إستيقظت وكانت منهكة ، خائرة القوى تمد يدها ببطء شديد ، تتلمس المنضدة التي بجوار سريرها بحثاً عن هاتفها وبعد عناء إستطاعة الوصول إليه.

نظرت إلى الساعة وإذ بها تشير إلى التاسعة إلا ثلث صباحاً أعادت هاتفها إلى مكانه وفي هذه الأثناء لاحظت وجود ظرف و وردة  بيضاء وضعوا بعناية بجانب المصباح الصغير.

أدارت ظهرها تجر أذيال النوم لعلها تغفو من جديد ولكن هيهات لا النوم عاد من رحيلة ، ولا الفضول استكن نهضت متكاسلة ، تناولت الظرف لترى ما به ، فتحته على عجل لتجد ورقة مرفق معها تذكرة سفر بإسمها وضعت التذكرة جانباً وأخذت تقرأ ما كتب في الورقة.

عزيزتي..

لا بل حبيبتي ورفيقة دربي..

أعتذر عن ما بدر مني..

وأعدك أنها ستكون المرة الأخيرة.

أتمنى أن تصفحي عني وتلحقِ  بي لنبدأ صفحة جديدة.

ملاحظة:

سيكون السائق بإنتظارك في المطار ليقلك إلى الفندق.

أتمنى لك رحلة ممتعة.


رفيق دربك..

حالة من الصمت سيطرت على كيانها كأنها قد شلت تماماً .

دمعة واحدة كانت كفيلة بأن تكسر حالة الصمت كأنها أول الغيث الذي يعقبة سيل جارف من الدموع.

أهات هزت جدران حجرتها، ألم يعتصر روحها كإعصار يحطم ما حولة ، نبضات متسارعة ترفض أن تتأنى ، أنفاس لاهثه تخرق السكون.

شريط ليلة البارحة يمر أمام عينيها بكل مرارته وقسوته مسرعاً .

تحاول أن تتمالك نفسها ولكن عقلها يأبى أن يتركها ليخبرها بمدى بشاعة ما حدث ، وأن كل شيء يغتفر إلا....... حتى عقلها الباطن تردد في نطقها .

الخيانة شيء لا يحتمل يمزق ويقتل ببطء ، الخيانة رياح هوجاء تعصف ، تقتلع ، تدمر كل شي جميل.

ولكن........

سحقاً لذاك القلب الذي عشق عيوبه قبل حسناته.

تباً لكل ذاك الكم من الحب الذي يحمله له .

تباً لأوردتي التي تحمله مع الدم.

تباً لرئتي التي تتنفسه مع الهواء .

تباً لي ... قبلهم جميعهم.

كفكفت دموعها و إستجمعت قواها ونهضت من فراشها الوثير ، لفت كتفيها بشال أبيض مطرز بالورد ، إغتسلت ثم توجهت إلى المطبخ لتعد فنجان قهوة ساده ليساعدها على التركيز والتفكير جيداً.

جلست على الأريكة وبجانبها الرسالة والتذكرة وتلك الوردة البيضاء الوحيده كوحدتها .

كانت في حيرة من أمرها هل تصفح عنه أم تمزق التذكرة وتمزق معها كل ما يربطها به .

في هذة  الأثناء رن جرس هاتفها كان هو المتصل لم تجب فكرر المحاولة مرتين متتاليتين ولكنها إلتزمت الصمت واكتفت بالنظر إلى الهاتف .

حاله من المد والجزر تنتاب أفكرها تارة ترفض مسامحته وتارة أخرى تقول إن الله يسامح من أنا التي لا أسامح .

كان يوم ليس كباقي الأيام يوم بألف سنة .

أفكار وأراء متناقضة و بعض من الهلوسات ، مشاحنات لاتنتهي معركة  كِلا الطرفين فيها يرغب بالإنتصار دون أن يهتم بحجم الخسائر .

عقل يرفض وقلب يقبل وفرص الفوز بينهم متقاربة .

أخيراً كانت الغلبه لقلبها ...قررت حزم أمتعتها واللحاق به.

لم تستطع النوم ليلتها تقلبت في فراشها كأن هناك أشواك تخزها في كل أنحاء جسدها .

أشرقت الشمس ولكن هذه المرة لم تشرق في صدر السماء بل في صدرها.

توجهت إلى المطار كانت الرحلة بالنسبة  لها رحلة عمر  هبطت الطائره بسلام وبعد الإنتهاء من إجراءات السفر وإستلام الحقائب توجهت إلي الخارج لتجد السائق بإنتظارها تماماً كما أخبرها .

هرول لها مسرعاً ورحب بها ، فهو يكن لها كل الود والإحترام حيث إنه يعمل لديهم منذ عقد من الزمان .أراد أن يتصل ليبلغه بقدومها، ولكنها قاطعته قائله أتمنى أن لا تخبره بقدومي أريد مفاجأته.

فرد قائلاً : ولكنه متوقع وصولك اليوم.!

فقالت: متوقع وليس متأكد .

إبتسم وهز رأسه بالموافقه ، في الطريق رن هاتفه وإذ بالمتحدث على الطرف الأخر زوجها يسأل عنها.

فنظر إليها السائق عبر المرآه الأماميه للسياره يستفسر منها ، فهزت رأسها بالنفي أبلغه بأنه إنتظر طويلاً ولم يأتي أحد .

فرد زوجها عليه قائلاً : اليوم لا أحتاجك لدي غداء عمل ثم إجتماع في المكتب نلتقي غداً . ثم أقفل الخط دون أن ينتظر الرد.

كان الطريق أمامهم مزدحم والوقت يمشي ببطء شديد ، فقد كان الشارع مكتظاُ بالماره والسيارات تصطف على جانبي الطريق ، البعض يمشي وهو متبطأ ذراع زوجته أو حبيبته والبعض الأخر يقف أمام فترينات المحلات لشراء مستلزمات العيد فلم يتبقى عليه سوى بضع أيام.

سندت رأسها على زجاج نافذة السياره في تعب ،

شردت بخيالها بعيداً تسترجع كل ما حدث وتفكر بما سيحدث.

شد إنتباهها فستان معلق بإحدى الفترينات ، طلبت منه أن يتوقف جانباً وعلى الفور نفذ طلبها .

نزلت وراحت مسرعه إلى المحل كي لا تتأخر .

أشارت إلى البائعه من خلف الزجاج إلى الفستان وعند دخولها أبلغتها البائعه أنه أخر قطعه .

تنهدت بخيبة أمل فقد أعجبها.قاطعتها البائعه قائله :إذا كان مقاسه يناسبك فبإمكاني أن أحضره لكِ.

أجابتها على الفور بأن مقاسها ميديم ، راحت البائعه تتأكد من المقاس فوجدته كما أردت

فعلقت قائله : كم إنتِ محظوظه هو بضبط كما طلبتي .

إبتسمت وشكرتها ، لفت البائعه الفستان بعنايه ووضعته في علبه وربطته بشرائط حمراء متمنيه لها يوماً سعيداً.

رجعت إلى السياره ثم إنطلق متجهاً إلى الفندق.

عند وصلها إستقبلها الجميع بحفاوه وترحاب فهم نزلاء دائمين للفندق . طلبت منهم عدم إبلاغ زوجها بوصولها حيث انها تريد أن تفاجأه ، إبتسم الجميع متمنين لها طيب الإقامه .

توجهت إلى الجناح المخصص لهم .

كانت الساعه الرابعه والربع مساءً فتحت الشرفه لتستنشق بعض الهواء فرائحة عطره تملأ الأرجاء .

كان المنظر أخاذ ساحر يخطف الألباب يمد النفس بالراحه والطمأنينه و هذا كل ما تحتاج إليه في هذه اللحظه. قاطع إسترخائها صوت جرس الهاتف، ردت وإذ به مدير الفندق مرحباً بها فهو الأخر تربطه علاقة صداقه قديمه بهم سألها ما إذ كانت تفضل شيء معين على العشاء .

فأجابته بأنها أوكلت له هذه المهمه وله حرية الإختيار ، وكل ما تريده هو باقات من الورد بالون الأبيض. فأجابها ضاحكاً بأن طلباتها أوامر .

حاولت أن تأخذ قسطاً من الراحه لكن دون جدوى نظرت إلى الساعه بيدها وإذ بها السادسه تماماً صوت طرق خفيف على الباب نهضت مسرعه لترى من الطارق فتحت لتجد العامله تحضر لها الورد كما طلبت. وضعت مزهريه في منتصف الطاوله وبجانبها شمعه ومزهريه أخرى على المنضده بالقرب من الباب ثم وضعت ورده وتحتها ورقه كتب عليها أحبك على وسادته .

إرتدت فستانها الجديد كان بلون الزمرد الأخضر طويل حريري الملمس به فتحه طويله تكشف الساق وأكمام طويله مفتوح الصدر عاري الكتفين وكعب عالي ذهبي اللون.

تركت شعرها منسدل على ظهرها بطريقه عفويه ، إرتدت أقراط صغيره من اللؤلؤ وسلسله بها قلب صغير ، تكحلت وتعطرت ووضعت أحمر شفاه بلون الكرز.

حان موعد قدومه فالساعه تقارب التاسعه مساءً . دقائق وإذ بها تسمع صوت عند الباب شخص ما يحاول فتحه من الخارج فتحت الباب لتراه واقفاً بكامل أناقته المعتاده ووسامته .

إختلطت مشاعره بين المفاجأه والفرح ، دخل وأقفل الباب خلفه وأخذها بين أحضانه، ضمها على صدره بقوه قائلاً : اااااه كم إشتقت لك وكم كان هذا اليوم طويلاً بغيابك لم يكن يوماً بل أشبه بقرن من الزمان .

رائحة أنفاسه إمتزجت برائحة عطره لتتوج حوله هاله من العشق والجنون لم تسمع أي كلمه مما قال بل كانت تنصت لنبضات قلبه فهي الأصدق .

أبعدها عنه قليلاً ليقبل رأسها ويعتذر لها .

إستأذنها ليغتسل و يبدل ملابسه نظرت إليه وصمت مطبق قد تملكها فقط إبتسامه صغيره على محياها تركها وتوجه إلى الحمام ثم إلتفت إليها قائلاً وإبتسامه شقيه تعلو شفتيه ونظره مشاكسه تلمع بعينه لم تكبري يوماً ما زلتي تلك المراهقه التي إرتبطت بها منذ أعوام إستدار وأكمل طريقه بقيت جامده كصنم بلا حراك بعد وهله إستجمعت شتاتها وجلست على الاريكه تنتظره. تقدم نحوها وسألها : كيف كانت رحلتك ؟

فأجابت :جيده

فرد قائلاً : حجزت مقعدك بجانب النافذه متعمداً لعلمي بمدى شغفك لرؤية الغيوم وإنعكاس أشعة الشمس في السماء.

إبتسمت وشكرته على البادره اللطيفه ، عيونه تتهرب من النظر إليها صار يسترق النظرات ، وهي تنظر إليه بشوق وحزن ، في العيون كثير من نظرات الحب والعتاب ، كانت العيون تتكلم والقلوب تصرخ ، ولكن الصمت ساد الأجواء لبضع دقائق ولكنه كان بمثابة ساعات.

ثم قالت : هل تشرب كوب من الشاي أم عصير ؟

فأجب : عصير لاني قد شربت الكثير من الشاي والقهوة اليوم .

أحضرت العصير له وكوب شاي لها ، أشعل سيجاره الكوبي وأخذ ينفث دخانه في الهواء وكأنه يريد الهرب من نظراتها ، عاد الصمت يخيم على المكان .

رن هاتفه ليقطع حدة الصمت.

أجاب: ألو

وإذ بشريكه في العمل على الطرف الثاني .

قال معتذراً : أسف على إزعاجك ولكن الأمر لا يحتمل التأخير.

أجابه : لا تعتذر فأنت مرحب فيك في أي وقت .

في هذه الاثناء إشتاطت غضباً وإقتربت منه وأخذت الهاتف عنوه أقفلت الخط وألقت به على الأرض وهي تصرخ بوجهه لقد سئمت منك ومن أفعالك ، حاولت أن أتناسى فعلتك المشينه ولكني ما زلت أشم عطرها في جسدك وبقايا احمر الشفاه على ملابسك .حاول تهدئتها ولكن لا فائده فقد جن جنونها فجأه.

قال: لها إهدئي حتى نتفاهم .

فقالت : لن أهدأ فلم يعد لدى القدره لتحمل المزيد من الأكاذيب .

أراد أن يضع يديه على كتفيها ليهدئ من روعها فأبعدته بقوه ، وقف والدهشه تملأ وجهه فلم يعتاد على رؤيتها بهذا الشكل.

صرخت في وجهه قائله : ألم تكتفي بعد ؟

هل تظن إني سأسامحك العمر كله؟

هل رؤيتي منكسره ترضي غرورك؟

أم أنك تتلذذ بتعذيبي؟

لماذا تتعمد جرحي؟

ولماذا تعود إلي أحضاني باكياً بعد كل مره تخونني فيها؟

قال : لأني أحبك و..

قاطعته قائله : أين الحب فيما تفعل؟

قال: أنا بشر أخطأ وأصيب وأقسم لك أنها هي من تلاحقني حاولت صدها مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى حتى حصل ما حصل.

قالت : لوكنت مكانك هل كنت ستقتنع بعذري وترضى بفعلتي ؟

لم يتمالك نفسه من الغضب قام نحوها وصفعها صفعه أسقطتها أرضاً .

شهقت في ذهول فلم تكن تتوقع ردة فعله.

أمسك يديها ولكن ليس ليرفعها هذه المره من الأرض ، بل ليعيدها لوعيها فقد كان يحدثها وهي شاردة الذهن .

سألها بإستغراب : ما بك ؟ هل أنتي متعبه؟

فردت: لا شيء لما تسأل ؟

فقال: كنت أكلمك ولكنك لم تعيرني أي إنتباه.

صمتت قليلاً لمحاولة فهم ما يحدث حولها .

فكانت إجابه واحده لا ثاني لها ، كل ما حدث من نسج الخيال صورها عقلها الذي يرفض الرضوخ أمام قلبها.

حاولت أن تتدارك الفوضى التي حدثت .

فقالت : أعتذر عما حصل فأنا لم أنم جيداً ليلة البارح ، أظن أني بحاجه إلى بعض الهواء كي أعيد توازني.

قال : لا عليك.. فعلاً كان يوم طويلاً ومتعب.

وقفت وإتجهت نحو الشرفه لإستنشاق بعض الهواء لعلها تعيد السيطره على نفسها من جديد.

وقفت مقابل السور الحديدي والهدوء يخيم على الأرجاء ، ليل وسكون و أعمدة إناره متناثره هنا وهناك وبينما هي واقفه وإذ به يقف خلفها همس قائلاً :إشتقت لك . لم تجب بل إكتفت بالصمت ولكن قلبها قال الكثير .

أقترب منها أكثر كانت تشعر بدفء أنفاسه حين يحادثها شعور غريب وكأنه المرة الأولى .

لوهله شعرت أن الهواء يتعمد أن يكون بارداً حتى تتلذذ بدفء مشاعره فهو يتراقص فرحاً بين أغصان الشجر ، والأوراق تغازل النسمات بهمس وأمواج البحر تعزف أجمل مقطوعه ، وبدر أنار كبد السماء وتلألأ بسحر على سطح الماء.لينتهي المطاف بأصابع يده التي كان يمررها بين أصابع يدها لتسري بجسدها قشعريره تعبث بروحها خدراً إحتضنها ودفن أنفه في شعرها ثم همس لها قائلا: مازلتي تلك التي أعشقها بجنون فأنتي طفلتي ، حبيبتي ، عشيقتي و فاتنتي أنا بك أحيا ومن دونك أموت.

رفعت عينيها لتجد عينيه قد إمتلأت بالدموع سألته: مابك؟ هذه أول مره أرى الدمع في مقلتيك ؟

قال: وهذه أول مره أخاف أن أفقدك فيها .

كلماته أذابت كل جبال الثلج بدفئها ، أفلتها وقال لحظه سأعود حالاً . أشاحت بنظرها للبحر كأنها تتوسله ليمدها بالقوه فهي في أضعف حالاتها .

عاد وهو يحمل بيده علبه بلون التيفاني قدمها لها وقال : قد إشتريتها لك هذا الصباح لا أعلم لماذا فعلت ذلك ولكن وجدت نفسي أقف أمام المحل وكأن سحر قد قادني هناك ، إخترت هذه القطعه من بين كل القطع أتمنى أن تعجبك .

فتحت العلبه لتجد سلسله على شكل مفتاح لطالما تمنت أن تقتنيه. ضحكت وإحتضنته بشده قائله ،: لا أدري كيف أشكرك ، فهذه المفاجأه لم تكن بالحسبان .

رد قائلاً ،: لو كان بإمكاني أن أهديك روحي فلن أتردد لحظه. و إستطرد قائلاً دعيني إلبسك إياه. رفعت شعرها ليلبسها ثم رفع رأسها وإحتضنها ليعانقها كما لم يفعل من قبل ثم قال: عاهديني ألا تبتعدي عني مهما حصل.

فقالت : لا أستطيع

نظر إليها مستغرباً فسألها : لماذا؟

قالت : هل يعقل أن أعاهدك على شيء لا أملكه.

بدء الغضب يسيطر على كلماته فقال: وكيف ذلك؟

قالت : كيف أعاهدك وقد وهبتك كياني وجوارحي وكل ما فيني وهي تحت تصرفك ورهن إشارتك.

تبدد الغضب عن محياه وإبتسامه ساحره حلت محله ، ونظرات فيها من الإنتصار الشيء الكثير.

علق قائلاً : بعد كل هذا تسألين عن دموع في....

قاطعته قائله : يكفى.... ما فات مات .

فقال : ولكني أريد أن أوض.......

قاطعته للمره الثانيه ولكن بوضع أصبع يدها على فمه لإسكاته

وقالت له بصوت أقرب إلى الهمس : أحبك.

                                                                     حنين ⚘