منذ حوالَي شهر، عكفتُ على مكتبتي الصغيرة أرتبها وأصنف الكتب فيها، فوقعتُ على دفترين من دفاتري القديمة، إنهما نتاجي الأول من الأدب، بل هما نتاجي الأول من الحياة.. فتحتهما وشرعتُ في قراءة السيرة الذاتية، طفلةٌ لم تتجاوز الاثنا عشر، تحب اللون البنفسجي، تحب الشعر والنثر والقراءة وتعتبر نفسها قارئةً نهمة رغم أن ما قرأته لم يتجاوز المجلات الشهرية وبعضًا من القصص وشيئًا يسيرًا في الشعر، لكنها مع ذلك قد كتبت الكثير من القصائد، كتبت في عائلتها، في الناس عامة، في الأوطان، وحتى في السياسة! كان لديها ميولًا عجيبًا للسياسة رغم صغر سنها،.. أحلامًا كثيرة دونتها في هذين الدفترين، فهي تريد أن تصبح طبيبة عيون وكاتبة وصحفية والكثير من الأشياء، وعلى كثرة تلك الأحلام إلا أنها لطالما آمنت أنها باستطاعتها الوصول والجمع بين كل ما تحلم به،.. أغلقتُ الدفترين وفي قلبي غصة وسمعت أزيز روحي الخفي، وددتُ أن أحتضن تلك الطفلة بكل ما أوتيتُ من قوة، أن أبكي رغم نضجي لتواسيني هي برغم صغر سنها، العالم تغير،.. تغير يا حبيبتي كثيرًا، لستُ أنسى حلمك الصغير الذي لطالما انتظرته، بأن يكون لك ركنٌ خاص تنشرين فيه نصوصك المزهرة تلك في إحدى الصحف، واليوم الذي ستركضين فيه نحو جدك ترينه كتابك الأول، واليوم الذي ستلقين فيه قصيدتك أمام الملأ، واليوم الذي سترين أثرك طيبًا يلامس كل ما حولك ويغيره للأحسن،.. اليوم يبدو العالم خانقًا، خانقًا جدًا.. الصحف التي تفوح منها رائحة الورق اللذيذة اُستبدِلت بموقعٍ إلكترونيٍ بغيضٍ يدخله عشرة أشخاص ليقرأوا نصًا وسط ستين ألف نصٍ يمرون عليه كل يوم بين ما يسمى بتويتر وفيسبوك وواتساب، ثم ليضغطوا ذاك الإبهام الصنم علامة انبهارٍ وينصرفوا،.. والكتاب الذي لطالما حلمتِ بنشره ليكون بين تلك الكتب القيمة التي تناقلها الأجيال عبر التاريخ، سيكون اليوم بين كتبٍ بليدة يُكتب في كل صفحةٍ منها سطرٌ واحدٌ أحمق يخبرك أن ترتيبك سرير نومك يعد إنجازًا،.. وجدكِ الذي ورثتِ عنه حب السطور والكلمات قد واراه التراب،.. والملأ الذي كنتِ ستلقين أمامه قصيدتك الواعدة وسط الشعور بالتوتر والحماسة والسعادة، أصبح اليوم رقمًا يزيد وينقص.. نعم يا صغيرتي إن العالم اليوم مطويٌ بهذا الجهاز الصغير، باتت الأحلام مطوية والمشاعر مفقودة والناس مجهولون.. إن هذا الزمن خانقٌ وبشدة، حين يكون العالم بهذه الرفاهية، بهذه السهولة وهذه السرعة فإن الإنسان يذوب، فُطِر الإنسان على بذل الجهد والوقت لتغدو لحظة قطف الثمرة أسعد وأدفء وأجمل.. تغير العالم كثيرًا، تغير الناس، وتغيرتِ.. ما أصعب أن يعيش الإنسان في زمنٍ لا يشبهه!.
مشاعر مفقودة
تدوينات اخرى للكاتب
حوارٌ مع الخوف
كنتُ أسير في إحدى تلك الطرقات الضيقة، في المدينة الصغيرة التي أسكن بها، وإذ بي أرى شيخًا كبيرًا على إحدى المقاعد الجانبية، يبكي وينتحب، فزعت...
لُجَيْن
علاقتك الأولى
جميعنا حين نذنب، ونبتعد عن الله أو نشتاق له أو نتحدث عنه سبحانه، فإننا في الغالب نستذكر مواقف وأحداث جرت لنا من قبل ولمسنا فيها لطف الله، كخ...
لُجَيْن
حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحّي
حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّيبقلم فضيلة الشيخ: عبد الله بن زيد آل محمود " رحمه الله تعالى ".لقد أكثر الناس من السؤال عن حلق...
لُجَيْن
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين