هذا الفصل بعنوان:
عيد ميلاد سعيد !
حلّت الخامسة المساء على مدرسة (هوكوشين) و بدأت الشّمس تنزل من كبد السّماء معلنة نهاية اليوم الدّراسيّ.
"من هنا..من هنا، قال السيّد (لي) لطلاّب مدرسة (هوكوشين) الجدد وهم يعبرون ممرّا شبه مظلم ، لقد أريتكم قلعة (هوكوشين) بكلّ غرفها و ممرّاتها لكنّني احتفظت بالأفضل للنّهاية" ثمّ ابتسم بعد أن وصلوا إلى ساحة عملاقة محميّة بشبكة حديديّة تغطّي المكان بأكمله على شكل قبّة كما تحيط بها مدرّجات محميّة بحاجز شفّاف من البلّور و قال بحماس : " أهلا بكم في ساحة القتال".
"ماذا..هل قال ساحة القتال ؟" همهم أحد الطلّاب.
"نعم كما سمعتم، ردّ (لي)، بما أنّكم كسحرة مستقبليين ستواجهون بعض المصاعب أثناء تأدية أعمالكم قرّر مجلس إدارة منظّمة السّحرة منذ تأسيس هذه المدرسة عمل مادّة الدّفاع عن النّفس في برنامج تدريبكم."
"أنظروا..هناك !"، صرخ أحد الأولاد مشيرا إلى جانب الساّحة الأيسر حيث تقف هناك فتاة قصيرة نسبيّا قرب برج صغير بقمّته علم أحمر. كانت ذات شعر بنيّ قصير، بشرة بيضاء كالثّلج و وجه جميل. كانت ترتدي عباءة سوداء تحمل شعار المدرسة و شعارا لشبكة عنكبوت، إضافة إلى نظّارات مستطيلة تخفي عينيها ذات لون أصفر ذهبيّ و قفّازات سوداء.
في تلك اللّحظة التي أشار فيها الولد كانت عشرات أوراق اللّعب تنطلق نحوها بسرعة هائلة. عندها ظهرت هالة زرقاء حول تلك الفتاة و وجّهت قبضتيها نحو ذلك الوابل فانطلقت عشرات الأمتار من الخيوط الرّقيقة الشّفّافة من منافذ بقفازاتها لتخترق تلك الأوراق و تمسكها موقفة الهجوم بلمح البصر.
"وااااااااااااا !" صرخ كلّ الأولاد في آن واحد.
قفّازات فيليب: هي قفّازات تحمل في داخلها بكرة من خيوط "فيل" ذات الطّبيعة الشفّافة و القادرة على تحمّل أوزان هائلة. هذه الخيوط يتمّ إطلاقها عبر ثلاث منافذ موجودة على ظهر كلّ قفّاز و يتمّ تفعيل الإطلاق بواسطة زرّ موجود على جانب كلّ سبّابة حيث يتمّ الضّغط عليه بواسطة الإبهام.
"ما الذي يحدث يا سيّدي ؟"، قال أحد الأولاد في حماس.
"تلك الفتاة تدعى إميلي روبينز و هي طالبة تنتمي إلى شعبة العناكب في سنتها الأخيرة، أجابه (لي)، ما ترونه الآن هو عبارة عن تدريب على شكل لعبة تسمّى الهجوم على العلم و هي تقوم على منافسة بين فريقين للحصول على علم الفريق الآخر"
العناكب
شعبة تختصّ في حيل التّحريك عن بعد باستخدام خيوط غير مرئيّة
"إم ! أحسنت !"، صرخت فتاة واقفة بعيدا أمام (إميلي). كانت متوسّطة الطّول و نحيفة بعض الشّيء، ذات شعر أحمر طويل قامت بجعله على شكل ضفيرة وعينين كبيرتين ذات لون أخضر ينبض بالحياة زادت من وجهها الأسمر جمالا كما كانت ترتدي عباءة سوداء كذلك لكنّ شعار شعبتها كان مختلفا. كان يحمل صورة لأوراق لعب بدل شبكة العنكبوت كما كانت ترتدي حقيبتين صغيرتين موضوعتين حول جانبي خاصرتها بواسطة حزامين جلديّين متقاطعين.
"ش-شكرا لك، (راي) !" أجابتها (إميلي) بصوت رقيق.
"و الآن حان الوقت لنردّ لهم الهجوم و نفوز ! "، ردّت الفتاة ذات الضفيرة الحمراء.
"أمّا تلك الفتاة أيّها الأولاد فهي تلميذتي الرّائعة (رايلين البايض) و هي كذلك طالبة في سنتها الأخيرة من شعبة (الورق)"، قال (لي).
الورق
شعبة تختصّ في حيل ورق اللّعب
اندفعت (رايلين) بسرعة هائلة بينما ظهرت هالة قرمزيّة حول جسدها مخرجة من كلّ حقيبة ورقة لعب و فجأة اندفع دخاّن رماديّ كثيف عمّ نصف السّاحة تماما.
"أتظنّين أنّك ستستطيعين هزيمتنا يا ذات الشعر الغريب !"، قال ولد ما وسط ذلك الدّخان.
"أنظروا من يتحدّث، ردّت (رايلين) بصوت ساخر، أ تتفاخر بخدعة ليست ملكك يا ماجير ؟"
عندها اندفع (أحمد) من الدّخان مرتديا عباءة مطابقة لعباءة (رايلين) و على وجهه ابتسامة قائلا: " و ماذا في ذلك ؟ تلك الخدعة ملك لصديقي و لهذا لي الحقّ بأن أتفاخر بها كذلك"
كان (أحمد) قد تغيّر قليلا حيث انتشرت شعيرات سوداء على مناطق بلحيته كما نمى له شارب خفيف أسفل أنفه. ازداد طولا و حجما نتيجة تدريب (زوربا) القاسي كما ازداد صوته خشونة.
أطلقت (رايلين) بطاقتي اللّعب بسرعة هائلة نحو (أحمد) لكنّه اختفى بلمح البصر و ظهرت مكانه عشرات النسخ منه.
"هاااا..ما الذي يحدث ؟"، صرخت (رايلين).
فضحكت النسخ جميعا في وقت واحد قائلة:" إنّها خدعة (داني) الجديدة، ماذا هل أنت خائفة ؟ هيّا فلتعثري عليّ."
"من قال أنّني خائفة يا هذا "، ردّت عليه مطلقة العشرات من البطاقات نحو جميع النّسخ فانفجرت في آن واحد جاعلة جميع النّسخ تختفي ماعدا نسخة واحدة كانت قد أخرجت مسدّسا طويلا فضيّا ذو فوّهة نحيفة و مستطيلة، نُقش عليه شعار (هوكوشين) مع توقيع ما.
أطلق الفتى بواسطة المسدّس الفضّي ورقة لعب اندفعت نحو ورقة (رايلين) فحصل الانفجار قبل الوصول إلى (أحمد).
"أظنّني وجدت الأصليّ أليس ذلك ؟، قالت (رايلين) ساخرة، أنا أيضا لي خدعي الخاصّة يا هذا"
"أمّا ذلك الولد صاحب المسدّس الفضّي فهو تلميذي (أحمد ماجير) و هو من نفس شعبة (رايلين)"، قال (لي) للأولاد الذين لم يستطيعوا إغلاق أفواههم من الدّهشة ثمّ أضاف قائلا في نفسه: "لا أصدّق أنّ ثلاث سنوات قد مرّت على انضمام هؤلاء الأولاد إلى (هوكوشين)"
"أووووي !"، صرخ (دانيال) -الذي كان يرتدي عباءة سوداء ذات شعار يحمل صورة نجوم صغيرة مجتمعة معا و حقيبة رماديّة مشدودة عند خاصرته من الجهة اليمنى بواسطة حزام جلديّ أسود- من أعلى برج العلم الأحمر الخاصّ بالفتاتين حاملا العلم في يده ثمّ أضاف مبتسما: "لقد انتهت اللعبة أيّتها الفتاتان". لقد تغيّر هو أيضا حيث ازداد طولا لكنّه ظلّ ضعيف البنية.
"أمّا ذلك الأشقر فهو (دانيال آينجل) من شعبة (الوهم) "، قال )لي( الذي تفاجئ من صراخ الأولاد عند فوز فريق (أحمد) و (دانيال).
الوهم
شعبة تختصّ في حيل صنع الوهم
-"سيّدي ما الذي حدث ؟، سألت فتاة -تميّزت بشعرها البنفسجيّ المصفّف على شكل ذيل حصان و نظّارات ذات عدسات سميكة- من بين حشد الطلّاب الجدد، كيف وصل الولد الأشقر إلى هناك ؟"
-"حسنا أنا لست مختصّا في صنع الوهم لكنّني أظنّ أنّ (دانيال) استطاع وسط كل ذلك الدّخان إخفاء نفسه ثمّ تسلّل إلى هناك جاعلا (أحمد) مصدر إلهاء للفتاتين"
-"و هل كان (أحمد) هو من استطاع صنع نسخ من نفسه ؟"
-"لا لم يكن (أحمد)، من المرجّح أنّه كان (دانيال)، إنّه صانع وهم موهوب أليس كذلك ؟"
-"أجل"
"في الحقيقة جميعهم موهوبون، قال (لي) في نفسه، سيصبحون سحرة رائعين في المستقبل"
-"سيّدي..لِمَ لَمْ يتأذّى أيّ أحد منهم ؟"، سألت الفتاة مرّة أخرى.
-"إنّ عباءاتهم تمتلك مجال طاقة دفاعيّ تجعل مرتديها محميّا من أقوى الصّدمات..و حتّى إن أصيب أحدهم فلدينا الطّبيبة (كاثرين)"
في قلب ساحة القتال اجتمع كلا الفريقان.
-"لقد فزنا عليكم أيّها الفتاتان"، قال (أحمد) ضاحكا.
-"لو لم يكن معك (دانيال) لما فزتم"، ردّت (رايلين) بصوت غاضب
-"أنظروا من يتحدّث ! لو طال القتال قليلا لنفدت ذخيرتك من أوراق اللّعب "
-"ماذا ؟"، صرخت (رايلين) غاضبة ثمّ اقتربت من (أحمد) و حدّقت في وجهه مكملة : "ماذا تقول يا شبيه القرد ؟"
-"أنا أقول أنّك مبذّرة ذخائر يا شعر الجزر"
عندها ازدادت المشاحنات فتدخّل (دانيال) قائلا : "هيّا..أرجوكما يا صديقاي فلتتوقّفا "
"ن-نعم أ-أرجوكما فلتتوقّفا"، أضافت (إميلي).
فالتفّ كلّ من (أحمد) و (رايلين) إليهما قائلين في نفس الوقت :" لا تتدخّلا ! "
قفز (لي) في الهواء حاطّا بقربهم ثمّ قال بحزم:" أنتما ! فلتتوقّفا أيّها الولدان..كلاكما كان رائعا..فلتعتذرا من بعضكما الآن"
فردّ كلاهما في آن واحد: "سيّدي..لكن.."
" لقد أمرتكما بأن تعتذرا ! و إلّا.."، قال (لي) بصوت مخيف.
"حسنا..آ..لقد..كانت حركتك رائعة هناك"، قال (أحمد) بصوت خافت و هو ينظر نحو الأرض.
"أأ.أنت أيضا كنت جيّدا"، ردّت (رايلين) مثله ملتفتة نحو الأولاد الجدد و قد تورّدت وجنتاها.
"حسنا..لقد تأخّر الوقت بالفعل و أنتم الوحيدون الذين لا يزالون يتدرّبون هنا، فلتذهبوا لتغيير ملابسكم و لترتاحوا قليلا، قال )لي( مربّتا على كتف كلّ منهما، و لتتوقفا عن الشجار يا عصفوري الحبّ ".
"لسنا كذلك !"، صرخ (أحمد) و (رايلين) تلقائيّا في وقت واحد ثمّ أضافا معتذرين من أستاذهما.
ابتسم (لي) ثمّ أضاف ملتفتا إلى الطلاّب الجدد الذين لم يستطيعوا التوقّف عن التحديق بزملائهم الأكبر سنّا: "و الآن أيّها الصّغار لنعد إلى قاعة الدّرس "
***
من عادات (أحمد) جلوسه لوحده بعد العشاء فوق سطح المبيت. هناك يجلس محدّقا في السّماء فحسب...
فجأة نهض الفتى على الفور إثر سماعه لصوت السيّد (لي) :
-"أهلا ! "
-"أستاذي..لقد أفزعتني"
-"أوه آسف..آسف"، قال (لي) هامّا بالجلوس بقرب (أحمد).
-"أتعلم أنّ ظهورك المفاجئ مخيف في كلّ مرّة ؟ ألا يمكنك استعمال السّلالم يا معلّمي ؟"
-"لقد أخبرتك أنّي آسف..دعني أستمتع معك بمنظر السّماء هذه اللّيلة."
ظلّ الفتى و المعلّم صامتين لدقائق و هما يحدّقان في السّماء قبل أن يعاود المعلّم الحديث قائلا:
-"إذا...لقد مرّت ثلاث سنوات منذ مجيئك إلى هنا"
-"نعم"
-"هل قررت ماذا ستفعل بعد التخرّج ؟"
-"في الحقيقة لم أقرّر بعد..أريد العودة إلى منزلي أوّلا"
-"جيّد..جيّد"
نظر (لي) إلى (أحمد) للحظات بعينين يملؤهما العطف ثمّ صفعه على ظهره بقوّة فصرخ الفتى من الألم قائلا :
-" معلّمي ؟! ما الذي تفعله ؟ "
-"لا شيء لا شيء أنا فقط..."
-"هذا مؤلم"
تغيّرت ملامح (لي) إلى ملامح تجمع بين الحزن و الألم قائلا:
-"هل تذكر حصّتكم الأولى في محاولة التحكّم في (الفيتاي) ؟"
-"نعم"، أجابه (أحمد) بعد أن زفر زفرة يملؤها التّعب و الخيبة ثم أضاف :
-"كان الأمر مريعا"
-"نعم لقد كان كذلك"، قال (لي) ضاحكا ثم قال بصوت به بعض الجديّة :
-"الفيتاي طاقة الحياة الموجودة في كلّ كائن حيّ و التي اكتشف السّحرة الأوائل في )أبرادا( كيفيّة استعمالها لصالحهم لجعل حيلهم أقوى"
-"نعم"
-"وقتها لم يستطع أحد تقبّل حقيقة أنّك لم تستطع التحكّم بها"
-"في تلك الحصّة كان المعلّمون يقومون بإطلاق طاقتهم الخاصّة نحو أجسادنا لكي تستفيق الطاقة الخاصّة بنا فظهرت هالات الطّاقة الخاصّة بالجميع ما عداي أنا فقط"
-"ماذا أخبرك الفريق الطبّي ؟ ألم تجد (كاثرين) أيّ شيء حتّى الآن ؟"
-"لا لقد أخبرتني بأنّ هناك أمرا غامضا في خلاياي يجعلها لا تستطيع إنتاج الفيتاي لذا..."
-"لكنّك لم تستسلم "، قاطعه واضعا يده على كتف الفتى،"بينما كان الجميع يعزّزون خدعهم ب(الفيتاي) أنت تعلّمت إستراتيجيّات و درّبت جسدك جيّدا و هذا ما يجعلك ساحرا حقيقيّا و أفضلهم حتّى..إضافة إلى أداتك تلك آ..آ ماذا كان اسمها ؟"
-"(الجناح الفضّي)"
-"نعم هذا هو..إنّه مسدّس رائع"
-"إنّه ليس مسدّسا إنّه مطلق أوراق لعب"
-"لكنّه يبدو مثل المسدّس تماما"
-"نعم أعلم ذلك لقد تناقشت أنا و (دانيال) حول تغيير التصميم مئات المرّات لكنّ كلّ ذلك النّقاش ينتهي بأن لا نجد أيّ تصميما أفضل من الأصليّ"
-"أظنّ أنّ بعض الأشياء لا يمكن لنا تغييرها كأنّ لها قدرها الخاص"
-"أجل"
-"لكنّ فكرة تعاونكما رفقة فريق التّطوير لصنع شيء مثل ذلك أمر مذهل بحق"
-"حقيقة أنا لم أكن متشجّعا في البداية لفعل ذلك لولا (دانيال)"
-"ذلك الفتى صديق حقيقي كما أنّه عبقريّ بحقّ"
-"أجل"
الجناح الفضّي : أداة تمّ تصميمها بواسطة (أحمد) و (دانيال) و تصنيعها بواسطة فريق التطوير التّابع لمنظّمة السّحرة. تقوم هذه الأداة على إطلاق بطاقات اللّعب (بطريقة شبه أوتوماتيكيّة) عبر الهواء المضغوط بسرعة تتجاوز السّتّين كيلومتر في السّاعة.
تتكوّن هذه الأداة من مخزنين : مخزن يوجد في الأسفل يحتوي على ثلاث أنابيب صغيرة بها هواء مضغوط و مخزن يوجد في الجانب الخلفيّ يحتوي على مكان لأكثر من خمسين بطاقة (الفاي).
-"أوه حسنا، قال (لي) و هو يقف نافضا الغبار عن سرواله، لقد حان موعد نومي فكما تعلم لدينا يوم كبير غدا لذا ليلة سعيدة"
-"معلّمي..أ يمكنني أن أطلب منك صنيعا أخيرا"
- "نعم..ماذا تريد ؟"
- "حسنا..أنا أريد تدريبا أخيرا"
- "لكنّنا تدرّبنا بما فيه الكفاية"
- "أعلم ذلك لكن.."
- "حسنا..حسنا..لا تبدأ بالبكاء"
- " ماذا؟ أنا..أبكي ؟ مستحيل"
-" دعنا ننهي هذا سريعا فلقد اقترب موعد نومي"
وقف كلاهما ثمّ بدأ (لي) بتسديد ضربات سريعة نحو (أحمد) الذي استطاع صدّها جميعا.
-"جيّد..جيّد أحسنت يا (أحمد)..كن كالماء..راقب تدفّق الطّاقة و اجعله دائما يعمل لصالحك"
-" حاضر"
-" ماذا ؟ أستظلّ تدافع فقط ؟ هيّا هاجمني !"
في اللّحظة التي صدّ فيها الفتى ضربة معلّمه انطلقت ضربة من العدم مصيبة خدّ )أحمد( جاعلة إيّاه يتراجع إلى الوراء.
-" ماذا علّمتك يا (أحمد) ؟ ألم أخبرك بأن تسرع إلى الهجوم قبل أن يستطيع عدوّك فهم نمط دفاعك و اختراقه ؟ "
-"نعم..لكن عليّ الاعتراف بأنّني لم أستطع و لو لمرّة واحدة تجنّب ذلك النّوع من الضّربات..كأنّها تأتي من شخص آخر"
-" المهمّ هو.."
-" أن نتأقلم دائما مع الوضع مثل الماء..لقد أخبرتني بهذه القاعدة ألف مرّة يا معلّم"
-" و هل تنكر صحّتها ؟ إنّها.."
قبل أن يستطيع إكمال كلامه وجّه (أحمد) ضربة نحو ذراع (لي) ليصدّها على الفور ثمّ انطلقت ضربة أخرى متّجهة نحو وجهه لكنّه صدّها في اللّحظة الأخيرة بعد أن اختلّ توازنه و كاد يسقط من على السّطح لو لم يمسكه (أحمد).
-" لقد كان هذا وشيكا"، ردّ (لي) ضاحكا
-" أنت أخبرتني بأن أتأقلم و أسرع بالهجوم..."
و قبل أن يكمل الفتى كلامه وجد نفسه ممدّدا على الأرض جرّاء ركلة خفيفة من قبل (لي) الذي ضحك قائلا:
-" كما أنّني أخبرتك بأن تبقى يقضا على الدّوام و أن لا تنتصر باكرا"
-" عُلِمَ و فُهِم..معلّمي"، ردّ الفتى ضاحكا.
وقف (أحمد) و (لي) مقابلين بعضهما ثمّ تصافحا مبتسمين. بعدها قفز المعلّم في الهواء من السّطح ليحطّ بهدوء على الأرض فصرخ الفتى قائلا:
-" ألا يمكنك استعمال السّلالم و لو لمرّة واحدة"
فأجابه بنبرة ضاحكة مكملا مسيره دون الالتفات خلفه :
-"آسف..آسف..سأفعل ذلك في المرّة القادمة"
"لكن..ليس هناك مرّة قادمة"، ردّ (أحمد) قائلا في نفسه.
***
لم تمضي لحظات على تمدّد (أحمد) واضعا كفّي يده خلف رأسه حتّى انطلقت موجة طاقة زرقاء صادرة من برج الجرس عامّة كلّ الجزيرة فنهض الفتى فزعا إثر إحساسه بشعور غريب لم يختبر مثله من قبل.
" ما كان ذلك ؟، قال (أحمد) في نفسه محدّقا في كلّ شيء حوله، ما هذا الشّعور الغريب ؟ كأنّ شيئا باردا قد اخترق جسدي و ..."
لكن قبل أن يكمل تسلسل أفكاره ظهر (دانيال) قائلا :
-"ها قد وجدتك أخيرا..لقد علمت أنّك هنا "
-"يا إلهي ألا يمكن للمرء الجلوس لوحده لخمس دقائق ؟"
-"ما الذي تتحدّث عنه ؟ هيّا تعال..تعال أنا أحتاجك في شيء ما"
-"حسنا..اسبقني و أنا سأكون خلفك"
-"حسنا هيّا بسرعة"
***
"ماذا الآن ؟ إلى أين نحن ذاهبون ؟" سأل (أحمد) صديقه الذي كان يماطله قائلا :"سنصل قريبا و ستعرف" حتّى وصلا إلى غرفة الاجتماعات التي تقع بالدّور السّفلي للمبنى و كانت لأوّل مرّة منذ مجيء (أحمد) إلى هذه المدرسة مظلمة و مخيفة.
فجأة سمع حركة في الجوار فأخرج بحركة تلقائيّة (الجناح الفضّي) قائلا: "من هناك ؟" و خلال لحظات عمّ النّور المكان و خرج الجميع من مخابئهم قائلين معا بصوت عال : "عيد ميلاد سعيد !"
فابتسم (أحمد) معاتبا:"ما هذا يا جماعة ؟ لقد كدت أن أصيب أحدكم بأذى"
" و من هذا الذي يُبقي معه أدواته حتّى موعد النّوم ؟" أجابه (دانيال) ثمّ أضاف محتضنا صديقه:"أظننتنا حقّا أنّنا سننسى عيد ميلادك ؟"
احتفل كلّ الأولاد بالمبنى في تلك اللّيلة...غنّوا و رقصوا و أكلوا الكعك حتّى نال منهم التّعب.
***
في وسط الظّلام...
"ماذا؟ أين أنا؟" قال (أحمد)
انطلقت ألسنة اللّهب في كلّ مكان حول الفتى.
"ما الذي يحدث هنا ؟"
فجأة ظهر طائر عملاق ذو ريش ملتهب و عينين ذات لون أصفر مخيف و منقار أسود فتّاك، كان أشبه بوحش ناريّ أُرسل من أعماق الجحيم.
-"ما هذا ؟"، سأل الفتى مرتجفا
-"لقد اقترب وقتك أيّها الشّاب"، قال صوت امرأة
-"من هناك ؟ أظهر نفسك"
-"أنا العنقاء"
عندها أدرك (أحمد) أنّ الوحش النّاريّ الواقف أمامه هو صاحب ذلك الصّوت.
-"عن أيّ وقت تتحدّثين عنه ؟"
-"عندما يحين الوقت ستعرف القدر الذي ينتظرك"
***
عند منتصف اللّيل و بينما كان الجميع نياما...
"ما هذا ؟ هل كان حلما ؟"، قال (أحمد) بعد أن أفاق فزعا جرّاء ألم حارق أحسّ به في يده اليمنى إضافة إلى جفاف في حلقه حيث وجد نفسه مبلّلا بالعرق بأكمله.
ذهب إلى الحمّام و غسل وجهه ثمّ شرب إبريق ماء بأكمله لكنّ حرارة جسده ازدادت فجأة و عاد إلى التعرّق من جديد.
صعد إلى سطح المبنى ليستنشق بعض الهواء و هناك حاول تهدئة نفسه عبر التنفّس ببطء.
فجأة تركّز كلّ الألم في يده اليمنى كأنّ شيئا يحرق جلده لدرجة أنّه لم يستطع كبح صراخه و خلال لحظات بدأ الألم يخفّ شيئا فشيئا و ارتسم على ظهر يده مثلّث شبه مكتمل ثمّ اختفى الألم تماما مخلّفا وراءه ذلك الوشم الغريب.
"ما هذا ؟ ما الذي عليّ فعله الآن ؟"، قال الفتى في نفسه
في تلك اللّيلة ظلّ (أحمد) شبه مستيقظ محاولا معرفة حلّ اللّغز الذي ارتسم على ظهر يده اليمنى...
***
في مكان مظلم بالعاصمة (أوازيس) حيث لا ضوء سوى ضوء القمر الصّادر من السّقف متمركزا بقلب الأرضيّة الرّخاميّة...
"لقد ظهرت إشارته أخيرا يا سيّدي و لقد استطعنا تحديد مكانه بدقّة"، قال رجل يرتدي عباءة سوداء أخفت ملامح وجهه بصوت أشبه بفحيح الثعابين بعد أن انحنى لشخص ما يجلس على عرش حجريّ وسط الظّلام.
"جيّد"، أجابه هذا الأخير بصوت عميق يبثّ القشعريرة في الأبدان ثم أضاف : " أخبر (تينيبريس) بأن يحضره إليّ..على قيد الحياة"
"سيّدي..سيّدي"، قال رجل آخر قد أتى و هو يجري لاهثا فتوقّف راكعا و قال:"لقد اتّضحت لنا إشارة مكان حجر الرّوح".
جميع الحقوق محفوظة
لا يجوز نشر أي جزء من هذه الرّواية أو تخزينها او نقلها على أي نحو أو بأي طريقة او خلاف ذلك الا بموافقة خطية من المؤلف مقدّماً.