مما جرى …
كلما سمعت أبيات ( زيد بن غيام الجبلي المطيري ) رحمه الله وهو يشتاق إلى الصمان ومنها :
انا هاضني برقٍ تكاشف على الصمان
وقالوا تخيله وقلت يالربع بالي له
تحدر خشوم المزن يشدي حصى حوران
لزيز الرعد وامعرقب البرق يوضي له
تمثنى النفود وصار سيله على ساقان
و اضليع مارد ضافياتٍ هماليله
تعاوى الحتايف لي تصفق على الجيّان
وجغبقا امتلت واصليبها كنها النيله
تملت خباري الصلب وين انت يالعطشان
ثمان الخباري تاسعتهن اكحيليله.
تعتصرني ذكرى لايمكن نسيانها
كنا نقطف من دنيانا بغير حساب ولا عدد
كنا نطير كالعصافير السارحة ..
لم نكن نعلم ما الذي سيأتي …
في غفلة من أعمارنا …
خرجنا من الحفر في سيارتين من نوع الجيب …
كنت في إحداها وفي الخلف ( لوجع يخفيه في رجله ) الشهم الوفي صاحب المروءة الكريم الجواد .. وقل ماشئت عن السحاب
محمد بن ابراهيم الحجيلان … ابو عزيز
الذي عاش كالبرق الخاطف حياة قصيرة
لكنها نور كلها ..
وكان السائق ( ابراهيم العراقي ) وكان يعمل عند الحجيلان …
وكان في السيارة الثانية ( عبدالله الصبيحي ) شقيق الروح ونجي الفؤاد
وسلم المجد وجبل الصبر …
وكان معه مجموعة من الأحبة …
وكانت السماء على وجهها سحاب يخفي عنا الشمس فترات ، ويظهرها فترات
وعندما اقتربنا من ( الصداوي ) وهي قرية تبعد عن الحفر حوالي ٨٠ كم
بدأ الغيث يكون ديمة هتانة ، وهناك تعطلت السيارة ونزلنا لإصلاح أحد عجلاتها
وحصل موقف بين الحجيلان والشيخ بدر الفغم .. موقف عزيز .. دال على تلك الروح العجيبة التي كانت بين جنبي ذلك الرجل ..
فقد وقفت سيارة الأمير بدر - رحمه الله - وقال : هذه سيارة الحجيلان ؟
قلت : نعم
قال : وينه ؟
فقلت : خلف السيارة .
فاتجه إليه بسيارته ، وكان ابو عبدالعزيز يتنفل في هذا الرذاذ …
تم السلام السريع ..
كل واحد : أقلط عندنا ..!!
قال الأمير بدر : أنا معزوم عند أحد المسؤولين ، وانت أكيد معزوم !!
قال ابو عبدالعزيز : نعم معزوم
ولكن هذه عزيمة رسمية وفيها بروتكول كما تعرف وانا ابصير مع هالمطاوعة وطلبة العلم
قال الله قال رسوله …..
وسواليف حلوة
تشترى بالمال ..!!
طع شوري .. وخاونا والله إن تنبسط وتكيف .. دين ودنيا ..!!
رد عليه : انت صادق لكن انا ما اقدر
فيه احراج كبير علي .. الله يهنيكم
ويوفقكم …
ثم سلم ومضى في سيارته
وكنت انظر إلى أبي عبدالعزيز
وأقول : كيف يترك لقاء هذا المسؤول
وفيه مصلحة دنيوية كبيرة له ..؟
ولكنني تيقنت أنه قد وصل إلى هذه القناعة :
(ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها)
كما قال ذلك نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ..
قال المتنبي :
لَحا اللَهُ ذي الدُنيا مُناخاً لِراكِبٍ
فَكُلُّ بَعيدِ الهَمِّ فيها مُعَذَّبُ..
نعم هي مناخ لراكب فقط ..
ولن أحدثك مالذي حدث في هذين اليومين في الصمان ..
فهذا حديث أطويه ولا أنشره ..
فهو قطعة من روحي ..
وفترة من عمري ..
التفت إليها كلما ضاقت بي الحياة
وتكدرت الدلاء ..
زمن تولى من ربيع حياتنا
في ظله ما أجمل الأوقات
نلهو ونمرح والسعادة عندنا
ما أصدق البسمات والضحكات
نجري ونجري ليس ندري أنها
تجري بنا الأعمار في الساعات
ونلاعب المطر الخفيف إذا أتى
وعلى اليدين تساقط القطرات
نبكي ونضحك تلك حال طفولة
ونصدق الأفعال والكلمات
ما أجمل الأيام تمضي غفلةً زمن الصفاء يمر في عجلات.
نعم تجري بنا الأعمار ….
…..
ومن خُلقي أنّي ألوفٌ وأنّه
يطولُ التفاتي للذينَ أُفارقُ
يُحرّك وَجْدي في الأراكةِ طائرٌ
ويبعثُ شَجْوي في الدّجنّةِ بارقُ
وأقسم ما فارقتُ في الأرض منزلًا
ويُذكرُ إلا والدموع سوابقُ
البهاء زهير.
ابو محمد الوليعي
١٤٤٦/٤/٢٩