لم تتجاوز الساعة بعد منتصف الليل ، فهي تشير إلى العاشرة والربع مساءً.

كانت إحدى ليالي تشرين الباردة " نوفمبر".

سماء ممتلئة بالغيوم يتوسطها قمر خجول يظهر تارة ويختفي تارة أخرى ، ليلة يختلط فيها كل شيء.

هدوء يخيم على الطرقات يشعرك بسلامٍ داخلي.

رائحة مطر لم يهطل بعد ، نسمات هواء بارده تراقص أوراق الشجر ، وأريج زهور ينشر شذاه في الأرجاء.

أعدت كوب من الشاي وقطعة بسكويت ، كانت تنوي أن تقضي ليلتها في قراءة كتاب جديد إبتاعته للتو .

إتجهت نحو أريكة وضعت بالقرب من النافذة بجوارها طاولة يزينها مفرش مطرز بخيوط الذهب وشمعة تضفي على المكان جمالاً.

وضعت كوب الشاي وقطعة البسكويت على الطاولة و جلست على الأريكة في إسترخاء تنظر إلى الخارج عبر زجاج نافذتها.

إرتشفت رشفه من كوب الشاي ثم وضعته جانباً وإبتسامة تعلو شفتيها فقد كانت تراقب القمر وهو يلعب لُعبة الغميضة مع الغيوم .

واثناء تأملها وإذ ببساط سحري يخطفها ويحلق بها بعيداً بين الغيمات لتسافر معه إلى مدن الخيال، بعيداً عن صخب المدن.

حلق عالياً حتى لامست أناملها أطراف الغيوم ، تحسستها لتجدها كقطن مندوف أو كقطع حلوى الخطمى الشهية.

مروراً بنجوم من الألماس تتناثر في كل مكان تزين صدر السماء.

بدأ يلوح في الأفق منظر رائع لمنازل متراصة ملونة بألوان الطيف الزاهية لتشكل قوس قزح.

حط بساط الريح على الأرض ،  التي كانت أقرب للوحة رسمت بريشة فنان  بارع  بمهارة تخطف بها الألباب.

بيوت جميلة تخللها مجاري الأنهار وتحيط بها الغابات وبساتين الأزهار .

يسكنها ناس كالأطفال في برائتهم لم تلوثهم الحياة ولم تبدل طباعهم.

تمشي بينهم دون خوف أوفزع بل بالعكس فقد رحبوا بها وفرحوا لوجودها بينهم.

ألبسوها فستان مزخرف بنقوش جميلة وألوان كثيرة وقبعة من الورد حتى تكون مثلهم.

تقدم أكبرهم سناً ليدعوها لتشاركهم وجبة الغداء فقد كانوا يجتمعون جميعهم في مكان واحد ليتناولوا الطعام.

بعد أن إنتهوا جلس كبار السن وألتف الأطفال من حولهم ليقصوا عليهم قصص الأجداد ، جلست تسمع وتستمتع بطيب حديثهم ، وفي الأثناء قامت سيدة عجوز ترتدي فستان بلون الغابات ولها عينان بلون السماء لتوزع قطع من الكعك أعدتها بيديها لهم ، كانت أطيب وأطعم وألذ كعكة على الإطلاق فلم تتذوق مثلها بتاتاً.

وفي هذه الأ ثناء أحاط بها مجموعة من الفتيات الجميلات يدعونها لترقص معهم على وقع دقات الطبول ، فرحين بأبسط الأشياء لم يشغلهم هوس المظاهر الزائف .

حل المساء و حان موعد العودة ، لم تكن ترغب في تركهم ،ولكن  كان لابد من الرجوع.

في طريق عودتها كانت تختلجها مشاعر متناقضة بين الحزن والفرح ولكن الفرح هو الكفة الراجحه .

عاد البساط مسرعاً يعانق الريح بٌغيت أن يصل قبل طلوع الفجر.

تحشرج صوتها فقد خنقتها غصة منعتها من الكلام ودموع فاضت بها عينيها حزناً على وداعة.

قال لها مواسياً : إنتظريني لن يطول غيابي.

لحظات وإذ بها تستعيد وعيها والدموع تغطي وجنتيها اللتان إحمرتا خجلاً بعد أن نظرت من النافذه ورأت الفجر قد طلع والأزهار يكسوها الندى والطيور تسبح بحمد الله لتكتشف بأن كل ما حدث ما هو إلا حلم كان حقيقه.

                                                              حنين