Image title



أستاذي الأمريكي في الجامعة قال لي ذات مرة و هو يربتُ على كتفي ،و قد نطق باسمي ، اسمي العربي ، بما فيه من حروف ليست في لغته ، قال لي :

"عبدالله أنت ذكي دراسياً ، و صوتك جميل في الألحان ، و لاعب كرة قدم متمرس . "


و حقيقةً لا أتذكر أحداً قالها لي (مجتمعة ) ، لا من أسرتي و لا أصدقائي أو معارفي و أساتذتي !! و لو أنه كان مُجيداً للعربية فهل سيضيف صفة رابعة " و كاتباً أيضاً" ؟ لستُ أدري .



و الغرب عموماً لديهم تشجيع ، و إيجابية ، و تقدير للمواهب و الجهود ليست لدينا نحن العرب ، و دع عنك أمر التشجيع لدينا و الأخذ بيد المتألقين وسلْ الله أنْ تسلم من النقد اللاذع ، و التخذيل ، و التقزيم ، و ربما بلغ الأمر الى إعلان الحرب عليك و معاداتك ، لا لشيء عدا أنك متميز ، ناجح ، مبدع !! و ليتك تسلم يا صديقي ليتك تسلم ، إي و الله ليتك تسلم ، يا ليتها كفافاً لا لك و لا عليك ، لا تشجيعاً و لا تخذيلاً !


إذاً لا يشك ذي عقل بأنّ لدينا قصوراً في جانب تقدير الجهود ، و اعطاء العاملين المخلصين حقوقهم ، و ما يستحقونه من جوانب تكريم سواء أكانت مادية أم معنوية ، بيدَ أنّ المسألة لابد أن تحدث باتزان تام و إلا كانت المبالغة فيها بحكم النقصان !!


و النقصان في عملية تقدير الجهود يخلق من المخلص المجتهد إنساناً محبطاً ، لا قيمة له و لا وزناً ، وكيف لا يكون وهو يُماثَلُ بزميله الخامل الكسول ؟


و قد يُقال المسألة مسألة اخلاص و العامل يبتغي وجه الله !! و سيّان لديه إنْ قُدرتْ جهوده أم لا ؟ قلتُ :

هذا صحيح لكن طلب تقدير الجهود لا يقدحُ في عملية الاخلاص ، و هو أمر غريزي فطري ، كل أحد يُحب أنْ تُرى أفعاله و يُشاد بها و يعطى حقه الفطري من الاحساس بالفاعلية ، و تقدير الذات ، و الاعتزاز بالنفس ! فكيف و إنْ كان ذلك المرء هو المبدع ، المثابر ، الفاعل !! و الحق الذي لا مراء فيه هو أنْ يُكافأَ ، و يُقدّر ، و يمتاز على غيره ، ‫لكن ثمة ظاهرة مزعجة وهي ظاهرة " التكريم " المبالغ فيه بشكل يُفقد التميز تفرّده، و يذهب بالشيء الكثير من قيمته و لذّته !! فالعملية موازنة بين الإغراق في الشكر و التقدير ، و بين الإهمال و نبذ الجهود! ‬


لا إفراط و لا تفريط ، لا غلو و لا اجحاف ، و الحسنة بين سيئتين ، و خير الأمور أوسطها ، و مسألة التكريم من قبل " ادارة التعليم في تبوك " لمنسوبيها واضحة الظهور ، كبيرة التفشي ، تُدركها حتى الأوساط البعيدة عن ميادين التعليم و مجالاته! و قد انتقلتْ هذه العدوى من الادارة الرئيسية هناك الى غيرها من ادارات المدارس و مكاتب الاشراف في المحافظات بشكل مبالغ فيه !! و إنْ كنتَ تعجبُ فإني لا أَعجبْ! فكما أنّ الناس على دين ملوكها - و كما يُقال - فإنّ المدارس و مكاتب الاشراف على دين " رؤسائها " في ادارة تعليم تبوك !!



و يا حضرة ادارة التعليم الموقرة لعلكم قد تقولون :

و ما هو ذنبنا إنْ كنا نمتلك كل هذا القدر من المبدعين و المتميزين - ماشاء الله - من المعلمين و الإداريين ؟ أفلا نكافئهم ، و نحمد لهم صنيعهم ، و نبارك تألقهم ؟

قلتُ:

أما و قد امتلأتْ خزينتكم التعليمية بجواهر من الإبداع التعليمي ، و كنوز من التألق التربوي فليكن التكريم إذاً للأحسن على الحَسَن ، و للأكفأ على الكفؤ ، و للأجمل على الجميل حتى لا يفقد التكريم هيبته ، و كيْ لا يخسر التفرد و التميز بريقه و وهجه !!


و أخيراً يا حضرة ادارة التعليم الموقرة أرجو ألا ينالني من حضرتكم " خطاب شكر " و لا " درع تذكاري " فأنا مهندس و لستُ من منسوبيكم !! أو لعل التكريم قد يكون مقابل هذه المقالة بدافع حبّ النصيحة ، او تقبل الآراء و وجهات النظر ، فأنتم في هذا المجال كرماء جِدُّ كرماء !! فأرجوكم أنْ تعفوني من هذا ، و لكم جزيل الشكر و العرفان.



يا أحبتي دعوني أختم هذه المقالة بتتمة القصة التي ابتدأتُ بها و هو أنّ أُستاذي الأمريكي الذي أشاد بي دفعة واحدة ، و ألبسني حلّة التكريم و المديح و الثناء في تلك اللحظة مباشرة   لم يُعاود ذلك البتّة  حتى افترقنا ، لقد أدى تكريمه الأول فاعليته في نفسي  ، و أنجز وظيفته تجاهي  ، أتدرون لماذا؟ ( لأنه اقتصادي في التكريم جداً  )و لذلك كان تكريمه من المنزلة بمكان و  السلام