هاهو المساء قد أتى...

يحمل معه موعداً طال إنتظاره...

رفعت ناظريها نحو الساعه المعلقه على جدار الغرفه واذ بها السابعه والربع قامت مسرعه متجه لغرفتها لتتجهز خوفاً أن تتأخر على موعدها.

فتحت خزانة ملابسها وتناولت فستانها الأسود ذو الأكمام الطويله مقفل الصدر ومكشوف الظهر قصته كذيل سمكه ليبرز إنحناءات جسدها.

لملمت خصلات شعرها من الجانبين وجمعتهما من الخلف على شكل كعكه ثبتتها بمشبك من الكريستال لتضفي عليه بعض الجمال.

لم تكن تحب المبالغه بوضع مساحيق الزينه ولكنها كانت تكتفي بالقليل فقط حتى لايفسد عفويتها.

إرتدت أقراطها المرصعه بحبات ألماس تتوسطها حبه زمرد حمراء.

وضعت بعض قطرات من العطر حول عنقها ومعصمها ، وأخيراً تناولت حقيبتها لتنطلق مسرعه نحو الباب وما إن كادت تهم بالخروج حتى إنتبهت أنها لم ترتدي حذائها ذو  الكعب العالي لكي تكون مقاربة له بالطول.

إنطلقت فرحه لحلمها او بالأصح للمطعم المزمع اللقاء فيه.

وصلت وكان بإستقبالها النادل مرحباً بقدومها وليدلها لمكان طاولتها.

تلك الطاوله الوحيده القابعه في منتصف المطعم فقد حجزت المطعم بالكامل لهما.

كانت الساعه التاسعه مساءً وهذا هو موعد وصوله، لم ترفع عينيها عن الساعه حتى سمعت صوت نبضات قلبها تتسارع تخبرها بقدومه.

وقفت لتكون بإستقباله ما إن دخل حتى شعرت أنها سوف تسقط فلم تعد قدماها قادرتين على حملها.

حيته بإبتسامه وبادلها بقوله مساء الخير يا طفلتي .

لم ترد فقد تاهت كل الكلمات امام هيبة حضوره واكتفت بإبتسامه.

جلسا يتبادلان الحديث والسؤال عن الأحوال وإسترجاع بعض الذكريات.

كل هذا وهي مشتته  الإنتباه بين حديثه وعينيه اللتان عشقتهما منذ أول لحظة ، كانتا كعيني طفل مشاكس بريء.

في هذه الأثناء عزفت الفرقه المتواجده في المطعم أغنيه " كلمات " لماجده الرومي.

هنا قطع حديثه ووقف متجهاً لها ليبادرها قائلاً : أتسمحين لي بهذه الرقصه" ؟

أجابته ولكني لا أعرف !

رد عليها لا مشكله فقط.. ضعي ذراعيك خلف عنقي و إنسابي معي بالحركات.

لم تتوانا عن تنفيذ ما طلب وقفت فأشار إليها بنظرة إعجاب.

وضعت يديها خلف عنقه كما طلب منها  ووضع هو يديه خلف ظهرها ، أحست بدفء يديه يسري في عروقها .

همس لها قائلاً...... أحبك.

تمنت حينها لو أنها تستطيع أن  تخلع حذائها حتى تضع رأسها على صدره وتسمع حديث قلبه ، ولكنها إكتفت بأن تضع رأسها على كتفه.

همس في أذنها مجدداً.. لماذا تضعين عطراً ؟

ألا تعلمين أني أعشق عطر جسدك ولو كان بيدي لملأت منه زجاجات وخبأتها لكي أتعطر بها.

إنتفض جسدها كله وكأن  حمى  قد أصابتها.

إنتبهت أنها ملتصقه به وعندما أرادت أن تبتعد لف ذراعيه حولها ليحكم قبضته عليها ورد على حركتها قائلاً متى ستكبرين ؟ أما زلتي تلك الطفله التي تتورد خجلاً؟.

ثم أمسك يدها وعاد بها إلى الطاوله.

أخذت نفساً عميقاً لتستعيد ثقتها وتوازنها مرة أخرى.

ما أن رفعت ناظريها حتى وجدته يحدق بها.

أراد أن يكسر حدة إرتباكها فمد يده ليقدم لها  علبة حمراء وقال لها هذا ما وعدتك  به قبل سنين.

فتحته لتجد خاتم ذهبي  كتب عليه حرفيهما وتاريخ أول لقاء لهما.

حاولت أن تشكره ولكن غصت الكلمات في فمها ولم تتمكن من الكلام ولكن دموعها كانت كفيله بالحديث.

بعد وهله قالت له كيف عرفت مقاس يدي؟

رد عليها قائلاً : قلت للبائع أعطني مقاس طفله بيد مراهقه لجسد أنثى.

فقالت: أتعلم كم مر على أخر لقاء لنا؟

فتناول سيجاره أشعلها ونفث دخانها في الهواء ثم إلتفت قائلاً : مر قرنين ونصف !

ثم أردف قائلاً كل سنه في غيابك عقد من الزمان.

لم تجد كلمة تسعفها لترد عليه فبقيت صامته.

قام فقرب كرسيه منها..أمسك يدها فقال ما زلت أراك العالم وأرى العالم في عينيك قبّل جبينها.وقال إغفري لي غيابي !

فقالت: ومن أخبرك أنك غبت؟!

أنت تحيا بي ومعي ولم تغيب ثانية واحده.

أنت نبض قلبي بك أرى الحياه فأنت الحياة.

قاطع حديثهما النادل ليخبرها أن الساعه قد قاربت منتصف الليل وقد حان موعد إغلاق المطعم.

رفعت رأسها لتنتبه أنها جالسه لوحدها لا أحد معها .

فرد النادل قائلاً : أعتذر سيدتي بالنيابه عن الضيف الذي لم يحضر.

شعرت حينها  أن زلزال قد ضرب الأرض و تمنت لو انشقت  وإبتلعتها قبل أن توضع في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه.

شكرته : قائله لا عليك يكفي أني تشرفت بمعرفتكم جميعاً.

رحلت وهي تجر أذيال الخيبه والحسره وفي عينيها غيمه مطر إنهمرت بغزاره على خديها لعلها تطفئ النار المشتعله في صدرها.

رحلت...

وهي تسأل نفسها :لماذا أنا بالذات؟؟؟؟؟