هذا الفصل بعنوان:
إختبار العناصر
انتقل كلّ من أحمد و آغنيس من قطار إلى آخر متجاوزين مناطق بأكملها لمدّة ثلاثة أيّام دون أن بنطق أيّ منهما بكلمة واحدة إلى أن وصلوا إلى المنطقة رقم 21 ثمّ أخذوا قطارا فرعيّا نحو الحدود الجنوبيّة لتلك المنطقة حيث تقع المنطقة رقم 20 أو كما يسمّيها العامّة "المنطقة المحظورة".
المنطقة المحظورة :هي المنطقة رقم 20 بمملكة (آشا). لا تتواجد معلومات عنها لدى العامّة سوى كونها منطقة صحراويّة خالية من الحياة تماما حيث أنّها تُعدّ أقسى منطقة بكلّ المملكة مناخيّا حيث يتجاوز معدّل درجة الحرارة أثناء النّهار خمسين درجة مئويّة أمّا في اللّيل فتصل درجة الحرارة إلى ناقص عشر درجات مئويّة كما توجد بعض الأساطير على احتوائها لبعض الوحوش القابعة في أعماق الصّحراء تحت الرّمال.
ظلّت المرأة تمشي و الفتى خلفها نحو الجنوب إلى أن وصلوا إلى مكان صحراويّ بعد الزّوال حيث تكون بداية المنطقة السّوداء.
-"لم أتكلّم طوال الطّريق و لم أحاول حتّى أن أسألكِ عن وجهتنا و هكذا تجازينني !، صرخ الفتى، هل نحن ذاهبون إلى المنطقة السّو..."
-"لقد صَبرت طوال هذه الطّريق، قاطعته (آغنيس)، و الآن تريد أن تعرف وجهتنا..لِمَ لا تصبر قليلا بعد و ستعرف ؟"
-"عن أيّ صبر تتحدّثين ؟..أمامنا صحراء خالية و لا أرى أيّ مكان قريب من هنا، هيّا أخبريني الآن إلى أين نحن ذاهبون و إلاّ..."
-"و إلاّ ماذا ؟..لا يوجد مكان لتذهب إليه"
-"إذا أخبريني إلى أين نحن ذاهبون..المنطقة السّوداء لا تحوي أيّ شيء. إنّها الفراغ بعينه..أ تريدين حقّا موتنا ؟..لم أتبعك سوى لظنّي أنّك تحملين خيطا يدلّني على عمّي"
ابتسمت (آغنيس) مطلقة زفرة قائلة:
-"يا الهي ! إنّك عنيد مثل عمّك"
-" هذا يكفي! ، قال الفتى مخرجا الجناح الفضّي نحوها محدّقا في عدسات نظّاراتها السّوداء، عليكِ إخباري و الآن عن هويّتك و صِلتك بعمّي ؟ و كيف وصلت إلى منزلي ؟ و إن كنت تعرفين أيّ شيء عن ذلك الشّيء الأسود أو أيّ شيء يتعلّق بما حدث و إلاّ..."
-" و إلاّ ماذا ؟، قالت مقرّبة وجهها من أداة الفتى، ستؤذيني بلعبتك الصّغيرة تلك ؟"
ابتعدت عنه ملتفتة نحو الصّحراء ثمّ قالت ملقية ورقة مطويّة عند قدميّ أحمد:
-" ما خطب سحرة هذه الأيّام ؟ عند أوّل توتّر يحصل لهم يبدؤون بإخراج خدعهم الصّغيرة. ألا تستطيعون استعمال عقولكم و لو قليلا ؟ "
-"ما هذه الورقة ؟ و كيف تعرفين أنّني ساحر ؟"
-"لقد علمت من سلاحك فهو يحمل توقيع فريق التّطوير الخاصّ بالمنظّمة..أنا ساحرة مثلك أيّها الصّغير..أمّا تلك الورقة فهي الرّسالة التي بعثها لي عمّك كي آتي إليه."
التقط الفتى الورقة دون أن يخفض أداته و بدأ يقرأ ما فيها:
عزيزتي آغنيس
أرجو منك أن تأتي إلى منزلي لديّ أمر عاجل أريد إخباركِ به.
بلال
"إنّه خطّ يد عمّي بالتّأكيد"، قال الفتى في نفسه ثم أضاف قائلا:
-"هذا فقط ؟ ما الأمر العاجل الذي يتحدّث عنه ؟".
-"كيف لي أن أعرف ؟ أنت تعرف ما حدث"
-"هذه الورقة لا تستطيع الإجابة عن هويّتك أو عن صلتك بعمّي"
-"اسمع يا فتى..كلّ ما أطلبه منك أن تصبر معي قليلا بعد فهلّا فعلت ذلك رجاء ؟"
عندها أخفض أحمد (الجناح الفضّي) قائلا:
-"حسنا لكن إن أحسست و لو للحظة أنّك تخطّطين لشيء ما سأ..."
-"نعم. نعم هيّا بنا الآن"
-"توقّفي عن مقاطعة كلامي في كلّ مرّة و إلاّ..."
-"نعم.نعم..لا يهمّ"
-"توقّفي !"
رفعت آغنيس كمّ ثوبها الأيمن حتّى المرفق مظهرة علامة مثلّث مقلوب مع خطّ في المنتصف على ذراعها قائلة :" أنا أحمل رمز الأرض و الذي تحمله على ظهر يدك هو رمز النّار"
خلال لحظات أظهرت هالتها الخضراء حول جسدها ثمّ قامت بتركيزها حول يديها و أدّت حركات متناسقة كأنّها رقصة من نوع ما جعلت الأرض تهتزّ تحتهما ثمّ بدأت بالانشقاق لتتشكّل قطعة حجريّة شبيهة بالبساط حيث نُسجت بإتقان شديد.
-"إن كنت تريد إنقاذ عمّك فعليك السّيطرة على تلك القوّة التي لديك"، قالت بعد أن قفزت نحو البساط الحجري ثمّ أضافت:
-" أنا لا أعلم ما الذي فعله عمّك لأولائك الأشخاص لكنّني متأكّدة من أنّهم أقوياء بلا شكّ و لا يمكنك مقاتلتهم بمستواك الضّعيف هذا"
نظر أحمد إليها بعينين غاضبتين ثمّ قفز قربها دون أن ينبس ببنت بشفة. فابتسمت المرأة قائلة:
-" أنت حقّا تحبّ عمّك يا فتى..أنا أحترم صبرك من أجل مساعدته"
-"إنّه عائلتي الوحيدة..عليّ إنقاذه مهما كلّف الأمر"، ردّ الفتى محدّقا بالأفق حيث بدأت الشّمس بالغروب.
حرّكت آغنيس يديها جاعلة البساط الحجريّ يتقدّم إلى الأمام، متوجّهة نحو قلب الصّحراء الخالية.
"ما الذي يحدث لي ؟، قال الفتى في نفسه محدّقا في الرّمز الذي على ظهر يده، ذلك الشيء الأسود حقيقي و ليست له علاقة بهوكوشين..إنّه قويّ بشكل لا يصدّق..ما الذي يريده من عمّي ؟ و من هم أولائك الأشخاص ؟..حلم العنقاء الذي راودني..ما الذي عنته بكوني أصيلا ؟ و ما القوّة التي منحتني إيّاها ؟" ثمّ التفت إلى آغنيس مضيفا: " و الآن هذه المرأة الغريبة و قدرتها على التحكّم بالأرض"
جلس أحمد ضامّا ركبتيه إلى صدره ثمّ وضع جبينه عليهما قائلا في نفسه: "عليّ التّفكير في كلّ هذه الألغاز الواحد تلو الآخر..عليّ أن أتوقّف عن الهلع و أن أتحكّم بأعصابي جيّدا..من أجل إنقاذ عمّي"
***
بعد ساعة وصل أحمد و آغنيس -تحت ضوء القمر الفضّي- إلى قرية تميّزت بأبنية قديمة، أبنية انهار أغلبها. كانت قرية خالية من النّاس، تحيط بها هالة غريبة تمزج بين الخوف و الوحدة. كانت أشبه ببقايا حضارة اندثرت منذ قرون.
-"أوي يا فتى، قالت آغنيس، انهض لقد وصلنا إلى (أبرادا)"
فور سماعه لاسم القرية نهض من فوره صارخا:
-"(أبرادا) ! أتقولين أنّ هذه القرية القديمة هي (أبرادا) التي حدّثني عنها عمّي و زملائي في (هوكوشين) ؟ (أبرادا) عاصمة السّحرة القديمة ؟"
-" نعم..لكنّها لم تعد كذلك منذ وقت طويل" ثمّ أضافت بعد أن قفزت من البساط الحجري:" اقفز يا فتى"
قفز أحمد من البساط الحجريّ الذي عاد إلى الرّمال ثمّ أكملا الطّريق سيرا.
"من كان ليصدّق أنّ هذا المكان هو أبرادا التي حلمت بالذّهاب إليها رفقة عمّي، قال الفتى في نفسه محدّقا بالأبنية القديمة و الأرض الجافّة المشقّقة، كيف أصبحت عاصمة السّحرة الأعظم على مرّ التّاريخ مكانا كئيبا كهذا ؟"
وصل أحمد و آغنيس إلى منزل بدا أفضل حالا من بقيّة الأبنية ثمّ فتحت هي الباب قائلة: " سنبيت هنا اللّيلة..حاول أن تحظى بقدر جيّد من النّوم فلدينا بعض الأعمال المهمّة في الغد"
***
في صبيحة اليوم التّالي...
ذهب أحمد و آغنيس إلى مكان أشبه بمعبد قديم ثمّ دخلا. كان مكانا باردا و مظلما زاده صفير الرّياح رعبا حيث نًقشت على الأعمدة و الجدران نصوص قديمة ثمّ لاحظ الفتى أنّ تلك النّصوص شبيهة بالنّقوش التي على ثوب تلك المرأة ثمّ لمعت في ذهنه ذكرى قديمة فقال محطّما الأجواء الصّامتة و المخيفة:
-"سيّدتي ؟"
فأجابته بوجه ممتقع :
-" لا تقل لي سيّدتي أنا آغنيس فحسب" ثمّ تمتمت ملتفتة إلى الأمام: "يا إلهي ! لقد أصبحت سيّدة الآن..قريبا سأصبح راعية أطفال" ثمّ قالت له :
-"ماذا تريد ؟"
-"هل أنت قريبة جيلال ؟"
-"أنا أخت ذلك الأبله"
ثمّ عاد الصّمت من جديد قبل أن يعيد الفتى كسره من جديد:
-"آغنيس ؟"
-"ماذا تريد ؟"
-"ما تلك النّقوش التي على الجدران و على ملابسك ؟"
-"إنّها لغة القدماء"
-"ما الذي تعنيه ؟"
-" لا أحد يعلم لذلك سُمّيت بلغة القدماء"
-" هل تخرّجت من (هوكوشين) ؟ و إن كنت كذلك من أيّ شعبة أنتِ ؟"
فجأة توقّفت عن المشي و التفتت إلى أحمد:
-" ما بالك يا فتى ؟ ألا تتوقّف عن طرح الأسئلة ؟ يا إلهي، ألا يمكنك المشي صامتا و لو للحظة فقط ؟" ثمّ أكملت طريقها.
ظلّ الفتى و المرأة صامتين لبقيّة الطّريق حتّى وصلا إلى مكان ما وسط المعبد حيث كان عبارة على برج طويل دون سقف، و كانت توجد منصّة دائريّة تحمل فوقها طاولة حجريّة على شكل نصف دائرة بها أربع أوعية نحاسيّة نقش على كلّ منها رمز مختلف: وعاء يحمل رمز مثلّث حيث وضع به جمر موقد. وعاء يحمل رمز مثلّث يحمل خطّا بالمنتصف حيث وضعت به أوراق الأشجار. وعاء يحمل رمز مثلّث مقلوب حيث مُلِأ بالماء و أخيرا وعاء يحمل رمز مثلّث مقلوب يحمل خطّا بالمنتصف حيث وضعت به حجارة من المرمر.
بينما كان أحمد يحدّق بالأوعية الأربعة و خاصّة الوعاء الحامل للجمر أمسكت آغنيس بيده فجأة محدّقة بالوشم ثمّ قالت:
-"حسب هذه العلامة فإنّني متأكّدة تماما أنّك أصيل من نوع النّار لكن عليّ التأكّد من ذلك عبر اختبار العناصر"
-"اختبار العناصر ؟..ما هذا ؟"، أجابها جاذبا يده.
-"يا إلهي ! إنّك حقّا لا تعرف شيئا"
-" عن أيّ شيء تتحدّثين ؟"
-"أظنّ أنّ عليّ أن أخبرك كلّ شيء من البداية"
تنهّدت المرأة للحظات ثمّ أكملت :
-"حسنا..حسب ما أخبرني به جدّي فإنّ السّحرة القدامى أي سكّان (أبرادا) الأصليين اكتشفوا منذ نحو أربعمائة سنة تقريبا طاقة داخل أجسادهم"
-"تقصدين (الفيتاي)..طاقة الحياة الموجودة داخل كلّ شخص."
-"نعم و كان يُعرف فنّ التّحكّم بتلك الطّاقة ب"الخيمياء" حيث يستطيع حاملها نقل طاقته إلى أيّ شيء ليتمكّن من تغيير بنيته من خلال تفكيكه إلى أجزاء صغيرة جدّا ثمّ إعادة تركيبها معا لتشكيل أشياء أخرى تماما، بعدها بدأ عدّة أشخاص بالظّهور، أشخاص يستطيعون التحكّم بعنصر ما من عناصر الطّبيعة حيث نُقشت على أجسادهم رموز تدلّ على العنصر المُتَحكّمِ به فالمثلّث يعني النّار و المثلّث المقلوب يعني الماء و المثلّث الحامل لخطّ بالمنتصف يعني الهواء و المثلّث المقلوب الحامل لخطّ بالمنتصف يعني الأرض.
النّار
الماء
الهواء
الأرض
هؤلاء الأشخاص يعرفون باسم "الأصلاء" و بعد عدّة عقود بدأ آخرون بالظّهور حاملين لعناصر تمزج بين اثنين أو أكثر من العناصر الأربعة و مع مرور السّنين بدأت قدرات مختلفة تماما و متنوّعة بالظّهور" ثمّ التفتت محدّقة إلى الأوعية الأربعة مضيفة :
-" كانوا داخل هذا المعبد يقومون بإيقاظ قوى الذين وصلوا إلى سنّ البلوغ ثمّ يقومون بعمل اختبار العناصر و هو اختبار خاصّ بالأصيلين لتّأكّد من العنصر المُتَحكَّمِ به"
كان الفتى يصغي إليها غير مصدّق لأذنيه ثمّ قال لها:
-" ه..هل تقولين أنّني مستعمل فيتاي و أصيل أيضا ؟"
-" هل أنت أبله ؟ ألم تكن تستمع إليّ ؟ ألم يعلّموكم في هوكوشين عن الفيتاي ؟ ألم يوقظوكم حتّى ؟"
-" لا..إنّني أعلم بأمر الفيتاي لكن..."
-"لكن ماذا ؟"
-"عندما كنت في (هوكوشين) كنت الوحيد الذي لم يستطيعوا إيقاظه"
-" ما الذي تقوله ؟"
-" لقد تخرّجت من (هوكوشين) دون أن أكون مستعملا للفيتاي..لقد أخبرني الفريق الطبّي أن الفحوصات تقول بأنّ خلاياي لا تستطيع بطريقة ما صنع (الفيتاي)"
-"ما هذا الجنون ؟ أنا أؤكّد لك أنّني أستطيع استشعار (الفيتاي) من جسدك."
-"لكن في ليلة ما قبل يوم التخرّج..." ثمّ صمت (أحمد) للحظات.
-"هيّا أكمل لماذا صمتّ الآن ؟"
ثمّ روى لها (أحمد) قصّة حصوله على وشم مثلّث غير مكتمل ليلة عيد ميلاده الثّامن عشر دون أن يتطرّق إلى أمر حلم العنقاء.
-" ثمّ اكتمل الوشم بعد هذه الحادثة"، قال الفتى
-"لقد سمعت بأمر ما شبيه بهذا من قبل"، ردّت آغنيس ممسكة بيد الفتى بعد أن أظهرت هالتها الخضراء مركّزة إيّاها على يدها الأخرى واضعة إيّاها فوق الوشم.
بعد لحظات من الصّمت قالت المرأة :
-" تماما كما توقّعت ! إنّه ختم"
-"ختم ؟ ما الذي تعنينه ؟"
-" للغة القدماء قدرات خاصّة و قويّة، أحدها الختم و هو القدرة على إبطال قدرة شخص ما وفق شرط معيّن و مقابل يكافئه في القوّة و حسب ما أراه الآن فإنّ قواك قد ختمت بواسطة ختم قويّ جدّا لم يستطع موقظو هوكوشين كسره و على الأغلب فإنّ الشّرط كان إبطال قواك حتّى تبلغ الثّامنة عشرة و عندها بدأت قواك تعود تدريجيّا لكن عندما تعرّضت لصدمة اختطاف عمّك قمت بكسر ما بقي من الختم و بذلك سرّعت الأمر." ثمّ أضافت قائلة في نفسها : "لكن مثل هذه الأشياء لم تحدث منذ سنوات كما أنّ الخيميائيين هم وحدهم من يستطيعون استعمال مثل تلك القدرة..لم يرى أحد خيميائيّا منذ عقود فكيف لمثل هذا أن يحدث ؟"
-" ختم ؟ هذا غريب أنا لا أذكر أنّني تعرّضت لأيّ شيء مثل هذا من قبل"
-"على الأرجح أنّه قد وضع عليك عندما كنت رضيعا"
-" أتقولين أنّ والداي هما من وضعا الختم ؟ كيف لهما أن يعرفا بأمور كهذه ؟"
-" و كيف لي أن أعرف ؟"
-" لقد قلت أن الختم يتكوّن من شرط و مقابل..ما هو المقابل ؟"
-" لا أعلم لكن ختم كهذا يحتاج مقابلا كبيرا جدّا"
-"لم أفهم"
-"عندما يكون الشّرط قويّا على المقابل أن يوازيه في القيمة كذلك و إلّا لن يحدث الختم فتلك أحد قواعد الخيمياء الأساسيّة و تسمّى بقانون التّعادل"
-" قانون ماذا ؟"
-" إنّه قانون أساسيّ في الخيمياء و يعني أساسا أن تحويل شيء من حالة إلى أخرى يتوجّب إبقاء نفس قيمته بعبارة أخرى هذا يعني أنّك لن تحصل على شيء إلّا عبر التضحية بما يوازيه في القيمة" ثمّ تنهّدت مضيفة:
-"كفانا حديثا الآن و لنقم بعمل اختبار العناصر"
تقدّم أحمد و آغنيس إلى المنصّة ثمّ قالت هذه الأخيرة :
-"هذا الاختبار بسيط كلّ ما عليك فعله هو أن تخرج هالتك و تركّزها على إحدى يديك ثمّ تمرّرها ببطء فوق الأوعية"
نظر الفتى إليها بوجه أبله قائلا :
-" آ..أخرج هالتي..و..ماذا ؟"
-"يا إلهي ! هل البلاهة وراثيّة في عائلتكم ؟ "، تنهّدت آغنيس واضعة يدها على جبهتها.
-"أنا لست أبلها !..هل أبدو لكي كشخص يحسن استعمال الفيتاي ؟"
-"حسنا أنا آسفة فلنفعل ذلك من البداية" ثمّ تراجعت واقفة وراءه مضيفة:
-"سأقوم بتحفيز هالتك عبر ضربك بنسبة ضعيفة من طاقتي لذا كلّ ما عليك فعله هو إغماض عينيك ثمّ التنفّس ببطء فقط هل فهمت يا هذا ؟"
-"نعم"
-"هل أنت متأكّد أم أنّك تريد منّي أن أعيد الشّرح لك ؟"
-" دعينا نبدأ فحسب"
-"إذا فلتقم بنزع تلك الملابس الجميلة كي لا تتّسخ"
بعد أن أبقى على قميصه الأبيض أغمض أحمد عينيه ثمّ بدأ بالتّنفّس ببطء بينما وقفت آغنيس وراءه بعدّة خطوات و اتخذت وضعيّة القرفصاء ثمّ أظهرت هالتها و قامت بتركيزها على يديها ثمّ أطلقت كرة طاقة نحو ظهر الفتى لتظهر هالته البرتقاليّة.
"هذا غريب، قالت المرأة في نفسها، هالته ليست كثيفة مثل المرّة السّابقة لكن لا بأس..لا يزال بإمكانه فعلها" ثمّ قالت للفتى :
-" و الآن عليك أن تقوم باحتواء طاقتك قبل أن تنفذ من جسدك"
"عليّ أن أتحكّم في طاقتي، قال الفتى في نفسه، عليّ فعلها..أنا أستطيع فعلها..سأفعلها من أجل عمّي"
بدأت الهالة بالتدفّق حول جسده بشكل أفضل ثمّ بدأت بالتركّز حول يده اليمنى فابتسم الفتى ملتفتا إلى آغنيس قائلا:
-" لقد فعلتها !" فوجدها تصرخ قائلة:
"لا تفقد تركيزك !"
عندها هاجت هالته فانفجرت في وجهه جاعلة إيّاه يسقط على الأرض ثمّ اختفت بلمح البصر.نظرت المرأة إلى الفتى متوقّعة منه أن يشعر بالغضب أو اليأس قائلة:
-"اسمع يا فتى يمكننا أن.."
-"مرّة أخرى..لنعد المحاولة مرّة أخرى فحسب"
"ما بال هذا الولد ؟، قالت المرأة في نفسها، ألم يشعر بالغضب من فشله ؟"
-"لماذا تنظرين إليّ بهذا الشّكل ؟، ردّ أحمد، هيّا لنعد المحاولة !"
عندها ظهرت ل(آغنيس) ذكرى قديمة لبلال عندما كان شابّا و هو يبتسم فضحكت قائلة في نفسها :" إنّه أبله مثل عمّه تماما"
-"لماذا تضحكين الآن ؟، سألها الفتى،هيّا لنعد الآن"
أعادت المرأة حركتها ثمّ قام الفتى بتركيز هالته على يده بشكل أسرع من السّابق ثمّ توجّه نحو الأوعية الأربعة.
-" و الآن قم بوضع يدك فوق كلّ وعاء لعدّة ثوان، قالت آغنيس، و إن تفاعل معك أيّ عنصر فهو عنصرك..دعنا نبدأ بالاحتمالات الضعيفة وصولا إلى أقواها"
مرّر الفتى يده فوق وعاء الحجارة ثمّ الأوراق ثمّ الماء و لم يتفاعل معه أيّ منهم و حانت اللّحظة الحاسمة حيث مرّر يده فوق وعاء الجمر فانطلقت ألسنة اللّهب حتّى وصلت إلى يده فسحبها خوفا من أن تحترق.
-"لا تقلق النّار هي عنصرك لذا لا يمكنها إيذاؤك بعد اليوم..أعد يدك إلى قلب ألسنة النّار و سترى بنفسك أنّ يدك لن يصيبها أيّ أذى"
قرّب أحمد يده من الوعاء ببطء فانطلقت ألسنة اللّهب ملتفّة حول يده دون أن تتسبّب له بأيّ أذى.
-"هذا لا يصدّق إنّ النّار لا تحرقني !"،صرخ الفتى فرحا .
-"لقد أخبرتك..أنت لم تعد إنسانا عاديّا..أنت الآن هو النّار و النّار لا يمكن لها أن تؤذي نفسها"
ظلّ الفتى محدّقا بالنّيران الملتفّة حول يده للحظات و هو يتمتم قائلا: "أنا..هو..النّار"
-"هيّا يا فتى. يكفي لهذا اليوم، قالت المرأة، ألا تشعر بالجّوع ؟"
عندها بدأت عصافير بطن الفتى بالزّقزقة فابتسمت آغنيس قائلة :" هيّا ارتدي ملابسك بسرعة و الحق بي" ثمّ ذهبت خارج المعبد فلحقها أحمد معترضا طريقها ثم أمسك يديها و قد غرقت عيناه بالدّموع قائلا:
-"آغنيس..أرجوك..علّميني كيفيّة استعمال قوّتي..عليّ إنقاذ عمّي..أحتاج هذه القوّة"
فابتسمت المرأة ملتفتة إليه:
-"و ما المقابل ؟"
عندها نظر الفتى إلى عينيها بعينين يملؤهما مزيج من الغضب و الشجاعة و الحماس:
-" سأظلّ مدينا لكي لبقيّة حياتي"
-"حسنا"
-"حسنا فقط ؟ هل ستعلّمينني حقّا؟"
-"توقّف عن طرح الأسئلة المزعجة و إلاّ غيّرت رأيي." ثمّ قالت في نفسها: "أظنّني فهمت الآن هدف بلال من تلك الرّسالة.. ينتظر هذا الولد قدر عظيم جدّا"
-"هيّا لنأكل شيئا ثمّ لترح جسدك جيّدا فلقد فقدت الكثير من الطّاقة على الأرجح، أضافت آغنيس، الغرفة التي نمت فيها البارحة هي غرفة (جيلال)..إنّها لك الآن..سنبدأ التّدريب ابتداء من الغد"
***
في زنزانة مظلمة تحت الأرض...
عُلّق (بلال) بسلاسل على الحائط وقد مُزّق قميصه و كُسرت العدسة اليمنى لنظّارته و غُطّي كامل جسده و وجهه بالكدمات و الجّروح.
-" تكلّم يا هذا !، صرخ رجل سمين يرتدي درعا فضيّة في وجه (بلال) ثمّ انهال عليه ضربا بواسطة السّوط، أين هو حجر النّار ؟"
ابتسم العمّ بعد أن بصق بعض الدّماء فازداد وجه الرّجل السّمين احمرارا صارخا:
-"أيّها ال..."
-" هذا يكفي !"، تدخّل رجل ظهر من وسط الظّلام بصوت أشبه بعواء ضبع. كان طويلا و ضعيف البنية، شعره أرجواني مبعثر كأنّه لم يقم بمشطه منذ زمن طويل، وجهه شاحب كأنّه شبح، عيناه أُبتلعتا داخل ظلام محجريهما و رُسم على كلا خدّيه شكل معيّن ♦ باللّون الأحمر كما كان يرتدي بذلة سوداء مخطّطة مع معطف مخمليّ أخضر داكن و قفّازات جلديّة بنفسجيّة.
تقدّم نحو (بلال) الذي كان رأسه يتدلّى من رقبته ثمّ نزع قفّازه الأيمن و نظر نحو الرّجل السّمين قائلا:"الغضب..ممم يا لها من خطيئة جميلة و لذيذة"
خلال لحظات انبعثت هالة سوداء من يده العارية منقضّة على السّمين فلمع ضوء أحمر من عينيه الصّغيرتين و غطّ في نوم عميق و هو واقف ثمّ أضاف ملامسا ذقن بلال :" أمّا أنت.." و رفع له رأسه : "إنّي أكاد أتقيّأ من رائحة فضيلة الشّجاعة و الحبّ التي تفوح منك" ثم راح يدور بالمكان قائلا : "كم أشمئزّ من أمثالك..تظنّون أنّ الفضيلة ستجعلكم أكثر كمالا..تبّا كم أنتم حقيرون أيّها البشر" ثمّ انطلق بسرعة هائلة نحو العمّ ممسكا برقبته و قد لمعت عينان حمراوان من وسط ظلال عينيه قائلا: "هيّا أخبرني..لم لا تستعمل قواك يا هذا و تقاتلني وجها لوجه. ألست حامل طاقة العنقاء ؟ أم أنّك لا تراني ندّا لك..ها..هيّا تكلّم ! لِمَ لمْ تقاتل تينيبريس ؟ ألا تراه ندّا لك كذلك ؟"
فجأة فُتحت بوّابة سوداء في الأرض ثمّ خرج منها الشّيء الأسود قائلا بنبرة صوت عميقة و متوازنة: -"سيّد (دايموند)..سيّدنا يطلب منك الحضور حالا"
فردّ عليه الرّجل و قد ارتسمت ابتسامة مخيفة على وجهه:
-" تينيبريس..أوه لقد كنّا نتحدّث عنك منذ قليل..هذا الأحمق لا يرانا ندّا له"
لم يجبه الشّيء الأسود بل أعاد عبارته السّابقة فقط.
عندها أعاد دايموند ارتداء قفّازه فأفاق السّمين من قيلولته ثمّ قال قبل أن يدخل في البوابّة التي فتحها تينيبريس :
-"أراك فيما بعد يا عنقاء"
***
في تلك اللّيلة ظلّت آغنيس تفكّر بأمر حادثة اختطاف بلال قائلة في نفسها: "ما المشكلة التي وضعت نفسك بها يا بلال؟ من هؤلاء الأشخاص ؟ ما الذي جعلهم يختطفونك ؟ و الأهم من كلّ هذا لِمَ لم تستعمل قواك للدّفاع عن نفسك ؟ أنت أحد أقوى مستعملي الفيتاي الذي عرفتهم"ثمّ لمعت في ذهنها تلك اللّحظة عندما أطلق أحمد صرخة أبطلت كلّا من قوّتها و قوّة الشّيء الأسود:" أنا متأكّدة الآن أنّه أصيل من نوع النّار لكن ما تلك القدرة الإضافيّة ؟ أصلاء النّار لا يملكون مثل هذه القدرات..ربّما هو هجين من نوع ما"
جميع الحقوق محفوظة
لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.