهانهم مشتتة منذ الصباح الباكر إلى ان يخلد للنوم ! .
19- الاتزان ؛ أن عيش حياة متزنة يعد أمراً هاماً للغاية , اذ بفضله تستطيع الشعور بالصحة الجسدية والسعادة وحتى تستطيع الاستمتاع بالحياة على أكمل وجه , فحينما تكون حياتك متزنة فإنها سوف تمتلئ بالطاقة الايجابية .
الأسباب التي تمنعنا من الاستمتاع بالحياة
1- تضخيم الأمور ؛ البعض يكبر الأشياء ويعظمها ويعطيها حجما أكبر من واقعها و حقيقتها , إذ ينطبق عليه المثل الشعبي : (( ايسوي الحبه كبه )) , ويركز على الأمور التي يعجز عن تحقيقها أو التي لا تتناسب مع قدراته الواقعية ؛ وبالتالي يصاب بالإحباط والاكتئاب , و بالنتيجة يبغض الحياة ولا يستمتع بملذاتها الطيبة ومناظرها الخلابة وأجوائها العطرة وموسيقاها الرائعة .
إذا بقى الإنسان يفكر طوال الوقت في عمل لم يقدر على انجازه أو هدف لم يستطع تحقيقه – بسبب إمكانياته المحدودة - , أو شخص أحبه ولم يبادله الحب أو ... , ويقلق وينزعج ويتوتر لأجل ذلك ؛ فانه – عندها – يهمل باقي الجوانب المشرقة والايجابية في الحياة ويغفل عنها , ولا يبصر غير المآسي والظلمات والاكدار والسلبيات والإحن والثارات ... ؛ عندها يصاب بالخلل ويفقد التوازن , وبعدها تهرب السعادة والرضا من الشباك , ويدخل بدلا عنهما الاكتئاب وبغض الحياة من الباب !!
2- العيش في الماضي والشعور الدائم بالندم ؛ مركب الزمن يجري و قطار الحياة يسير – هيهات هيهات لا يرجع ما فات - , البعض يغفل هذه الحقيقة الناصعة , اذ يحاول عابثا تعطيل مسيرة الزمن وتوقيف دولاب الحياة , هؤلاء يفضلون المكث في الماضي , ويعالجون جراحاته ويكابدون آلامه ... بالرغم من انقضائه !! .
الندم على الأفعال الشنيعة والتصرفات المنحرفة يعتبر سلوكا إنسانيا راقيا وأصيلا وفطريا ؛ فالذي لا يندم على جرائره وجرائمه يعتبر مجرما طاغيا وذو مشاعر وأحاسيس منحرفة وشاذة .. لكن للندم دائرة محددة ينبغي ان لا يتجاوزوها , من الطبيعي ان يندم الإنسان على الخطأ , ولكن من المرض والشذوذ الشعور الدائم بالندم على تصرفات انصرمت وأفعال ولت , اذ ان الإنسان بطبعه خطاء , والمفروض به عندما يخطأ يندم قليلا على خطأه ثم يأخذ العبرة منه كي لا يفعله مرة اخرى في المستقبل , اذ ان الأمور قد تجهل قبل تجربتها والخوض فيها ؛ وقد جاء في التراث ما يؤكد ذلك : (( بنو ادم خطاءون , وخير الخطاءين التوابون )) .
فالمهم هو الإقلاع عن التصرفات السيئة , وليس المطلوب منا العيش في الندم وتأنيب الضمير المستمر .
حاول ألا تشعر بالندم الدائم المدمر , فالماضي ذهب ولن يعود والفعل والذنب قد انصرم , وبإمكانك الآن التحكم في سلوكك والاستفادة من أخطاء الماضي , وعدم تكرار الخطأ , فالحياة مليئة بالدروس والعبر ولولا الخطأ لما عرف الصواب ؛ فمن الوهم و عدم الرشد أن يعيش المرء حبيس الماضي العتيد و رهين الذنب والخطأ التليد .
فالحياة كما يقول احد الشعراء الإيرانيين : (( الحياة عبارة عن العوم والسباحة في نهر الزمن الحاضر )) اذ يبقى الزمن الحاضر هو الملاذ الذي نلجأ إليه بالعمل والمثابرة ونعيش فيه لحظات المتعة والسعادة ؛ و ان عمل اليوم هو الذي يحدد المستقبل .. اجعل روح المرح و رغبة الاستمتاع بالحياة تطغى على كل شجون الماضي ومشاكل الحاضر .
3- قطع العلاقات الاجتماعية ؛ قد يستغرب الكثير من الناس أهمية العلاقات الاجتماعية في حياتنا , ودورها في تلطيف الأجواء والاستمتاع بالوقت والحياة , اذ ان قطع العلاقات الاجتماعية يؤدي إلى الانكماش والاعتزال والأنانية والعنصرية .. ويمكن ان توصلنا إلى كره أنفسنا و زيادة حالة الاكتئاب لدينا .
يقول الخبراء – في هذا الشأن - : إن الدواء الفعال للشخص الذي يمر بحالة الاكتئاب وعدم تحمل الحياة ؛ هو رؤية الأصدقاء المخلصين والأشخاص الطيبين ؛ وعلى الرغم من الرغبة الملحة في العزلة والجلوس وحيدا عندما لا تكون في أفضل أحوالك النفسية وأوضاعك العامة ؛ إلا أنه من الضروري أن تلجأ إلى أصدقائك الحقيقيين القادرين على الاستمتاع إليك وتقديم المساعدة ويد العون , الذين يمكن أن يكونوا الجسر المتين الذي يوصلك إلى بر السعادة النفسية .
4- التأجيل والتسويف ؛ من اشد العراقيل خطورة تأجيل الاستمتاع بالحياة وتضييع فرص التمتع والاستراحة والاستجمام ..
عندما احصل على الوظيفة سوف أسعد ! , واذا حصلت على الترقية في العمل سوف استمتع بوقتي ! , وفي حال تخرج أولادي من الكلية سأرتاح ! , وعندما يحدث الأمر الفلاني أسافر للاستمتاع بالسياحة والمعالم والآثار ! , وعندما أنجز عملي سأهنأ بحياتي ..
العبارات السابقة نماذج لبعض ما نكرره جميعا في أوقات مختلفة من حياتنا ؛ ولا نعلم ان الضرر يكمن في هذه الجمل الهدامة , فهذه العبارات تحمل العديد من الشحنات السلبية والآثار الضارة التي تؤذي نفسية المرء ومن ثم يصل الضرر إلى جسدنا أيضا , وهي تضرنا لأنها تعطينا شعورا داخليا راسخا مفاده : أنه لم يحن بعد وقت الراحة واللهو والتسلية , أو أن فرص السعادة والاستمتاع بالحياة ليست بأيدينا في الوقت الحالي ..
هذه العبارات والأعذار ما هي الا عراقيل وعقبات تمنع إحساسنا من الشعور بالارتياح والسرور والابتهاج ؛ علما ان المشاعر الايجابية تعتبر الوقود الضروري للطاقة العصبية التي تسير حياتنا وتدفعنا نحو الأمام , اذ معها نستطيع مواصلة حياتنا بنجاح وبأقل قدر ممكن من المعاناة والألم , وبدونها تصبح الحياة جحيما لا يطاق ..
فكم من شاب ضيع أجمل أيام حياته لأنه ربط تعيينه بسعادته , وبقى على هذه الحال ينتظر الوظيفة الموعودة , وبالتالي لم يحصل على الوظيفة ولم يستمتع بحياته ! فأصبح مصداقا للمثل الشعبي : (( ضيع المشيتين )) , وكم من فتاة أضاعت سنوات طويلة من عمرها ؛ اذ أنها ربطت بين الزواج والسعادة , واعتبرت الزواج هو الحياة والسعادة ولا شيء غيره !! , فذهبت منها الحيوية والنظارة وروح الشباب , ولم يأت الزوج المنتظر , أو جاء العريس – بعد خراب البصرة – اذ وجدها قد أدمنت الانتظار والقلق والتوجس والاضطراب .. فشاخت وذبل عودها الأخضر قبل الأوان ؛ بسبب هذه الأفكار السلبية والعبارات الجهنمية التي طالما أجلت الاستمتاع بأيام العمر وأخرت لحظات الهناء والسعادة .. , اللهث المستمر والجري الحثيث وراء الحاجات والطلبات عاقبته وخيمة وخسارته جسيمة , اذا لم تتخلله فترات استراحة وترفيه واسترخاء ولحظات سعادة وترويح وهناء .
5- الثقافة الظلامية ؛ من أكبر واخطر العقبات التي تقف كالسد المنيع بوجه ثقافة الاستمتاع بالحياة , والتمتع بخيرات ومباهج الحياة ؛ الثقافات والأفكار و الأيدلوجيات الظلامية والسوداوية والرجعية والماضوية والانهزامية والتبريرية .. والتي تمسخ كيان الإنسان وتحوله الى كائن بائس كئيب حزين متعصب عنصري , والشواهد على هذا الفكر الظلامي والثقافة المظلمة في مجتمعنا كثيرة حتى وصل الأمر بنا عندما نضحك – وما اقل ضحكاتنا – نعقب قائلين : (( اللهم اجعلها ضحكة خير وادفع شرها !! )) وكأنه كتب علينا أن لا نضحك ولا نفرح ولا نمزح فنحن نتوقع الشر حتى في لحظات الفرح و الخير!! .
مسك الختام : (( قصة طريفة ))
جلس ملياردير أمريكي – في أواخر عمره – أمام بيته الشتوي الخاص على احد انهار المكسيك ..
لفت نظره اقتراب صياد مكسيكي بسيط من الشاطئ ..
وبدأ بمراقبة الصياد المكسيكي , فرأى مركب صيده في غاية البساطة , وكذا الأدوات التي يستعملها في الصيد , وقد اصطاد كمية محدودة من السمك جعلها بجانبه ..
فناداه – الملياردير الأمريكي – ليشتري منه بعض السمك , ويتحدث اليه ,وعندما جاء الصياد ؛ اشترى منه بعض السمك , ثم سأله : كم تحتاج من الوقت كي تصطاد كمية مثل هذه ؟
أجابه : ليس وقتا طويلا
الأمريكي : لماذا لا تقضي وقتا أطول حتى تصطاد أكثر ؛ فتكسب أكثر من ذلك ؟
الصياد : ما اصطاده يكفي حاجتي وحاجة أسرتي بالفعل ..!!
الأمريكي : ماذا تفعل ببقية الوقت ؟
الصياد : أنام نوما هادئا , وأتناول الطعام مع زوجتي , والعب مع أطفالي , وامرح في الحقول الخضراء والشواطئ , وألهو مع أصدقائي في الليل نغني ونستمتع بحياتنا , ونلعب بالجيتار , فنحن نعيش حياتنا .. فانا حياتي مليئة بغير العمل ..
هز رجل الأعمال الأمريكي العجوز رأسه ساخرا من كلام الصياد البسيط !
ثم قال له : سوف أنصحك يا صديقي , فانا رجل أعمال أمريكي مخضرم ..
أولا : يجب ان تتفرغ أكثر للصيد حتى تزداد كمية ما تصطاده ..
ثانيا : بعد فترة من الزمن , عندما يتحسن وضعك المادي ؛ تشتري مركبا أحدث وأكبر من هذا القارب البسيط ..
ثالثا : يمكنك بعد فترة من الزمن مضاعفة عدد القوارب عندما تزداد أرباحك ..
رابعا : سوف تجد نفسك بعد مدة من الزمن صاحب أسطول بحري كبير ..
اذ تبيع السمك إلى الموزعين وترتاح بدلا من بيعك للناس كما تفعل الآن , ثم بعدها تنشأ مصانع لتعليب السمك خاصة بك , وبعد فترة من الزمن يمكنك التحكم بكمية إنتاج السمك وتوزيعه , ثم تنتقل من هذه القرية الى العاصمة , ومن ثم إلى أمريكا حيث تشتري منزلا في نيويورك , فتصبح مليونيرا كبيرا يشار إليه بالبنان , أرأيت يا صديقي المسكين كيف يكون التفكير المنطقي ؟؟!!
سكت الصياد قليلا ثم سأل رجل الأعمال الأمريكي العجوز :
ولكن كم من الوقت يتطلب كل هذا النجاح يا سنيور ؟؟
ضحك الأمريكي , وقال : ربما عشرين سنة او خمسة وعشرين سنة !!!
فقال الصياد : وماذا بعد ذلك ؟؟!!
ضحك الأمريكي وقال : هنا نأتي لأفضل ما في الموضوع , عندما تكبر ويحين الوقت المناسب , تقوم ببيع جميع أسهمك وشركتك , وتصبح من الأغنياء ..!!!
نظر الصياد البسيط إلى الأمريكي , وسأله قائلا : وماذا بعد الغنى والملايين؟؟!!
الأمريكي : بعد ذلك يمكنك العيش في قرية على الساحل , وتنام إلى وقت متأخر , وتلعب مع أطفالك , وتأكل مع زوجتك , وتقضي الليل في الاستمتاع بالحياة مع الأصدقاء ..!!!!
فقال الصياد المكسيكي البسيط مندهشا : هل تعني ان اقضي 25 عاما من التعب والجهد والإرهاق والعمل المتواصل .. وعدم الاستمتاع بالحياة , والحرمان من زوجتي واطفالي , وترك الخروج مع أصحابي , وإهمال صحتي .. لأصل في النهاية إلى ما أنا عليه الآن يا سنيور ؟؟ !!
ثقافة الاستمتاع بالحياة في مجتمعنا
تدوينات اخرى للكاتب
معتقل الرضوانية
احتل العراق مركز الصدارة في العقود الاخيرة من القرن المنصرم في تلاشي العدالة وغياب القانون وانتهاك حقوق الانسان وممارسة ابشع وسائل الت...
رياض سعد
ظاهرة المزارات الوهمية /حادثة القطارة /نموذجا
المقدمة(1)العيش مع الموتى , وفي ظلال الموت من خلال طقوس جنائزية وثقافة قبورية وسياسات شيطانية وعقائد سلبية , بل وطلب...
رياض سعد
جرائم صدامية مروعة / الحلقة التاسعة / مسوخ الاجرام و مسخ الانسان
أوجد -( ابو ناجي )- الخبيث الانكليزي والمحتل البريطاني في بلاد الرافدين حكومات هجينة وملعونة وقبيحة المنظر ومشوهة المضمون ؛ وسل...
رياض سعد
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين