لا أعرف التاريخ الدقيق لدخول مطاعم الوجبات السريعة العالمية للبلد، لكنها مع المطاعم المحلّية ارتبطت ارتباطاً وجدانياً بالشباب* الكهول الذين كانوا أطفالاً حين تعرّفوا عليها، حتى ما يفضّلونه من أطعمة منزلية لابد أن يكون من جنس ما تقدمه تلك المطاعم. 

تسير مطاعم الوجبات السريعة (العالمية والمحلية على سواء) وفقاً لعملية تسويق بعيدة المدى من عناصرها ربط العميل بها نفسياً. هل ترى وجبة الطفل الصغيرة التي تُمثل عيّنة من طعام المطعم؟ تقول له لك شخصيتك الاعتبارية ونحن نحترمها، أما الهدايا الصغيرة فلأننا نريد أن يكون بيننا عربون وفاء (اعتمدت بعض المطاعم شخصيات كرتونية لها يجمع الطفل كل مكّون من تشكيلتها كل مرة يتناول بها وجبة الأطفال أو يلوّن مخططاتها أو يستخدم ألعاب على هيئتها)، أما حلبة اللعب فإننا نشبع حاجاتك الحركية ونمنحك فضاءً حرّاً ونملؤك سعادة. هذا عدا عن اعتبار العائلة تناول الطعام في المطعم نوع من المكافأة والترفيه لأطفالها وعادة السفر التي تقضي بأن الطعام لا يكون أبداً إلا من الخارج، وقس على ذلك المناسبات الاجتماعية والمدرسيّة.

يكبر الطفل ليصير مُراهقاً، ومع كل التغييرات والضغوطات التي يواجهها في هذه المرحلة يجد متنفسه غالباً في المطاعم إذ تراكم في لا وعيِه ارتباط السعادة وتحسن المزاج ومشاعر الذكريات الجميلة بها. يكتئب، يتناول وجبته في المطعم على أمل تغيّر شعوره، ترتفع معنوياته قليلاً، ثم يعود كل شيء لما كان بعد سويعات، ثم يعيد الدورة مرة أخرى ومع مرور الوقت سيتناول الإضافات والحلّيّات، ولا يدرك حقيقة الارتباط ولا تسبب هذه الوجبات بالانخفاض الحاد وتقلبات المزاج الآنية على المدى الطويل. 

ستستمر معه هذه العادة إن لم يُفِق مبكراً ويُقننها ليموت مبكراً بفعل الأمراض النفسية والعضوية لغفلته عن هذا الارتباط الذي صنعته المطاعم وغذّته العادات العائلية والمجتمعيّة، وسيكتشف متأخراً أن ما كان يصرفه على تلك المطاعم كان ليُحسّن حياته لو أنه استثمره في مكانه الصحيح.

أُجريت عدة دراسات أجنبية حول سبب انتشار أمراض السمنة من كوليسترول وسكري ومشكلات الإبصار علاوة على المشكلات النفسية والاجتماعية في التجمّعات الفقيرة لتخلُص إلى أن سببها الانخفاض الظاهر نسبياً في أسعار الوجبات السريعة وما درجنا على تسميته بالمفرّحات.

لا أعرف لو أجريت دراسات مماثلة عندنا، لكن أعرف طرف شعور كئيب مرّ بي حين رأيت رجلاً بعمر والدي تقريباً من خلف زجاج أحد المطاعم يتناول وجبته لوحده.. 

*الشباب = وصف للذكر والأنثى في عمر الشباب (من 18 عام تقريباً إلى 40)