صديق حميم ما رأيته قط إلا مبتسماً متفائلاً، ولو لم أكن أعرفه حق المعرفة لحسبته يعيش في نعيم دائم لا يمسه نصب ولا تعب، ولكني والله أعرف أن به من الهموم والمشاكل ما يخر له جبل شامخ هداً. ولكنه يضحك دائماً بصوت عالٍ وضحكةٍ مميزة تُسمع عن بُعد.
أراه دائماً مبتسماً حتى في شدة الوجع ووقوع المصيبة، حتى ظننته متبلد الإحساس أو خالٍ من المشاعر.
فكنت أحياناً أغبطه على رحابة صدره، وقدرته الهائلة على تجاوز الصعاب، واحتواء المشاكل، وتحمل الصدمات. بقلبه الكبير جداً والذي لا يضيق كقلوبنا.
وأحياناً أشفق عليه من هذا البرود القاتل، واللاشعور الذي أصبح ميزة له، بل مسبة له بين الناس.
كنت أسأله عن سبب هذا البرود العجيب وهذه القدرة الخارقة على تحمل المصائب وكأنها بشائر يتهلل لها وجهه. فكان يجيب بأسلوبه المعتاد الذي يمتص كل تساؤلاتك فيحولها لفقرة من فقراته المضحكة فتضحك وتنسى ماذا كنت تسأل عنه.
ولا أخفيكم أني كنت أغار من بروده هذا وأحسده عليه حتى وإن كنت أعيّره به أحياناً.. وقد قلت له هذا مراراً فيضحك..
كنت أطلب منه مازحاً أن يُعيْرني قلبَه أو يتبرع لي به في حال وفاته فيضحك..
وسأقول لكم سراً - مع أنه ليس من طبعي - أني كنت أتعمد استفزازه أحياناً لأرى غضبه الذي لم أرَه قط؛ ولكنه يغضبني هو ببروده العجيب، فلما أخبره يضحك...
أثار فضولي وحاولت كثيراً أن أفهم ماهو سبب هذا البرود العجيب والصبر الجميل الذي يتميز به حتى في أشد المصائب وأحنكها...
فهو الذي لا تظهر عليه علامات التدين ولا الالتزام، يخوض معنا في الحديث، ويضحك معنا، ويقترف بعض مانقترف، وليس ذا لحية طويلة، ولا ثوب قصير، ويسمع الأغاني... فكل مافيه طبيعي جداً..
بحثت كثيراً واحترت في أمره، ولعلي قد اهتديت أخيراً للسبب وربما أن هناك خفايا لا يعلمها إلا الله ...
قال تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}
[سورة المعارج:19-35].
✍️أبونواف
١٨شعبان ١٤٤٢هـ