هذا الفصل بعنوان:

وداعا هوكوشين 

في اليوم التّالي..

السّابع من أكتوبر...إنّه يوم التخرّج...

بعد ثلاث سنوات من العمل الجادّ سيتخرّج (أحمد ماجِيَرْ) من (هوكوشين) ليصبح ساحرا حقيقيّا مكملا أوّل مرحلة في طريق طويل نحو تحقيق حلمه...

صبيحة ذلك اليوم -و مثل كلّ صباح- اقتحم (زوربا) المبيت صارخا :

-" هيّا فلينهض الجميع! "

-"ما الذي تتحدّث عنه يا سيّدي ؟، قال أحد الفتيان، إنّه يوم التخرّج"

-" و ماذا في ذلك؟"

ظلّ الجميع صامتا محدّقا بوحش العضلات الذي أكمل قائلا:

-" لا يوجد يوم راحة لأجسام المحاربين"

ثمّ استدار نازعا قميصه عارضا عضلاته الضّخمة و قال:

-" ها أنظروا إلى هذه العضلات..ها..المحارب الحقيقيّ لا يرتاح إلاّ في قبره"

-" يا إلهي ها قد عدنا لنفس العرض اليومي الخاصّ ب(زوربا)، همس (دانيال) بنبرة يملؤها الملل، ألا يملّ هذا الرّجل من التّدريب و عرضه لعضلاته المقزّزة ؟"

فابتسم (أحمد) هامّا يتغيير ملابسه ثمّ التفت إلى الجميع قائلا:"هيّا يا جماعة..لنقم بتدريبنا الأخير...سيكون ممتعا"

خلال لحظات نهض الجميع دون شكوى تذكر ما عدى همهمة متناثرة...

***

عند العاشرة و في ساحة المدرسة -المسمّاة عادة بساحة القتال- انطلقت احتفالات يوم التخرّج...

جلس جميع الطلاّب في المرحلة الأولى و الثّانية -الذين سيصبحون بعد مدّة في المرحلة الثّانية و الثّالثة -بالمدرّجات بينما حُدّد مدرّج خاصّ بالمدرّسين و أعضاء الإدارة بينما يقوم متخرّجو كلّ شعبة بعرضهم الخاصّ.

شعبة العناكب قامت بعمل عروض المشي في الهواء و تحريك الأشياء عن بعد.

قام متخرّجو شعبة  الورق بعمل العديد من العروض أحدها عرض يطلب (أحمد) فيه من أحد الجماهير بمدرّج البالغين الذي قدّمت له علبة ورق لعب جديدة لم تفتح أبدا بأن يختار ورقة  بعد أن يخلط المجموعة جيّدا و أن لا يخبر أحدا بها ثمّ يقوم بقيّة زملائه من نفس الشّعبة  بإحضار لوحة عملاقة مغطاّة بلحاف ثمّ يقومون بنزعه عنها لتظهر على اللّوحة رسمة لنفس الورقة المختارة.

 قام أفراد شعبة الوهم بصنع وهم لوحوش مخيفة و مخلوقات أسطوريّة أحدها كان العنقاء...عندها تذكّر (أحمد) -الذي ظلّ واقفا عند أسفل المدرّجات ليشاهد بقيّة العروض- ذلك الحلم الغريب الذي راوده ثمّ التفت محدّقا في يده اليمنى التي لفّها بضمادة.

-"ما الذي حلّ بيدك ؟، قال له ولد ذو بنية ضعيفة، شعر أسود مدبّب كالأشواك غُطّي أغلبه بقبّعة سوداء مستديرة يلتفّ حولها شريط حريريّ قرمزيّ، وجه  نحيف ذو بشرة سمراء شاحبة، أبرز ما فيه هو تلك العينان ذات اللّون الأسود كأنّه يحمل داخلهما هاويتين لا تنتهيان و ابتسامة عملاقة تملأ ذلك الوجه، كما كان يرتدي عباءة تحمل نفس شعار شعبة (دانيال) لكن مع اختلاف بسيط حيث كانت خلفيّة الشعار تحمل رسما لدوّامة.

-"(مادوكا) !، أجابه (أحمد) مرحّبا به، أين ذهبت يا رجل ؟"

-"أنت تعرفني..أنا لا أحبّ الحفلات، أفضّل الجلوس وحيدا في الغابة مع الطّبيعة"

ثمّ أضاف محدّقا بيد (أحمد):

-" أنت لم تخبرني بعد ما الذي حلّ بيدك"

عندها وضع الفتى يده وراء ظهره قائلا:

-"أ..أنا..إنّه لاشيء..لقد جرحت يدي فقط"

-"لا تجبرني على معرفة الحقيقة بطريقتي"

-"لا أرجوك !،أجابه الفتى فزعا، إلاّ التنويم المغناطيسي"

عندها ابتسم (مادوكا) قائلا :

-" إن لم ترد إخباري فلا بأس"

ثمّ أضاف و قد تغيّرت نبرة صوته إلى فحيح مخيف مقرّبا وجهه من الفتى:

-"لكن اعلم جيّدا أنّني إن علمت أنّك تخفي مشكلة حدثت لك فسأجعلك تظنّ نفسك دجاجة إلى الأبد"

عندها أتى  (دانيال)  مهرولا و قاطع كلامهما قائلا :

-"(مادوكا)، ألن تأتي للقيام بعرض شعبتك ؟"

-"لا يا (دان)، أنا أفضّل الجلوس هنا"، أجابه (مادوكا)

-"أنتم المنوّمون غريبو الأطوار حقّا، لقد ذهب ثلاثة فقط من أصل عشرة للقيام بعرض شعبتهم" ثمّ أضاف متنهّدا: "آه..لو تمّ اختياري كي أصبح منوّما"

التّنويم

شعبة يتمّ اختيار أفرادها وفقا لعدّة متطلّبات دقيقة و نادرة أهمّها الموهبة لذلك عادة ما يكون أفرادها قليلي العدد مقارنة ببقيّة الشّعب.

-" فلتتوقّفا و دعونا نشاهد بقيّة العروض فقط"، قال (أحمد) لصديقيه.

-"حسنا حسنا..أنت تريد عرضا ؟ لك ذلك."، قال (مادوكا) ثمّ فرقع إصبعيه فأصبح جسد (دانيال) يرقص مقلّدا الدّجاج .

ضحك (مادوكا) و (أحمد) بينما ظلّ صديقهما يتوعّد بأنّه سيقتله.

***

عند اقتراب مغيب الشّمس انتهت العروض و ذهب المتخرّجون وحدهم إلى قاعة الطّعام الكبيرة حيث جلس الفتى و أصدقاءه الأربعة بجانب بعضهم...

وقف المدير (سميث) قائلا :

"أبنائي و بناتي،

اليوم كان يوما رائعا و اللّيلة ستكون رائعة أيضا...

بحفل العشاء هذا سنحتفل بتخرّج دفعة أخرى من مدرسة (هوكوشين)"

عندها ازداد التّصفيق ثمّ عاد الهدوء خلال دقائق.

"دفعة أخرى تحمل العديد من الأسماء التي سيلمع نجمها في عالم السّحر.

أعزّائي و عزيزاتي المتخرّجين الجدد...

أنا فخور بكلّ واحد منكم من كلّ قلبي. أعلم أنّ الطّريق كانت طويلة و صعبة لكنّكم كنتم أقوياء و اجتزتم كلّ العقبات. آمل أنّكم ستستعملون كلّ ما تعلّمتموه لصالح مجتمع السّحرة الذي أصبحتم الآن جزءا منه...و الآن سأترككم مع السيّدة (ريد) لتشرح لكم أمر رخصكم"

جلس السيّد (سميث) ثمّ وقفت السيّدة (ريد) قائلة :

"أشكر السيّد (سميث) على هذا الخطاب الجميل.

و الآن دعوني أبدأ بشرح الأمر بدون أيّ مقدّمات.

بعد ثلاث سنوات من العمل الشاقّ أصبحتم سحرة رسميين لذا يمكنني الآن أن أرحّب بكم في عالم السّحرة.

أوّلا، مثل أيّ مجتمع في هذا العالم. تحكم مجتمع السّحرة عدّة قوانين قد درستموها بالفعل و التي تجدونها في تلك الكتيّبات التي أمام كلّ واحد منكم على الطّاولة لذلك إن قمتم بأيّ عمل غير مسؤول و مخالف لهاته القوانين فإنّ محكمة السّحرة ستتولّى محاكمتكم.

ثانيا، ستحصلون بعد قليل على الرّخص الخاصّة بكم، هذه الرّخص كما تعلمون هي رخص لا تثبت هويّتكم فحسب بل تمكّنكم من الحصول على عدّة امتيازات باعتباركم أفرادا من هذا المجتمع لعلّ أبرزها قدرتكم على التمتّع بالسّفر السّريع في كامل أنحاء المملكة  بواسطة شبكة قطاراتنا تحت الأرض أمّا بقيّة الامتيازات ستجدونها في الكتيّبات.

ثالثا،عليكم أن تعلموا أنّ الرّخص التي ستحصلون عليها الآن ليست سوى رخص مؤقّتة فلا يزال لديكم اختبارا أخيرا سيرافقكم لبقيّة حياتكم..."

عندها انطلقت أصوات المتخرّجين في كلّ مكان كانت أغلبها حول استغرابهم لعدم العلم بكون الرّخص التي سيحصلون عليها ليست سوى رخص مؤقتة إضافة إلى أمر الاختبار.

فتدخّل بقيّة المدرّسين طالبين الهدوء ثمّ أكملت السيّدة (ريد) كلامها قائلة :

" أنا أطلب من حضرتكم الهدوء كي تستطيعوا فهم ما يحدث. أيّ أسئلة إضافيّة لديكم سأجيب عنها عند نهاية هذا الحفل.  

في عالم السّحرة توجد عدّة مستويات للسّحرة: المستوى D،C،B،A و S.

أنتم الآن كسحرة جدد ستكونون في المستوى D لذا ما عنيته بكونكم ستخوضون اختبارا أخيرا هو أنّكم إبتداءا من هذا العام ستحاولون الحصول على أكبر عدد من النّقاط التي ستمكّنكم من رفع مستوياتكم.

هذه النّقاط يمكنكم الحصول عليها من خلال العديد من المصادر كالعمل لدى نقابات السّحر أو القيام بالعروض بالمدن الكبيرة و ربّما حتى في العاصمة نفسها و غيرها الكثير من الأعمال.هذه النّقاط ستُسجّل داخل رخصكم. في نهاية هذا العام سيتمّ جمع هذه النّقاط لتحدّد مستوياتكم. و بالطّبع كلّ ما زاد المستوى زادت الامتيازات التي ستحصلون عليها.

سبب حصولكم في البداية على رخص مؤقّتة هو كون مستواكم سيتغيّر خلال هذا العام فلِم الحاجة لأن نمنحكم رخصكم ما دامت مستوياتكم ستتغيّر على الأرجح ؟ و بالتّالي ستعيدون رخصكم إلى مجلس السّحرة ليعاد تحديثها في كلّ مرّة."

"لكن ألن تتغيّر مستوياتنا في المستقبل البعيد ؟"، سأل أحدهم

"منذ نشأة قوانين هذا المجتمع، قليلون فقط هم من استطاعوا تغيير مستوياتهم بعد العام الأوّل فالمتعارف عليه هو كون العام الأوّل هو العام الوحيد الذي ستتغيّر فيه مستويات السّحرة فعليّا أمّا بقيّة الأعوام فستبقى المستويات كما هي لعقود على الأرجح.

و الآن رابعا، إضافة إلى الرّخص ستحصلون على أداة تدعى بال"هايلو"، هذه الأداة هي عبارة على قطعة بلّوريّة مستطيلة الشّكل شبيهة في تركيبتها ب"الأرشيف البلّوري" لكنّها أكثر تطوّرا فهي أوّلا أداة لتلقّي أخبار عالم السّحرة بطريقة أسرع من الجرائد و ثانيا، أداة تواصل حيث تمكّنكم من التّواصل مع أيّ ساحر طالما تمتلكون شيفرة تعريفه الموجودة في رخصته ثمّ ثالثا و أخيرا أداة بحث أكثر دقّة من الأرشيف البلّوري، هذا بالإضافة إلى العديد من قدراتها الأخرى التي لست مُخوّلة لشرحها لكنّكم ستكتشفونها عاجلا أم آجلا و لا تقلقوا ستتعلّمون كيفيّة استعماله بسرعة.

أخيرا أتمنّى لكم مستقبلا رائعا و دمتم فخرا لهذه المدرسة و مجتمع السّحرة"

-" هل سمعت ما قالته ؟"، همس (دانيال) ل(أحمد)

-" نعم، تلك الأداة تعمل مثل الهاتف لكن بدون أسلاك..لا يمكن للمرء أن يتوقّف عن الذّهول ممّا يحدث في مجتمع السّحرة."

-" مثل تلك الأدوات قد يصل سعرها إلى آلاف بل ربّما إلى ملايين الرّانيدات"

انطلق تصفيق عمّ المكان ثمّ بدأت مراسم التخرّج حيث بدأ المدير بتسمية كلّ متخرّج ليصعد إلى المنصّة ثمّ يقوم بإعطائه صندوقا به رخصته و "هايلو" خاصّ به.

بعد الانتهاء من تسليم الصّناديق إلى أصحابها عمّت همهمة في المكان بأكمله أغلبها يقول شيئا واحدا : "هناك من حصل على المستوى C" و بالفعل كان الأمر حقيقيّا فلقد حصل عدّة متخرّجين على ذلك المستوى ممّا أثار استغراب الجميع فمن المفترض أن يحصل الجميع على رخصة من المستوى D.

عندها تدخّل السيّد (لي) قائلا:

" أرجو منكم بعض الهدوء كي أستطيع شرح ما حصل لكم.

كلّ عام يقوم عدّة أساتذة بمنح نقاط لأفضل سحرة متخرّجين لما أظهروه من تفان خلال فترة تدريبهم لكن و لأوّل مرّة وصل مجموع نقاطهم إلى مجموع جعل مستواهم يرتفع إلى المستوى C فللانتقال من المستوى D إلى المستوى  C يجب على السّاحر امتلاك 100 نقطة. ستجدون ذلك مدوّنا في الكتيّبات التي بين أيديكم."

عندما فتح (أحمد) صندوقه و كانت المفاجأة غير متوقّعة. نعم، لقد كان من اللّذين حصلوا على المستوى C.

وقفت السيّدة (ريد) ثمّ قالت :

" أرجو منكم الهدوء قليلا..من حصل على المستوى C فليقف الآن."

وقف عشرة سحرة من بينهم (أحمد) الذي لم يستطع التوقّف عن الارتجاف، غير قادر على الكلام بينما انطلق أصدقاءه مصفّقين له...

من بين السّحرة العشرة خرج ولد من الطّاولة و تقدّم نحو الفتى بخطوات بطيئة و أعين غاضبة.

كان ولدا فضيّ الشّعر، متوسّط القامة و البنية، ذو وجه نحيف و عينين شبيهتين بعيني أفعى. كان يمتلك شعار شعبة الورق.

قال الولد مشيرا بسبّابته نحو (أحمد) :

"سيّدتي نائبة المدير و الأستاذ (لي) مع كامل احترامي..أنا أعارض حصول عديم-الفيتاي هذا على المستوى C. كيف لشخص لا يمكنه استعمال الفيتاي أن يحصل على هذه النّقاط ؟  بل كيف له أن يكون ساحرا حتّى ؟ هيّا أجيبوني الآن ؟!"

ظلّ )أحمد( صامتا دون أن يردّ على ذلك الولد المتعجرف..في الحقيقة، لم يردّ عليه طيلة الثّلاث سنوات الفارطة ، رغم كلّ الإهانات التي تلقّاها ليس لأنّه يخشاه بل لأنّه يعرف أنّ جداله لن يفيد بأيّ شيء.

"و ماذا في ذلك ؟، تدخّل (دانيال) بنبرة غاضبة واقفا ثمّ وقفت (رايلين) مضيفة : "كونك ساحرا لا يتعلّق أبدا بامتلاكك (الفيتاي) أو لا ."

" بماذا يتعلّق إذا أيّتها الغجريّة ؟"، ردّ عليها الولد.

خلال لحظات بدأت تظهر هالتها القرمزيّة ثمّ قالت الفتاة بغضب شديد: "ماذا تقول يا هذا ؟".

فجأة وقف المدير (سميث) و قد عمّت أجواء مظلمة المكان في لمح البصر صارخا : "صمتا !"

كانت تلك المرّة الأولى التي يرى فيها (أحمد) و أصدقاءه المدير و هو في تلك الحالة المخيفة كأنّ غضبه تحوّل إلى هالة مظلمة عمّت المكان و اخترقت جسد من أجساد الحاضرين.

أكمل المدير قائلا:

"سيّد (نايثان سيغارد) .

كونك شخصا حاملا لدماء واحد من (الثّمانية) لا يجعلك مخوّلا لأن تحكم على السيّد (ماجير) بكونه يستحقّ مرتبته أو لا..لذا كلّ هذه البلبلة التي قمتَ بها لا طائل منها. أرجو منك العودة إلى مكانك."

عاد (نايثان) إلى مكانه في غضب ضربا سطح الطّاولة في غضب و عادت الأجواء إلى ما كانت عليه تدريجيّا بعد جلوس المدير ثمّ قامت السيّدة (ريد) بكسر حاجز الصّمت قائلة :

" أتمنّى من كلّ السّحرة ذوي المستوى C مزيدا من التألّق في المستقبل كما أريد إخبار بقيّتكم أنّكم لا تزالون سوى في بداياتكم..دعونا نكمل الآن هذا الحفل و ليبدأ العشاء"

عندها دخل العديد من الخدم حاملين بين أيديهم العديد من الأطباق زكيّة الرّائحة.

أكمل السّحرة المتخرّجون حفل تخرّجهم ثمّ خلدوا إلى النّوم مستعدّين لأوّل صباح لهم كسحرة رسميين.

***

في تمام السّابعة صباحا، كان كلّ السّحرة المتخرّجين واقفين بمحطّة القطار الخاصّة ب)هوكوشين( الواقعة تحت الأرض، حاملين لحقائبهم استعدادا للعودة إلى منازلهم بعد غياب دام لثلاث سنوات كاملة.

-"إذا يا (أحمد) أنت لم تخبرني عن مخطّطاتك المستقبليّة، قال (دانيال)، "هل ستنضمّ إلى نقابة ما أم ستقوم بعروض صغيرة في المسارح أم ستعمل مساعدا لأحد السّحرة الكبار ؟"

-"لقد أخبرتك أنّني لا أعرف حتّى الآن، أجابه (أحمد)، لكن لا تقلق لا يزال بإمكاننا التّواصل بواسطة (الهايلو)"

-"أنا أيضا لا زلت لا أعلم"

-"المهمّ الآن هو عودتنا إلى منازلنا"

-"معك حقّ"

-"أوي أوي يا جماعة، تدخّل (مادوكا)، كفانا حديثا عن المستقبل.نحن نعيش بالحاضر"

-"معه حقّ"، قالت (رايلين).

-"آه..أخيرا، تنهّد (دانيال)، بعد ثلاث سنوات من الغياب سنعود إلى الدّيار."

-"نعم، بعد كلّ هذا التّراسل بالبريد سنلتقي بعائلاتنا"، أضافت (رايلين).

بينما كان الأولاد يتحدّثون إذ بظلّ جبل يظهر فوقهم و تحديدا فوق (دانيال) الذي استغرب قائلا :

-"ماذا ؟ ما الذي يحدث ؟ أنا أحسّ بقطرات ماء فوق رأسي. ترى هل هناك تسرّب في مكان ما ؟"

التفت على حين غرّة فإذ به يجد (زوربا) واقفا وراءه و قد بدأت دموعه تنهمر كالشّلاّل مصدرا صوتا شبيها بصراخ الدّببة.

-"يا إلهي ما بالك يا سيّدي ؟"، سأله (دانيال) متعجّبا من ذلك المشهد الغريب.

حاول (زوربا) التقاط أنفاسه و مسح دموعه ثمّ قال بذلك الصّوت المخيف :

-"أنا..سأشتاق إليكم كثيرا أيّتها الحشرات الصّغيرة"

ثمّ قام باحتضان (أحمد) و (دانيال) و (مادوكا) مرّة واحدة بكلتا ذراعيه الضّخمتين.

-"سيّدي أنت تخنقنا"، قال الفتيان الثّلاثة

بعد أن قام (دانيال) و (مادوكا)  و الفتاتان بأخذ (زوربا) بعيدا كي يستريح و يخفّفوا عنه  أتى (لي) إلى (أحمد) فتصافحا ثمّ ذهبا للجلوس على إحدى المقاعد.

-"هذه هي النّهاية إذا "، قال (لي).

-"لا تقلق إنّها البداية فقط"، أجابه (أحمد).

-"معك حقّ"

-"في الحقيقة تذكّرت الآن سؤالا كنت سأسألك إيّاه منذ مدّة"

-"ما هو ؟"

-"منذ ثلاث سنوات و عندما كنت أبحث عن مدرسة لتعليمي السّحر حدث معي أمر غريب..."

عندها قام الفتى بإخباره بأمر (الشيء الأسود) بينما كان (لي)  يستمع إليه غير مصدّق لأذنيه ثمّ سأله  قائلا :

-"إذا هل ذلك الشيء تابع إلى مجتمع السّحرة أم لا ؟"

-"صدّقني أنا لا أعلم شيئا عن هذا الأمر فالمتعارف عليه هو بحثنا السّنوي عن سحرة جدد عبر موظّفين تابعين لمنظّمة السّحرة ندعوهم ب"الكاشفون" حيث يراقبون و يبحثون بكامل أنحاء المملكة عن أصحاب المواهب ثمّ تقوم إدارة (هوكوشين) ببعث دعوات الانتساب عبر نظام بريدنا الخاصّ و ليس عبر وحش أسود قادر على إبطاء الوقت أو ما شابه."

قدم القطار و توقّف مطلقا صفّارته، معلنا وصوله ثمّ فتح أبوابه.

"أووووي ! (أحمد) هيّا لنذهب"، صرخ (دانيال) هامّا بالصّعود إلى القطار.

وقف الفتى مصافحا (لي) ثمّ قال حاملا حقيبته :

-"حان وقت الوداع..معلّمي"

وقف المعلّم مصافحا تلميذه ثمّ احتضنه واضعا بطاقة لعب في جيب (أحمد) قائلا:

-"الوداع، بنيّ" ثمّ همس في أذنه قائلا: "لا تقلق سأبحث في هذا الأمر جيّدا، لقد وضعت في جيبك ورقة لعب كتبت علي ظهرها شيفرة رخصتي إن وجدت شيئا سأتّصل بك و أنت إن حصل لك أيّ شيء من هذا النّوع أو إن احتجت مساعدتي فيمكنك الاتصال بي على الفور و في أيّ وقت تريده"

-"شكرا"

ركب (أحمد) القطار جالسا بجانب النّافذة رفقة أصدقائه مخرجا من جيبه مفتاحا قديما بُعث له بالبريد من قبل عمّه قبل مدّة قصيرة حيث قال له بأنّ عليه أن  يذهب إلى مكان ما أوّلا قبل العودة إلى المنزل..مكان أراد أن يحذفه تماما من ذاكرته..مكان يحمل عاصفة من الذّكريات الحزينة.

جميع الحقوق محفوظة

لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.


الفصل السابق

الفصل التالي