هنا قرَّر مازن أن يبادر باتخاذ الخطوة الأكثر أهمية في حياته، عندما تشاور مع زوجته (مصممة مواقع الإنترنت) حول نيته أن يُعلن عن دَوْرة مَجانية لتعليم مواجهة (الهاكرز) في معهد الكمبيوتر التدريبي، الذي يَمتلكه؛ مبينًا لها ما ستواجهه الأسرة من صعوبات مالية؛ بسبب مجانية الدورة التي ستضطره إلى تَخصيص الوقت المسائي لها، وإلغاء الدورة المأجورة التي تتم عادة في مثل هذا الوقت، ودون استئذان منهما تدخلت غالية ذات الأحد عشر ربيعًا مدمنة الإنترنت باقتراح بَدَّد غضب والديها من تَجسُّسها عليهما، عندما قالت:

• أنا أتبرع بغُرفتي لتحويلها إلى مختبر تدريبي يُمكنها استيعاب 7 أجهزة، من بينها جهاز الكمبيوتر الخاص بي، ولكن بشرط أن تكون سعاد من بين المتدربين.

 

• ومَن سعاد يا فأرة الكمبيوتر - كما يحلو لهما تسميتها؟

• إنَّها من أبرع صديقاتي في اقتحام الإيميلات الشخصية لأعدائنا الذُّكور.

 

• وأنت - يا ترى - في أيِّ أنواع بيئة عدم احترام الحياة الخاصة والقرصنة والفيروسات متميزة وبارعة؟

أحست بالتهكم والتلميح إلى "لا أخلاقية هوايتها" من تعليق والدتها، فلم تستطع الرد وانسحبت من حلبة النقاش.

 

• هاكرز؟! تساءلت زوجته باستغراب.

• أجل يا عزيزتي.

 

أجابها بكل هدوء، بعدما تأكد من دخول فأرة الكمبيوتر إلى غرفتها - ومد أمامها عددًا من الكتب وبعض الصفحات لمجلات متخصصة، وتابع يقول لها بما يشبه الهمس:

• أجل، فلقد أصبحت الممارسات المتطورة في مجال الإنترنت ضمن الأسلحة التي تتسابق الدول إلى امتلاكها، ودخل المجال الإلكتروني ساحاتِ الحروب، بل إنه من المتوقع أن تكون الحرب الإلكترونية هي الكفة المرجحة للحروب المستقبليَّة.

 

• ولكن كيف وأين ستتم هذه الحروب؟ وما علاقتك أنت بها؟ يبدو أنَّ بعض الألعاب الإلكترونية قد أفسدتك مثلما أفسدت عقل ابنتنا، عليه العوض ومنه العوض!

 

• اسمعيني - يا سائلة العوض - إنَّ اعتمادَ العالم كله بشكل مُتزايد على الشبكة العنكبوتية في البنى التحتية، وما بات يعرف بالحكومة الإلكترونية، أوجد ميدانًا جديدًا للحرب، هذا أولاً، وبما أنَّها حرب فلا بُدَّ من جنود، هذا ثانيًا، أمَّا كيف ستتم، فببساطة أذكرك بأنَّ ازديادَ الهجمات الإلكترونية التي نشهد جزءًا بسيطًا منها اليوم يعتبر الهجماتِ الأولى لهذه الحرب الشرسة، وكلما زاد الاعتماد على شبكات الكمبيوتر والإنترنت في المجالات المختلفة، زادتْ إمكانيةُ تطوُّر الهجمات الإلكترونية؛ لتصبح سلاحًا حاسِمًا في النزاعات بين الدول في المستقبل.

 

الحرب الإلكترونية - يا مبرمجة المواقع النسائية الناعمة - هي "أعمالٌ تقوم بها دولة تُحاول من خلالها اختراق أجهزة الكمبيوتر والشبكات التابعة لدولة أخرى بهدف تَحقيق أضرار بالغة أو تعطيلها".

 

ومن مقدمات هذه الحروب ما يعرف بالقرصنة أو تعطيل الحواسيب، وعمليات التجَسُّس الإلكتروني، وتبدأ الخطورة الحقيقة عند شَنِّ الهجمات التي تنفِّذها مجموعات الهاكرز ضد أجهزة الكمبيوتر والشبكات والمعلومات المخزَّنة؛ مما يؤدي إلى نتائج تسبب أذى مادِّيًّا كبيرًا ملموسًا، وهنالك العديد من الأمثلة.

 

• هل يعني ذلك أنَّ تسريبات ويكيليكس مَوْقعة من حربك المزعومة؟

• الآن بدأتِ تبرمجين رأسَكِ في الاتجاه الصحيح نوعًا ما، فالحرب الإلكترونية تُعَدُّ جزءًا من الحرب المعلوماتية بمعناها الأوسع، وتَهدف إلى التأثير على إرادة العدو، وعلى قدرات الآخرين، وأحيانًا تهدف إلى خلط الأوراق، وتسريب الإشاعات والمعلومات الصحيحة والكاذبة أيضًا.

 

ولا تنسي أنَّ الحرب الإلكترونية تتميز بالتكلفة المتدنية نسبيًّا، وبأقل التكاليف يُمكن تشكيل خطر حقيقي على أية دولة، والمهاجم في هذه الحرب له الأفضلية؛ لأنَّها سريعة جدًّا.

 

• هذا يعني أن خطرها قد يكون شديدًا على النواحي الأمنية والعسكرية؟

• المخاطر تتجاوز النواحي العسكرية، فالعدوُّ قد يستهدف البنى التحتية المدنية، مثل: المطارات، والمنشآت الحساسة النفطية أو الصناعية، بواسطة فيروس يُمكنه إحداث أضرار مادِّية حقيقية لا يُمكن تقدير حجمها إلاَّ بعد أن تقع.

 

• وهل بدأت هذه الحروب فعلاً يا نابليون الإنترنت؟

• ما زلتِ تُشكِّكين فيما أقول؟ طيب، في المجلات التي أمامك ستجدين بعضَ الأخبار عن معارك حقيقية، وسأقرأ لك بعضًا منها أو من عناوينها على الأقل، واحكمي أنت بنفسك بعدها.

 

هذا تقريرٌ عن تعرض الحكومة الكورية الجنوبية لهجومٍ نفَّّذه قراصنة كوريون شماليون.

 

وهنا خبر أعلنت فيه ألمانيا أنَّها واجهت عمليات تجسس شديدة التعقيد، كانت تستهدف القطاعات الصناعية والبنى التحتية الحساسة في البلاد.

 

وأما محتوى هذا التحقيق، فيتحدث عن الهجوم الإلكتروني، الذي استهدف أستونيا في العام 2007، فقد حاولوا تعطيلَ المواقع الإلكترونية الحكومية والتجارية والمصرفية والإعلامية، مُتَسَببين في خسائر بعشرات الملايين من الدولارات، إضافة إلى شلل البلاد.

 

• هذا يكفي، لا تكمل، ولاحظ أنَّك فرد واحد مع مجموعة صبية صغار تريد تنفيذ ما تقوم به دول وحكومات؟!

• اعلمي - يا عزيزتي - أنَّ باستطاعة مجموعة من الأشخاص المحترفين والمزودين بالمتطلبات الأساسية مهاجمةَ بعض القطاعات المهمة في أيِّ بلد في العالم، وأنا معك أنَّ مجال الحرب الإلكترونية أوسع من أن يتولاه بضعة أشخاص، وسيكون الفارق كبير في النتائج عندما تتبنى دولنا التي لديها القدرة على استثمار جزء من ميزانِيَّاتِها العسكرية في هذا الإطار، واستخدامها في هذا المجال، شأنها في ذلك شأن الكثير من دول العالم.

 

• أنت تقصد أن هنالك العديد من دول العالم ممن خاض في هذه الحروب؟

• طبعًا، فقد أدركت العديد من الدول هذا الواقع الجديد، ولا سيما الصين، وروسيا، والولايات المتَّحدة الأمريكية، وفرنسا، وإنجلترا، والعدو الصهيوني أيضًا، وبعض دول العالم الثالث، كالهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإيران، وراحت جميعها تنشط بصورة صامتة لتطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، وبناء جيوش من الخبراء، الذين قد يشكِّلون مستقبلاً نواةَ الجيش الإلكتروني للدولة.

 

• تقصد أنَّ اليهود لديهم مثل هذه القدرات في الحرب الإلكترونية؟

• أَجَلْ، فلقد أدركوا أن الإمكانية التي توفرها هذه القرصنة عالية التقنية للقيام بأعمال تخريبية حقيقية، وتبلور مفهوم الحرب الإلكترونية شيئًا فشيئًا؛ ليُصْبِحَ ركنًا رئيسِيًّا في التخطيط الإستراتيجي لدولة الكيان الغاصب، وتُعَدُّ الوحدة 8200 في جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر الوحدات تطورًا من الناحية التقنية والتكنولوجية، ولها نشاطات واسعة في حروب الإنترنت، وتضم الآلاف من العقول الذكية التي تعمل على ضمان التفوُّق النوعي علينا في الفضاء الإلكتروني، لدرجة تصريح بعض قادتهم بأنَّه أصبح لديهم الوسائل الكافية لإطلاق هجمات إلكترونية استباقية بدون أي مُساعدات خارجية، وهي تدرس بهدوء استخدام هذه التقنيات ضدَّ الآخرين.

 

ولقد عزمت - يا عزيزتي - ألاَّ أكتفي بالدُّعاء والتبَرُّع لأهلنا في فلسطين، بل نويت الجهادَ عبر مشاركتي في الحرب الإلكترونية ضِدَّ عصابة القتل والدمار، التي تعيث بأرضِ فلسطين فسادًا، وتهلك الحرث والنسل، وتُمعن في طغيانها وجبروتها، وإنِّي والله أحببت أن أشركك وأبنائي ومن يستطيع الوقوف معنا في هذه القربة إلى الله - سبحانه وتعالى - وإنَّها لأقل القليل الذي يَجب أن نسعى لتقديمه نصرةً لأهلنا ولقدسنا الأسير.

 

وافق الزوجان على مقترح "فأرة الكمبيوتر"، وأعلن مازن عن الدورة مُبيتًا نيته لاختيار خمسة متقدمين فقط، وبالفعل تقدم عددٌ جيد من الشباب المتحمس، وكان مازن أثناء مُقارنته بين المتقدمين يركز على الشباب ممن لا يزالون في بدايات المرحلة (المتوسطة) من حيث العمر، الذين لديهم معرفة بالتعامل مع برامج الهاكرز، وبالدرجة الأولى الذين يتفاخرون بأنَّهم حَقَّقوا بعضَ النجاحات، فاقتحموا بعض المواقع.

 

بعد عمليات الفرز والتدقيق استقر رأي مازن على اختيار 4 شباب وفتاة واحدة، إضافة إلى سعاد وغالية وجميعهم سيمضون يوميًّا من 3 إلى 5 ساعات في ورشة عمل حقيقية تحت إشرافه ومتابعته الدقيقة؛ لتنفيذ البرنامج التدريبي لمواجهة الهاكرز حسب ظن المتدربين، بينما هو برنامج تأهيلي؛ ليصبحوا (هاكرز) محترفين على أعلى مستوى وَفْقًا لتخطيط مازن وزوجته.

 

ويا لَها من فرحة عَمَّت أرجاءَ المنزل، عندما نجحت كتيبة مازن الإلكترونية في اقتحام موقع وزارة العدوان والحرب اليهودية أثناء حربهم الظالمة على غَزَّة، واختصرت نظرات مازن المتنقلة ما بين زوجته وعناصر كتيبته كلَّ كلام ممكن عن إمكانية النصر - بإذن الله تعالى - ورَدَّد والدموع تطهر عينيه: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249].