قال لي صاحبي
هل رأيت كيف يختلف الناس على كل شيء من الإبرة إلى المجرة ؟
قلت : ولذلك خلقهم ولايزالون كذلك
لايتفقون على رأي أبدا ..
فكلما قلت قولا ستجد من يعارضك فيه ..
قال : الآراء كثيرة وكبيرة والافتراق بين الناس حتى فيما يأكلون واسع جدا ..!!
قلت : الحمدلله .. هذه من نعم الله علينا فلو أن كل الناس على منهج واحد ورأي واحد في كل شيء لما حصل هذا التعدد والتنوع
الطعام متفرق جدا
من حلو إلى حامض إلى مالح إلى مر
ومن أحمر إلى أبيض إلى أزرق إلى أصفر
وبينهما ألوان كثيرة تأتي من خلط لون بلون ..وشكل بشكل ..
فمن لايحب هذا سيحب الآخر وهكذا
والتعدد والتنوع سنة من سنن الله في هذا الكون …
صيف يعقبه خريف ثم شتاء وربيع
فمن الناس من يعجبه الصيف
بطول نهاره وقصر ليله
وفاكهته اللذيذة وموسم التمور والعنب والرمان وغيرها
وليل الصيف ساج جميل
يحلو فيه السهر والتعاليل
ولكن نهاره شديد الحرارة
فلا تستيطع الذهاب والمجيء إلا بصعوبة وتكلفة ..وهكذا ..
والشتاء نهاره جميل يستيطع الإنسان إن يقضي حاجاته ويمتد فيه
وليله البارد حول التدفئة من نار الأرطى والسمر والغضاء والرمث أو غيرها
وفيه يشتهى من الأكل مالا يشتهى في غيره
وفيه وفيه ..
وفي الربيع تزدان الأرض وتتزخرف
وتلبس لبوسا عجيبة
وفيه النزهة وقطع الفيافي
والجلوس للتسلية حول الرياض النضرة والغدران الجميلة .. وفيه يتحسن المزاج ويكثر الدخول والخروج
ويصل الناس إلى أماكن لم يصلوها من قبل ..
وهذا كله من نعم الحي القيوم في هذا التعدد والتلون والاختلاف …
وكذلك الأرض فيها من التعدد والاختلاف مالا يعلمه إلا الله ..
قل سيروا
افلم يسيروا
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات
الذي جعل الأرض فراشا
وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي
قال جلا وعلا :
( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
في تفسير الواحدي :
( وجنات ﴾ أَيْ: وأخرجنا بالماء جنَّات ﴿ من أعناب والزيتون ﴾ وشجر الزَّيتون ﴿ والرمان ﴾ وشجر الرُّمان ﴿ مشتبهًا ﴾ في اللون يعني: الرُّماني ﴿ وغير متشابه ﴾ في الطَّعم أي: مختلفة في الطَّعم وقيل: مُشتبهًا ورقها مُختلفًا ثمرها ﴿ انظروا إلى ثمره ﴾ نظر الاستدلال والعبرة أوَّل ما يعقد ﴿ وينعه ﴾ نضجه ﴿ إنَّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ﴾ يصدِّقون أنَّ الذي أخرج هذا النَّبات قادرٌ على أن يحيي الموتى…
ولو ذهبت لسوق الخضار ولم يكن همك الشراء بل التفكر والتدبر لخرجت بالعجب ..
انواع متعددة من فاكهة واحدة
ومن يشتري هذه لايشتري الآخرى
ومن يسأل عن فاكهة غريبة يريد الاختلاف والتنوع وهكذا في طريق طويل هو من مجالات التفكر والتدبر والتذكر ..
وهكذا سر في الأفاق سترى آيات الله المختلفة والمتعددة
ثم أرجع إلى نفسك التي بين جنبيك وقارنها بغيرها ستُذهل بما فيها من آيات وعبر عجيبة ..
( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )
وقد اختلف المفسرون في معنى مفردات الآية اختلافا لا يضر بالمعنى ، بل الآية تحتمل جميع ما قالوه إذا لا منافاة بينه .
فبعض المفسرين فسر الآفاق بأنها آفاق السموات ، وبعضهم فسرها بأنها آفاق الأرض ، وبعضهم فسرها بالمعنيين بأنها آفاق السموات والأرض .
وفي انفسهم كذلك تعددت أقوال أهل التفسير ومن أجمعها وأعمها ماذكره السعدي قال رحمه الله :
" إن قلتم - أيها الكافرون - أو شككتم بصحته وحقيقته - يعني القرآن - فسيقيم الله لكم ، ويريكم من آياته في الآفاق كالآيات التي في السماء وفي الأرض ، وما يحدثه الله تعالى من الحوادث العظيمة ، الدالة للمستبصر على الحق.
(وَفِي أَنْفُسِهِمْ) مما اشتملت عليه أبدانهم ، من بديع آيات الله وعجائب صنعته ، وباهر قدرته ، وفي حلول العقوبات والمثلات في المكذبين ، ونصر المؤمنين ، (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) من تلك الآيات ، بيانًا لا يقبل الشك (أَنَّهُ الْحَقُّ) وما اشتمل عليه حق .
وانظر إلى اختلاف الوان الناس
هذا ابيض وهذا أحمر وهذا بينهما وهذا اسمر وهذا اسود
وهناك الوان مختلطة
وانظر إلى أخلاقهم
هناك من هو سريع الغضب فيه عجلة
وهناك من هو أبرد من ذرى جبال السودة والدبغ وفرواع …
وهناك بينهما في الأخلاق
والأخلاق موزعة توزيعا عجيبا كالأرزاق تماما
فسريع الغضب تجده سريع الرجوع
والندم وفيه طيبة ومحبة إذا عرفت له أخذت مافي جيبه
وبارد التربة يغضبك في برودته ولكنه لايتصرف بحماقة وعجله
وهكذا
هذا حسود وهذا حقود وهذا طيب
وهذا يصنع مايقول ، وهذا شديد الغيرة ..!! يغار حتى من أصابع قدميه
لماذا بعضها أطول من بعض ..!!
وهذا فيها وفاء يضرب فيه المثل
يحب الناس ويحبونه ويتواصل معهم بدون مقابل
وذاك ( مقفى ضبعه ) كما في المثل .. لأن الضبعة لاتستطيع الإلتفات ..
ولو جلست تعدد أصدقائك لتعجبت
من اختلافهم وتنوعهم ..
وهم كثير .. ولو احتجت أو كان لديك مشكلة لم تخرج إلا رقم فلان وفلان فقط لأنك تتكي على جبل وتسند ظهرك برجل رجل …
قلت له : قد أطلت عليك ياصاحبي
ولكن لعل الله ينفعني وإياك في هذا التفكر والتذكر ..
كتبه : ابو محمد عبدالرحمن بن محمد الوليعي
السبت
١٤٤٦/٦/١٣.