العدد الأوّل

اجتمع موت و حياة في المستشفى داخل قاعة حيث كانت تصدر منها تأوّهات مخيفة تثير القشعريرة في الأبدان و الشفقة داخل القلوب.

حياة:- أهلا بك ! يبدو أنّنا إلتقينا سريعا، أليس كذلك؟

موت:- نعم.

حياة:- مسكينة هذه المرأة، يبدو أنّها تلد لأوّل مرّة.

موت:- ولادتها عسيرة جدّا و "الوقت" يكاد ينتهي...

حياة:- "الوقت" ؟! ما الذي تتحدث عنه؟

موت:- لا شيء...

حياة:- أرجوك أخبرني.

موت:- إنّه شيء شبيه بالعدّاد و هو يوجد لدى جميع الكائنات الحية حيث يقوم بالعد التنازلي منذ اليوم الذي ولدت فيه حتى تنتهي حياتها.

حياة:- أين يوجد ؟

موت:- آسف، لا يمكن لأحد رؤيته سواي.

حياة:- كم بقي لها ؟

موت:- لقد بقي لها دقيقة و خمس و أربعون ثانية.

حياة:- ماذا ؟!..لكن هذا الوقت لا يكفي فقد تموت أثناء الولادة.

موت:- الوقت هو الوقت و لا مجال للتغيير.

حياة:- أرجوك..ألا توجد أيّ طريقة ممكنة لإنقاذهما معا ؟!

موت:- لا يوجد.

حياة:- ما الحلّ إذن ؟

موت:- لم يكن هناك حلّ منذ البداية و لن يكون أبدا فلا أحد يستطيع إيقاف الوقت أو تمطيطه. الوقت هو أقوى عائق للحياة.

حياة:- إذا موتها مؤكد.

ثم أضافت متنهدة:

- مسكين هذا الطفل، القدر الذي ينتظره قاس جدّا.

موت:- أرجوكي لا تتحدثي مثل البشر، أنتِ تعلمين جيّدا أنّ ما يسمّونه ب"القدر" ليس إلّا الوجه الآخر لعملة نسمّيها نحن ب"الوقت".

حياة:- أنظر إليها كيف تصرخ من شدّة الألم.

موت:- إنّها تقاوم.

حياة:- لطالما أبهرني البشر بمفاجآتهم الغير متوقعة.

ثمّ أضافت متحمّسة :

- من خلال إرادتها و حبّها لقطعة الحياة الصغيرة التي بداخلها تغلّبت على أنانيّتها الفطريّة للحياة لنفسها و قاومت من أجل ذلك المولود فقط.

ولد الطفل ثم ماتت الوالدة بعد لحظات.

موت:- لماذا تبكين ؟

حياة:- أنا حقّا لا أعرف...لا أدري، ربّما لأنّ ذلك المولود لن يجد والدته بقربه...

موت:- أنت تعلمين منذ البداية أنها لن تنجو...

حياة:- أنظر..يال جمال هذا الكائن!

قال موت مغمغما دون أن تسمعه حياة التي كانت منشغلة تماما بالتحديق بالطفل:

- سيبقى كذلك حتّى يقع في وحل الواقع.

حياة:- أنظر كيف يمسك بإصبعها بكل ما أوتي من قوة..يال روعة هذه الكائنات ! إنه يشعر بطاقة الحياة منذ ثوانيه الأولى في هذا العالم.

موت:- إذن فهو يعلم أنها ماتت.

خرج الطبيب ثم عاد رفقة رجل.

حياة:- أنظر، يبدو أنه والد الطّفل.

موت:- يبدو منهارا..أظن أن الطبيب قد أخبره بكلّ ما حصل.

ثم أضاف :

- لقد إنتهى كلّ شيء..لقد أخذت ما يجب أخذه..أنا ذاهب.

حياة:- ماذا ؟! كيف تتركني في مثل هذا الوقت ؟ أرجوك لا تذهب الآن.

موت:- حسنا، سأبقى لكن لبعض الوقت فقط.

حياة:- أنظر إليه، مسكين هذا الرجل..لقد تلقّى خبرين، أحدهما يجعله يكره الحياة و الآخر يمنحه الأمل للعيش من جديد.

أمسك الرّجل طفله بين يديه و راح يبكي بحرقة.

حياة:-ماذا ؟! إنّه يبتسم رغم..هل جُنّ ؟

موت:- إنّه يعي فقط..أنّ ما حصل قد حصل و لن يعود أيّ شيء إلى ما كان عليه سابقا و هو يعلم جيّدا أنّ عليه المضيّ قدما من أجل طفله.

ثم أضاف هامّا بالذهاب:

- يبدو أنّك بخير الآن لذا أنا ذاهب.

حياة:- لنلتقي ثانية.

موت:-...

-النّهاية-


لقراءة العدد التّالي إضغط هنا