اجتمع موت و حياة في المستشفى داخل قاعة حيث كانت تصدر منها تأوّهات مخيفة تثير القشعريرة في الأبدان و الشفقة داخل القلوب.
حياة:- أهلا بك ! يبدو أنّنا إلتقينا سريعا، أليس كذلك؟
موت:- نعم.
حياة:- مسكينة هذه المرأة، يبدو أنّها تلد لأوّل مرّة.
موت:- ولادتها عسيرة جدّا و "الوقت" يكاد ينتهي...
حياة:- "الوقت" ؟! ما الذي تتحدث عنه؟
موت:- لا شيء...
حياة:- أرجوك أخبرني.
موت:- إنّه شيء شبيه بالعدّاد و هو يوجد لدى جميع الكائنات الحية حيث يقوم بالعد التنازلي منذ اليوم الذي ولدت فيه حتى تنتهي حياتها.
حياة:- أين يوجد ؟
موت:- آسف، لا يمكن لأحد رؤيته سواي.
حياة:- كم بقي لها ؟
موت:- لقد بقي لها دقيقة و خمس و أربعون ثانية.
حياة:- ماذا ؟!..لكن هذا الوقت لا يكفي فقد تموت أثناء الولادة.
موت:- الوقت هو الوقت و لا مجال للتغيير.
حياة:- أرجوك..ألا توجد أيّ طريقة ممكنة لإنقاذهما معا ؟!
موت:- لا يوجد.
حياة:- ما الحلّ إذن ؟
موت:- لم يكن هناك حلّ منذ البداية و لن يكون أبدا فلا أحد يستطيع إيقاف الوقت أو تمطيطه. الوقت هو أقوى عائق للحياة.
حياة:- إذا موتها مؤكد.
ثم أضافت متنهدة:
- مسكين هذا الطفل، القدر الذي ينتظره قاس جدّا.
موت:- أرجوكي لا تتحدثي مثل البشر، أنتِ تعلمين جيّدا أنّ ما يسمّونه ب"القدر" ليس إلّا الوجه الآخر لعملة نسمّيها نحن ب"الوقت".
حياة:- أنظر إليها كيف تصرخ من شدّة الألم.
موت:- إنّها تقاوم.
حياة:- لطالما أبهرني البشر بمفاجآتهم الغير متوقعة.
ثمّ أضافت متحمّسة :
- من خلال إرادتها و حبّها لقطعة الحياة الصغيرة التي بداخلها تغلّبت على أنانيّتها الفطريّة للحياة لنفسها و قاومت من أجل ذلك المولود فقط.
ولد الطفل ثم ماتت الوالدة بعد لحظات.
موت:- لماذا تبكين ؟
حياة:- أنا حقّا لا أعرف...لا أدري، ربّما لأنّ ذلك المولود لن يجد والدته بقربه...
موت:- أنت تعلمين منذ البداية أنها لن تنجو...
حياة:- أنظر..يال جمال هذا الكائن!
قال موت مغمغما دون أن تسمعه حياة التي كانت منشغلة تماما بالتحديق بالطفل:
- سيبقى كذلك حتّى يقع في وحل الواقع.
حياة:- أنظر كيف يمسك بإصبعها بكل ما أوتي من قوة..يال روعة هذه الكائنات ! إنه يشعر بطاقة الحياة منذ ثوانيه الأولى في هذا العالم.
موت:- إذن فهو يعلم أنها ماتت.
خرج الطبيب ثم عاد رفقة رجل.
حياة:- أنظر، يبدو أنه والد الطّفل.
موت:- يبدو منهارا..أظن أن الطبيب قد أخبره بكلّ ما حصل.
ثم أضاف :
- لقد إنتهى كلّ شيء..لقد أخذت ما يجب أخذه..أنا ذاهب.
حياة:- ماذا ؟! كيف تتركني في مثل هذا الوقت ؟ أرجوك لا تذهب الآن.
موت:- حسنا، سأبقى لكن لبعض الوقت فقط.
حياة:- أنظر إليه، مسكين هذا الرجل..لقد تلقّى خبرين، أحدهما يجعله يكره الحياة و الآخر يمنحه الأمل للعيش من جديد.
أمسك الرّجل طفله بين يديه و راح يبكي بحرقة.
حياة:-ماذا ؟! إنّه يبتسم رغم..هل جُنّ ؟
موت:- إنّه يعي فقط..أنّ ما حصل قد حصل و لن يعود أيّ شيء إلى ما كان عليه سابقا و هو يعلم جيّدا أنّ عليه المضيّ قدما من أجل طفله.
ثم أضاف هامّا بالذهاب:
- يبدو أنّك بخير الآن لذا أنا ذاهب.
حياة:- لنلتقي ثانية.
موت:-...
-النّهاية-
لقراءة العدد التّالي إضغط هنا