وضعية صعبة جداً جداً، الأرض من تحتك صلبة، والمطرقة من فوقك تهوي بشدة فاليد التي تمسك بها قوية قوية، وأنت مثبت لا تستطيع الهروب ولا حتى مجرد الحراك، تشخص بطرف عينك نحو المطرقة، وأقصى ما يمكنك فعله هو الابتعاد بعنقك وبعض كتفيك ذات اليمين أو ذات الشمال بينما ينخلع قلبك قبل ملامسة المطرقة لرأسك، وتصرخ كل ذرة في جسمك من شدة الألم مع أن المطرقة لم تلامس رأسك بعد.
وقبل وقوع الواقعة بقليلٍ.... تنقدحُ في رأسك - أو رأس غيرك - فكرةٌ للحل؛ يتبلور القرار بسرعة البرق ودون أدنى نقاش أو مراجعة تشرعُ بالتنفيذ، وبعد حين من الدهر تُدركُ أن المطرقة لو وقعت على رأسك وهشمته لكان أرحم ألف ألف ألف مرة.
كم مرة شعرتَ بهذه الحالة؟
بل كم مرة اتخذتَ هذه الوضعية؟
في الواقع...... لايوجد سندان حقيقي، ولا مطرقة حديدية؛ هي زاوية خطوتَ نحوها بقرارٍ مستقلٍ مارستَ فيه حريتك وحشرت نفسك فيها بإرادتك، ومطرقةٌ توهمت وجودها بظنك السيء ونفسك المريضة، ويقينك الضعيف، وهوَّلتَ من أمر قوةِ وبطشِ هذه المطرقة وأعطيتَ حقَ الإمساك بها وتوجيهها إلى أُمِّ رأسك ليدٍ لم تُردْ بك خيراً قط، وكنتَ تعاديها أو تدعي ذلك؛ تعرفها كما تعرفُ اسمك؛ لكنك تنكرت لذاتك، ولأهلك الذين يعانون، ولمن قضى شهيداً جميلاً، ولمن يقبعُ في السجون، ولكثيرٍ من الصادقين حولك، ولمن انخدعوا فيك وأحبوك ذات يوم.
هذه وضعية من تبدلتْ حالتُهم من إنسان يكره الظلم إلى مطيةٍ للظالم، ومن رجل حرٍ إلى عبدٍ مقيت، هو مجرد بيدقٍ في رقعة شطرنج بل أضعف قطعة فيها؛ وظيفته الموتُ من أجل غيره مع أن ( كش مات ) لأسياده ومشغليه قادمة دون أدنى شك بإذن الله تعالى.