هذا الفصل بعنوان :

ليلة القمر الأزرق..هناك نلتقي ! 

في صبيحة اليوم التّالي و تحديدا قبل طلوع الفجر بنصف ساعة...

-"حان وقت النّهوض يا فتى !" قالت آغنيس فاتحة باب الغرفة.

-"خمس دقائق أخرى يا زوربا ..أرجوك"، أجابها أحمد متمتما و هو يتقلّب في الفراش.

ابتسمت الإمرأة للحظات ثم ركلت الفتى ركلة جعلته يكاد يطير في الهواء قائلة:

-"كفاك نوما يا هذا..أنا لست ذلك الضّعيف زوربا..أنا أسوأ من ذلك بكثير"

بعد تلك الرّكلة أفاق الفتى صارخا:

-"صباح الخير سيّ..آآ..أعني آغنيس"

-"اغتسل ثمّ ارتدي الملابس التي تركتها لك في الخزانة..تلك الملابس الأنيقة ليست مناسبة  للتّدريب" ثمّ أضافت هامّة بالرّحيل: "لقد تركت لك طبق شوفان عند الطّاولة..أنا أنتظرك في ساحة المعبد " ثمّ أغلقت الباب بقوّة خلفها.

"رائع..انتهينا من زوربا فوقعنا عند آغنيس، قال الفتى في نفسه بنبرة يائسة، أظنّني لن أنتهي من التّدريب لبقيّة حياتي"

***

بعد أن اغتسل، وجد أحمد في الخزانة ملابس شبيهة لملابس آغنيس و جيلال  لولا اختلاف اللّون حيث كانت برتقاليّة، و جزمة بنيّة اللّون.

يتألّف لباس سكّان أبرادا من سروال و قميص أبيضين (خفيفا الوزن و فضفاضين) و قطعة قماش أكثر خشونة بها فتحة بالوسط من أجل الرأس تصل عند ارتدائها إلى مستوى منتصف الفخذين مع حزام أسود. هذا اللّباس موحّد بين الإناث و الذّكور.

" يا لها من ملابس مريحة "، قال الفتى في نفسه بينما كان يعبر رواق المعبد ثمّ البرج معدوم السّقف.

"أوووي أيّها الفتى !، صرخت آغنيس مطلّة من بوّابة تقع خلف منصّة اختبار العناصر، من هنا"

عبر أحمد البوّابة  فوجد نفسه  في ساحة كبيرة يحيط بها سور ذو ارتفاع شاهق. كانت الأرضيّة مصنوعة من أحجار ذات لون رمليّ متراصّة بجانب بعضها.

نظرت المرأة إلى الفتى قائلة بإعجاب:

-"أنظر إلى نفسك..لقد أصبحت أبراديّا الآن !..حسنا، أوّل مرحلة في التّدريب هي  تعزيز جزء من جسدك أو أيّ شيء آخر يتّصل بجسدك"

-"هذا ما يستطيع أصدقائي فعله..لكن هل قلتِ أوّل مرحلة ؟ لكن التّعزيز هو الشّيء الوحيد الذي تعلّموه"

-"نعم..لم تعلّمكم هوكوشين كلّ شيء عن الفيتاي..لقد علّمتكم الأساس فقط وهو التحكّم في تدفّق هالة الفيتاي..المرحلة التي بعدها هي اكتشاف قدرتك و هذا يحتاج منك بعضا من التّأمّل و الصّبر و نظرا لتنوّع القدرات و كيفيّة عملها و ظهورها داخل كلّ شخص لن تستطيع مدرستكم كشف قدرات كلّ واحد فيكم على حدا إضافة إلى أنّ الوقت الذي يحتاجه المرء لاكتشاف قدرته يختلف من شخص إلى آخر..بمعنى آخر ذلك يعتمد على إرادتك الخاصّة"

"إذا أصدقائي يحتاجون إلى التّدريب كذلك..ترى هل هم يعلمون هذا؟ ربّما عليّ إخبارهم "، قال الفتى في نفسه ثم أجابها:

-"نعم. فهمت"

-"هيّا لنبدأ التّدريب إذن ! نحن نقوم بتضييع الوقت"

تقدّمت المرأة إلى قلب السّاحة قائلة:

-" مناخ هذا المكان قاس جدّا فكما ترى فنحن في الفجر و الحرارة عالية و كلّما صعدت الشّمس أكثر زادت الحرارة لذا الوقت نفيس هنا"

تقدّم الفتى و مع أوّل بصيص لنور الشّمس فوجئ بآثار احتراق على الأرض ، آثار على شكل دائرة بها عدّة أشكال إضافة إلى كتابة بلغة القدماء فصرخ قائلا :" ما هذا ؟"

 فأجابته بنبرة غير مبالية:

-"و كيف لي أن أعرف ؟...الجميع يقول أنّها كانت موجودة قبل نشأة (أبرادا) حتّى..و الآن يكفي من الأسئلة و لنبدأ التّدريب"

***

-"عليك أن تعلم أنّني لن أقوم بتدريبك على الطّريقة التّقليديّة  فهي تحتاج أشهرا من القيام بتحفيز جسدك حتّى يعتاد على تدفّق الفيتاي لذلك سنقوم بتدريب خاصّ أنا أدعوه ب"التّحفيز الغريزيّ" و عليّ أن أخبرك أنّه قد توجد احتمالية بسيطة بوجود بعض الآثار الجانبيّة على جسدك من آلام بكلّ عضلات جسدك أو توعّك بسيط في معدتك..لكن ما الحياة بدون مخاطرة ؟ أليس كذلك ؟ " ثمّ قامت بنزع صندلها مضيفة:

-"هلّا بدأنا إذن..هيّا قم بضربي"

-"هاه ؟ أقوم بضربِكِ ؟ ما الذي تقولينه ؟"

 فابتسمت مثبّتة نظّاراتها:

-"دعني أصحّح جملتي..أنا أتحدّاك أن تلمسني لمسة واحدة فقط"

عندها ابتسم الفتى ثمّ قام بفرقعة مفاصل أصابع يديه قائلا:

-"سنرى ذلك"

تقدّم أحمد نحوها بسرعة مادّا يده نحوها لكن خلال ثوان اختفت المرأة من أمام ناظريه بلمح البصر ليشعر بصفعة على رقبته من الخلف فالتفت وراءه ليجدها تبتسم قائلة: "ماذا ؟ ألا تستطيع لمسي ؟" لكنّ الفتى لم يستسلم بعد فقام بالاستدارة بسرعة ثمّ قفز منقضّا عليها ليجدها قد اختفت بلمح البصر.

"هذا غير ممكن !، قال الفتى في نفسه، إنّها سريعة جدّا !".

"هيّا فتى!  ليس لدينا اليوم بطوله"، قالت آغنيس بنبرة مستفزّة فازداد الفتى حماسا و بدأ يزيد من سرعته تدريجيّا محاولا مجاراة سرعتها الهائلة و في كلّ مرّة كانت تختفي من أمامه لكن في المرّة الأخيرة نظر )أحمد( إلى قدميها ليجدهما مغلّفتين بهالتها الخضراء فصرخ قائلا: "هل كنت تستعملين الفيتاي طوال الوقت ؟" عندها توقّفت بعيدة عنه بعدّة أقدام قائلة: "أخيرا بدأت تستعمل عقلك..ماذا كنت تظنّ ؟ أنّني كائن خارق السّرعة ؟ الحياة ليست عادلة فلتتأقلم مع ذلك" ثمّ انطلقت نحوه بسرعة هائلة مضيفة : "لو كنت مكانك لبدأت بمحاولة استعمال الفيتاي" و قبل أن يستطيع أحمد التّفكير وجد وجهها قريبا من وجهه فقفز إلى الخلف غريزيّا، عندها أطلقت آغنيس ضحكة كبيرة ثمّ قالت :"أخيرا بدأت تتحرّك" بينما كان أحمد يحاول التقاط أنفاسه قائلا في نفسه : "عليّ أن أتحكّم بهالتي و إلاّ فإنّني لن أستطيع اللّحاق بها مهما حاولت".

"أووي، ماجير !، قالت المرأة، كفاك تفكيرا و حاول التطبيق قليلا..لِمَ لا تبدأ بالاستماع إلى جسدك ؟" ثمّ انتقلت آنيّا بقربه محلّقة في الهواء لتقوم بتسديد ركلة جانبيّة في وجهه لتقذفه عدّة أقدام في الهواء ثمّ قالت:"لو كانت تلك الرّكلة حقيقيّة لانتهى القتال في الحال".

عاد الفتى إلى الوقوف ببطء و قد سالت بعض الدّماء من شفته السّفلى قائلا في نفسه: "عليّ التّركيز..عليّ أن أقوم بتحفيز هالتي لكن كيف ؟"

قام أحمد بتقليد تلك الحركات ثمّ بدأ شيء بداخله ينبض، لم يكن قلبه بل كان شيئا آخر لم يعرف ماهيّته ثمّ بدأ يسري في كلّ عروقه و خلال لحظات بدأت هالته بالظّهور مغلّفة كامل جسده ثمّ فتح عينيه قائلا: "عليّ الآن أن أقوم بتركيزها على قدميّ" لكنّ آغنيس انطلقت نحوه معيدة حركتها السّابقة صارخة: "الآن بدأنا نحرز بعض التقدّم !" فقام بإغماض عينيه و القيام بوضعيّة الدّفاع واضعا ذراعيه أمام وجهه، و قبل أن تلمس قدمها وجهه بعدّة ثوان انتقل آنيّا إلى الجانب الآخر من السّاحة.

فتح أحمد عينيه غير مصدّق لما حدث قائلا: " لقد فعلتها !" فضحكت المرأة قائلة: "ليس سيّئا بالنّسبة لمب.." و قبل أن تنهي جملتها وجدت الفتى أمامها محلّقا في الهواء محاولا تسديد لكمة نحو وجهها. فجأة انطلق حائط من الأرض ليفصل بينهما و ليصطدم به الفتى و يسقط على الأرض.

"كان ذلك وشيكا"، قالت آغنيس في نفسها و تعابير الخوف لا تزال عالقة على ملامحها ثم أعادت الحائط للأرض  لتجد أحمد مغشيّا عليه و قد ظهرت على جبهته كدمة فابتسمت قائلة : "محاولة جيّدة يا فتى" ثمّ أضافت في نفسها:" هل قام للتّو بتعزيز قبضة يده أم أنا تخيّلت ذلك ؟".

***

عند بداية غروب شمس ذلك اليوم أفاق أحمد و قد غُطّيت جبهته بضمّادات حيث وجد نفسه فوق أحد أسطح البنايات القديمة و آغنيس جالسة بقربه محدّقة بالصّحراء الممتدّة إلى الأفق حيث تحوّلت السّماء إلى لون يمزج بين زرقة السّماء و صفرة الشّمس إضافة إلى لون قرمزيّ جميل بينهما يبعث على الارتياح ثمّ قالت دون أن تلتفت إليه :

-"أخيرا أفقت..لقد نمتَ لبقيّة اليوم..أظنّ أنّ هذا أمر طبيعي بالنّسبة إلى شخص استعمل هالته للمرّة الأولى."

فابتسم الفتى قائلا :

-"لكنّك غششتِ في النّهاية"

-"م-ما الذي تقوله ؟ أنا لم أضع أيّ قاعدة تنصّ على عدم استعمال قدراتنا ثمّ إنّ تلك الحركة كانت غير إراديّة." ثمّ أضافت ملتفتة إلى الأفق :

-"منظر جميل أليس كذلك ؟"

-"نعم..لكن انتظري لحظة..كيف وصلت هنا ؟"

-" بعد أن عالجت تلك الكدمة على جبهتك وضعتك فوق قطعة صخريّة ثمّ قذفتها في الهواء حتّى وصلت إلى سطح هذا البناء"

-"م..ماذا؟! "،صرخ الفتى ثمّ تمدّد على الأرض متنهّدا:

-"كيف للمرء أن يحاول مجارات كلّ هذا الجنون ؟"

-"نحن بشر في النّهاية..نحن هم الكائنات الوحيدة التي تستطيع أن تصاب بالجنون لذلك نحن الوحيدون الذين يستطيعون مجارات عجائب هذا العالم و محاولة فهمها...و الآن توقّف عن التّفكير في كلّ شيء و حاول أن تستمتع بهذا المنظر فقط.. لكي تصبح أقوى أنت لا تحتاج التّدريب و النّوم و الطّعام فقط..عليك أن تتعلّم كيفيّة التأمّل و تصفية عقلك كي تجعل حالتك العقليّة أقوى"

-"حسنا"

لم تمض لحظات من الصّمت حتّى سألها أحمد قائلا:

-"آغنيس..لم أصبحت (أبرادا) هكذا ؟ لم لا يوجد أحد هنا ؟"

-"أوه..يا الهي ألا تستطيع التوقّف عن طرح الأسئلة ؟" ثمّ اعتدلت في جلستها مضيفة: " أنت تعلم بأمر حرب الجفاف صحيح ؟"

-"أجل"

-"حسنا خلال تلك الحرب دافع الأبرديّون عن هذه الأرض حيث كانت تمتلك واحة لم تتأثّر بالجفاف حتّى الآن لكنّهم رحلوا عندما بدأت تجفّ بعد خمس سنوات من نهاية الحرب..أنا حقيقة لا ألومهم على ذلك كما أنّ بقيّة السّحرة لم يعودوا لزيارتها حتّى بعد عودة الواحة إلى خضرتها قبل عدّة سنوات مدّعين أنّهم يريدون تأسيس عاصمة سحرة جديدة..وفي النّهاية لم تبقى سوى عائلتي..مات جدّي و بعدها والداي و رحل أخي بعد وفاتهما بعامين ثمّ بقيت أنا هنا لوحدي. كنت في الخامسة من العمر عندما بدأت الحرب لذا لا أتذكّر جيّدا سنوات الازدهار الخاصّة بهذا المكان لكن لطالما أخبرني جدّي عنها عندما كانت أبرادا عاصمة السّحرة العظيمة."

-"إذا عمرك الآن هو 48  عاما !، قال أحمد بنبرة ساخرة، أنت عجوز يا آغنيس"

-"اخرس و إلّا أضفت كدمة أخرى على تلك الجبين" ثمّ لمعت في ذهنها ذكرى فقالت:" لقد تذكّرت الآن أمر تلك الدّائرة المرسومة على السّاحة التي سألتني عنها..لقد أخبرني جدّي أنّ الخيميائيين القدامى كانوا يستعملون دوائر التّحويل و هي رسومات تمكّنهم من تحرير أكبر قدر ممكن من طاقتهم لكن وحدهم الخيميائيّون من يستطيعون استعمال هذه الدّوائر كما أنّهم الوحيدون القادرون على استعمال أو فهم لغة القدماء."

-"هل لا يزال هناك خيميائيّون ؟"

-" لا لم يعد هناك أشخاص مثلهم منذ زمن بعيد جدّا..لكنّ جدّي قال في إحدى المرّات أنّ الخيميائيين موجودون و سيظهرون للعلن في يوم ما"

-"لقد لاحظت بتلك الدّائرة رموز العناصر لكن ما أثار اهتمامي هو تلك الرّموز الثلاثة المحيطة بهم"

-"أوه...نعم لقد قرأت عنهم في إحدى المرّات..." الجسم"، "الرّوح" و "النّفس"..إنّهم عناصر أسطوريّة قديمة يقال أنّها تمتلك قدرات عظيمة كما قيل أنّها من قامت بتشكيل العناصر الأربعة"

غابت الشّمس و بدأت نسمات اللّيل الباردة بالهبوب فوقفت آغنيس قائلة: "بعد العشاء لديك مهمّة أخرى قبل أن تنام"

قبل أن تنزل من الدّرج أضافت قائلة: "آسفة لكوني قاسية معك اليوم..لقد أحسنت عملا." تاركة الفتى في حالة تمزج بين التعجّب و الفرح من ذلك الكلام الغير متوقّع.

***

بعد العشاء المؤلّف من قطعة خبز و طبق حساء خضر وضعت آغنيس مجموعة من الكتب القديمة مع عدّة أوراق فارغة و محبرة أمام أحمد قائلة:

-" بداية من الغد سينقسم برنامج تدريبك إلى جلستين: جلسة نقوم فيها بالتّدرّب على التحكّم في تدفّق طاقتك مثلما فعلنا هذا الصّباح و جلسة تدوم بقيّة اليوم تقوم فيها بجمع المعرفة و القيام بالتّأمّل"

-"المعرفة و التّأمّل ؟"

-"نعم، بما أنّ عنصرك هو النّار عليك أن تدرسها جيّدا، عليك أن تعرف ماهيّتها، مكوّناتها، كيفيّة تفاعلها مع العالم إلخ..إلخ و هذه الكتب ستساعدك على ذلك."

-"أتقصدين أنّ معرفتي بالنّار ستساعدني على القدرة في التّحكّم بها ؟"

-"نعم كما سمعت و لا توجد اختصارات كالمرّة السّابقة لذا عليك فقط أن تدرس و تدرس فقط"

-"ماذا عن التأمّل ؟"

-"أوه..كدت أنسى ذلك..ما عنيته هو تصفية عقلك من الأفكار و القيام بتحرير هالتك ثمّ تغليف كامل جسدك بها محاولا جعل تدفّق الطّاقة متوازنا قدر الإمكان و لنجعل مدّة ذلك ساعة كبداية"

-"ساعة ؟ هذا سيقتلني !"

-"لا لن يفعل..عندما تنفذ منك الفيتاي ستشعر بالتّعب و ربّما تنام لكن المهمّ هو محاولتك للتّحكّم بتدفّقها و جعلها متوازنة  كي لا تنفذ منك بسرعة أثناء استعمالها"

-" ماذا عنكِ ؟ ماذا ستفعلين في الغد ؟"

-"سأذهب للمنطقة المجاورة لآتي ببعض المستلزمات ثمّ إلى بعض الصّيد"

-"هل قلتِ الصّيد للتّو ؟"

-"نعم ماذا كنت تتوقّع ؟ هل ستمطر السّماء علينا ببعض اللّحم ؟"

أغلقت الباب خلفها و بعد ثوان أعادت فتحه من جديد قائلة بوجه ممتقع: "المعرفة و التّأمّل فقط أسمعتني ؟ إن قمت بأيّ تجارب غريبة في غيابي فسأقتلك" ثمّ رحلت متمنّية للفتى ليلة سعيدة.

جلس أحمد متربّعا ثمّ حرّر هالته محاولا التحكّم في تدفّقها إلى أن تعب فنام على الفور.

***

-"إذا حجر الرّوح ظهر أخيرا ؟، قال (دايموند) بنبرة صوت شبيهة بضحك الضّباع راكعا أمام شخص جالس فوق عرش وسط الظّلام، هذا خبر رائع يا سيّدي"

-" لا تزال إشارته غير محدّدة بدقّة بعد، ردّ الشّخص بصوت عميق يبعث الرّعب في القلوب، خدمي أخبروني بأنّ إحداثيّات مكان حجر الرّوح ستصبح واضحة بعد شهر من الآن"

أطلق (دايموند) ضحكته الغريبة قائلا:

-" إذن اسمح لي يا سيّدي بأن أحصل على شرف جلبه إلى يديك"

-" لك ذلك"

شكره (دايموند) على منحه هذا الشّرف ثم غادر و قد لمعت عيناه و زادت ابتسامته اتساعا قائلا في نفسه: "أخيرا..لقد عدنا للّعبة من جديد بعد كلّ هذه السّنوات"

***

أفاق (أحمد) في اليوم التّالي دون أن توقظه آغنيس حيث رحلت قبل الفجر فقام بعد أن اغتسل بالجري حول المكان ثمّ ببعض تمارين الضغط و البطن و السّاقين. جلس في غرفته و بدأ بالقراءة و البحث بين الكتب ثمّ كتابة الملاحظات:

يتألّف هذا العالم من أربعة عناصر: المادّة، الطّاقة، الحيّز و الزّمن. تتواجد الطّاقة و المادّة في الحيّز و الزّمن. تستطيع الخيمياء بواسطة الفيتاي -طاقة الحياة الموجودة في كلّ كائن حيّ- تجميع و تنظيم كلّ هذه العناصر معا لتشكّل ما يريده المستعمل لكن يبقى كلّ ذلك متاحا وفق قانون التّعادل.

النّار هو نتاج تفاعل كيميائيّ بين الأكسجين و نوع من الوقود كالخشب على سبيل المثال في حالتنا هذه فانّ هالة المستعمل هي ما ستكون الوقود ليطلق الحرارة و الضّوء. للحصول على النّار يجب توفير مثلّث العناصر: الشّرارة، الوقود و عامل الأكسدة الذي يكون عادة الأكسجين.

يمتلك أصيل النّار مقاومة كليّة للنّار و في مراحل متقدّمة يمكنه حتّى أن يختار الأشياء أو الأشخاص المحيطين به ليجعلهم مقاومين كذلك و ذلك ضمن قطر معيّن، كما أنّه يستطيع إنشاء الشّرارة عبر احتكاك جلده بنفسه كفرقعة الأصابع على سبيل المثال أو بأيّ شيء آخر ذي طبيعة خشنة.

لمح أحمد رمزا شبيها بتلك الدّائرة التي على ساحة المعبد حيث كُتب تحته "حجر الفلاسفة"

ثم بدأ يقرأ :

حجر الفلاسفة هو مادّة أسطوريّة قديمة تمتلك قوى لانهائيّة أهمّها القدرة على جعل شاربها خالدا و تحويل أيّ معدن إلى ذهب حيث تكمن قدرتها في كسر قانون التّعادل. حجر الفلاسفة هو الهدف الأسمى لكلّ خيميائي حيث لم يستطع أحد الوصول إلى تركيبته لذلك بقي مجرّد أسطورة.

تعب الفتى من القراءة و كتابة الملاحظات فانتقل إلى التّأمّل. فجأة سمع صوت اهتزاز بالخزانة فانطلق لفتحها ليجد الهايلو يهتزّ في جيب معطفه. فور حمله بين يديه أضاء ثمّ أصدر صوت رجل عجوز يقول :

"السّاحر صاحب الشّيفرة 11x9f المسمّى في قائمة اتصالاتك بدانيال آينجل يتّصل بك هل تختار الإجابة أم الرّفض ؟"

فردّ الفتى دون تردّد:"الإجابة " ثمّ وضع الجهاز قرب أذنه ليسمع صوت صديقه دانيال قائلا:

-" أحمد..أحمد..هل تسمعني ؟"

-"داني!..نعم أنا أسمعك جيّدا..يسعدني سماع صوتك"

-"كيف حالك ؟ هل أنت بخير ؟ كيف حال عمّك ؟"

-"نعم نحن بأفضل حال..ماذا عنك ؟" ثمّ قال في نفسه: "لا يجب عليّ أن أخبره بكلّ ما حدث في الوقت الرّاهن"

-"هذا جيّد..أنا بخير..يا رجل كم مرّ على يوم تخرّجنا..لقد شعرت كأنّ سنة قد مرّت على ذلك اليوم"

-"نعم" أجابه الفتى قائلا في نفسه: "صدّقني أنت لا تحمل أدنى فكرة عن ذلك..لن أخبره بما حدث لعمّي سيجعل ذلك الأمر معقّدا أكثر ممّا هو عليه"

-"آيس..ما رأيك لو نلتقي أنا و أنت و البقيّة في مهرجان مدينة القمر الأزرق ؟"

-" ألم أخبرك أن لا تدعوني بهذا الاسم ؟ إنّه غريب"

-"آسف آسف..لكن أنت تعرف أنّ اسمك صعب النّطق بالنّسبة لي"

-" حسنا حسنا ماذا كنت تقول قبل قليل ؟  مهرجان مدينة القمر الأزرق ؟ متى ؟"

-"إنّه بعد شهر من هذا اليوم..ما رأيك ؟"

-"أ..أنا لا أعرف" بينما كان يصرخ في نفسه قائلا : "ستقتلني آغنيس إن علمت بهذا..ما الذي عليّ فعله ؟"

-"هيّا آيس..سيكون الأمر ممتعا..هل تعلم أنّ هذا المهرجان يأتي مرّة كلّ مائة سنة ؟ يُقال بأنّ القمر سيتحوّل إلى اللّون الّأزرق ليلة المهرجان..سيكون جميل جدّا. إنّها فرصة تأتي مرّة في العمر يا صديقي..هيّا أرجوك..ربّما سنجد سحرة مهمّين هناك كرؤساء النّقابات لعلّنا نستطيع اقتناص فرصة جيّدة لجمع النّقاط." ثمّ أضاف بنبرة صوت غريبة و مضحكة : "و ربّما سنجد بعض الفتيات الجميلات أيضا"

-"يا إلهي لطالما تعجّبت من هذا العيب الغريب في شخصيّتك"

-" أنظروا من يتحدّث..الولد الذي لا يتوقّف عن التّفكير في صمت و التّمتمة بطريقة مريبة..هه..نحن شباب يا رجل علينا أن نبدأ بمواعدة الفتيات "

-"اسمع..عليّ مراجعة بعض الأمور أوّلا ثمّ سأخبرك حسنا ؟"

-"حسنا إلى اللّقاء" ثمّ أقفل الخطّ

عاد أحمد إلى محاولة التّأمّل قائلا في نفسه: "عليّ أن أحاول إقناعها بفكرة ذهابي ليوم واحد رفقة أصدقائي" ثمّ تخيّل آغنيس في ذهنه و هي تقوم بالصّراخ في وجهه قائلة: "ماذا تقول أيّها الأحمق؟! عمّك أُختطف و نحن نحاول استرجاعه و أنت تقول لي بأنّك تريد الذّهاب إلى مهرجان سخيف ؟!" فزاد شعوره بالإحباط قائلا:"هذا مستحيل"

***

عادت آغنيس في المساء حاملة كيس البقالة، مغطّاة بمزيج من الدّماء الأرجوانيّة و اللّعاب و هي تقوم بسحب جثّة كائن شبيه بالغزال لكن بحجم أكبر منه بخمسة أضعاف على الأقلّ مع أربعة قرون على رأسه. لم تكلّم الفتى و انتقلت إلى الحمّام كي تغتسل بعد أن قامت بسلخ الحيوان و تقطيعه بسرعة و إتقان. بعدها ذهبت إلى طبخ العشاء حيث قامت بشيّ اللّحم و تحضير سلطة خضر.جلس الاثنان قبالة بعضهما و بدآ بالأكل.

"ما بال هذه المرأة ؟، قال الفتى في نفسه، لم هي ترتدي تلك النظّارات حتّى في اللّيل ؟"

-"هل قمت بما طلبته منك ؟"، سألت آغنيس أحمد دون الالتفات إليه منهمكة بتقطيع اللّحم إلى قطع أصغر.

-"نعم" ثمّ بدأ يسرد لها ما جمعه من ملاحظات ثمّ أخبرها بأنّه استطاع أن يوازن تدفّق هالته لمدّة ساعة مثل ما أرادت

-"جيّد..مع هذا المعدّل ربّما بإمكانك أن تنتقل إلى المرحلة التّالية في غضون أسبوعين على الأقلّ"

-"آ..آغنيس ؟"

-"أعلم نبرة الصّوت هذه..تكلّم ما الذي تريده ؟"

عندها بدأت شفتا الفتى بالتّراقص محاولا سرد قصّة اتّصال صديقه ثمّ أضاف و قد ارتجف جسده بالكامل:

-"ه-هل..هل يمكنني الذّهاب ؟ و أنا أعدكِ بأنّني سأقوم بعمل أضعاف التّدريب عندما أعود"

نظرت المرأة نحوه فشعر كأنّها تخترقه بنظراتها ثمّ أجابته قائلة:

-"حسنا.."

تفاجئ الفتى مقاطعا كلامها قائلا :

-"هل وافقت على ذلك للتّو ؟"

-"نعم..لكن بشرط واحد فقط "

-"ما هو ؟"

-"عليك إكمال ما تبقّى لك من أساسيّات التّدريب في التّوقيت المناسب"

-"كيف ؟"

-"أوّلا، عليك عند نهاية هذين الأسبوعين أن تستطيع أن توازن تدفّق طاقتك لمدّة ثلاث ساعات على الأقلّ"

-"ثلاث ساعات ! لكن هذا كثير"

-"ثانيا، عليك أن تنهي مرحلة المرحلة الثّانية و أخيرا عليّ اختبارك قبل أن تذهب.. هذا هو شرطي و لا يوجد نقاش حول تغيير شرطي. هل هذا مفهوم ؟"

لم يجد الفتى جوابا سوى الموافقة.

وقفت آغنيس حاملة صحنها قائلة : "إن أنهيت طعامك جهّز نفسك كي نبدأ التّدريب الآن..أنا أنتظرك عند السّاحة في الخارج"


جميع الحقوق محفوظة

لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.


الفصل السّابق

الفصل التّالي