حسبان في الفترة المملوكية

يعتبر الظاهر بيبرس هو أول السلاطين المماليك الذين فطنوا إلى الموقع الاستراتيجي لشرقي الأردن, فما إن تم له الاستيلاء على قلاعها وحصونها حتى شرع في ترميمها وتقويتها وشحنها بالرجال والسلاح, ويتجلى اهتمام الظاهر في المنطقة بعد أن داهم المغول شرقي الأردن, و بلغت غارتهم عجلون والصلت وحسبان وبركة زيزياء والموجب, ودمروا القلاع والحصون والمباني الأخرى, حيث أمر بعمارة القلاع وإصلاح ما أتلفه المغول في كل من قلعة عجلون والصلت, ولا شك في انه أولى كلاً من حسبان وعمان وزيزياء جانبا كبيرا من عنايته, فأعاد بناء ما دمره المغول.

ولقد تبوأت حسبان المكانة الأولى في البلقاء خلال الفترة المملوكية, إذ لعبت دورا هاما في الصراع بين الأمراء, فقد تمكن الناصر محمد بن قلاوون وبمساعدة أهالي حسبان والمناطق المجاورة لها, من دخول دمشق سنة 709 هـ/1310م ، وعلى ضوء ذلك حظيت حسبان فيما بعد بزيارة الناصر محمد سنة 717هـ/1317م, قادماً من الديار المصرية وبصحبته خمسون أميراً, حيث اتخذها مركزاً لولاية البلقاء, وأخذ منها ينظر في أحوال البلقاء وشؤون عربانها, ووصل إليه تنكز نائب السلطنة في الشام ومجموعة من الأمراء لتقديم الولاء والطاعة, فأكرمهم, وطلب المؤرخ أبو الفداء نائب ولاية حماة دستورا للحضور, وأرسل تقدمه مع مملوكه طيدمر الدوادار, قبلها الناصر محمد, وأرسل إليه تشريفا وخلعه بمبلغ من المال وقطع القماش.

كما لعبت حسبان دوراً مميزاً في إعادة الظاهر برقوق للسلطنة مرة ثانية, حين خرج سنة 791 هـ/1389م, بصحبة خمسمائة شخص من مماليكه, ونحو ألف نفر من أهل الكرك, وعددٍ من العرب, فعندما وصل حسبان استقبله أهلها واظهروا له طاعتهم. كما انهم ساندوه بالقوة البشرية, والمواد التمونية, مما ساهم في تقويت شوكته

وحينما كان السلطان برقوق في حسبان خرج إليه حسين بن باكيش نائب غزة على رأس جيش, ودار القتال بينهما على أرض حسبان التي شهدت انكسار ابن باكيش وجيشه, مما مكن الظاهر برقوق من نهب أموالهم وعددهم إلا أنه فيما بعد أخذت منطقة حسبان والبلقاء والكرك تتراجع من حيث الاستقرار في الفترات الأخيرة لحكم الدولة المملوكية. ويعود ذلك إلى كثرة الفتن والحروب التي كانت تحدث بين الأمراء المماليك, إضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض.

الأهمية الاقتصادية لمنطقة حسبان خلال الفترة المملوكية:

.ازدهرت الزراعة في حسبان خلال الفترة المملوكية، واتصف شعب شرقي الأردن بشكل عام في هذه الفترة بأنه عاشق للزراعة، وموفق في استغلال أرضه، وماهر في الفلاحة. واشتهر بزراعة الحبوب كالقمح والشعير، وبكروم الزيتون والأعناب واللوز، وبزراعة الفاكهة كالمشمش والتفاح والخوخ والتين والرمان. واختصت حسبان بشكل خاص بزراعة أشجار الجوز. كما أن الجغرافيين والمؤرخين العرب نعتوا منطقة حسبان بالخصب والنماء وكثرة البساتين والمزروعات وطواحين الماء حتى إن قراها بلغت نيفا وثلاثمائة قرية، وتتصل بالأغوار التي اشتهرت بزراعات عديدة متنوعة كقصب السكر، الموز، النخيل

أما فيما يتعلق بالتجارة، فكانت البلقاء تشهد عدة أسواق، لاسيما في مواسم الحج، وهي سوق الزرقاء وزيزياء، والقطرانة، ولابد أنه كان في عمان وحسبان والصلت أسواق مماثلة. كما اشتهرت الصناعات في البلقاء(التي كانت حسبان قاعدتها) مثل صناعة، الصابون، والبسط والأسلحة. كما وقعت حسبان على الطريق التجاري الذي يمتد من دمشق إلى الكرك إضافة إلى وقوعها غربي منطقة زيزياء محطة قوافل الحجاج خلال هذه الفترة.

الحركة العلمية لمنطقة حسبان خلال الفترة المملوكية:

شهدت منطقة حسبان خلال الفترة المملوكية، عصر النهضة العلمية، فنبغ المئات من سكان المنطقة في شتى العلوم، فكان منهم الأطباء والفقهاء والأدباء والمؤرخون الذين احتلــوا أمكنة مرموقــة فـي بناء الحركة العلميــة وتطويرهــا، فتقلـدوا مناصب هامــه، وانتشروا فـي مصر وبلاد الشام، وهناك أسسوا عائلـة علميـة عريقة، وهـي: عائلــة الحسباني نسبــة إلـى المدينة ، ومن هؤلاء العلماء :عبد الرحمن بن سعادة الحسباني توفي سنة 777هـ/1375م,واسماعيل بن خليفة الحسباني توفي سنه 778هـ/1377 م, وحجي بن موسى الحسباني. توفي سنة782 هـ/1380 م , وخليل بن محمد الحسباني .توفي سنه 812هـ/1409م ,واحمد بن إسماعيل الحسباني توفي سنة 815 هـ , واحمد بن هلال الحسباني. توفي سنه 823هـ /1420, وقاسم بن سعد الحسباني توفي سنه 827هـ / 1424

ولقد حظيت منطقــة شرقــي الأردن بعــدد كبيـر من المدارس منهــا:

المدرسة الشافعية في الكرك

المدرسة السيفية في الصلت

مدرسة ضرغتمش في عمان

مدرسـة حسبـان المملوكية

وتمثل المخطط العام للمدارس في الفترة المملوكية من خلال فناء مربع (صحن) تحيط به ايوانات(غرف)، كما احتوت المدرسة على حجرة بها محراب، وإلى جوارها منبر، وضريح، وبجوار الضريح توجد مئذنة، وسبيل ومرافق أخرى.

أما في حسبان فقد تحدثت المصادر والمراجع التاريخية عن وجود مدرسة، وعلماء وقضاة، إلا أنها لم تتحدث عن تخطيط، أو تفاصيل هذه المدرسة ومـن أهـم مشيدات سلاطين المماليك البحرية، مدرسة الظاهر بيبرس، ومدرسة السلطان قلاوون، ومدرسة السلطان الناصر محمد، وكذلك مدرسة السلطان حسن.

كما شيد سلاطين المماليك البرجية المدارس ومـن أهم مدارسهم: مدرسة الظاهر برقوق، ومدرسة قايتباي، ومدرسة قانصوه الغوري.


كتاب حسبان عراقة التاريخ وسحر الاثار - الدكتور يوسف محمد الشيبي