خلال مراحل تأسيس برنامج الفضاء الأمريكي أمضى العلماء والمهندسون والإداريون أوقاتًا طويلة في النقاشات والمفاوضات والصراعات وتشكيل التكتلات بعيدًا عن معامل البحث و ورش الإنتاج ومنصات الاختبار في سبيل تمهيد الطريق لتقدم علمي تقني جوهري.
كان موضوع نشر أبحاث برنامج دراسة خواص طبقات الجو العليا و القياسات الأرضية من أهم المواضيع التي طال واحتدم النقاش حولها، حيث لم يكن من السهل إقناع القادة العسكريين خلال فترة الحرب الباردة باستمرار احتفاظ البرنامج بطابعه المدني ونشر أبحاثه في الدوريات العلمية المحكّمة ذلك أن معظم نتائج الأبحاث كانت لها في نفس الوقت تطبيقات عسكرية وخصوصًا مايتعلق منها بتقنيات الصواريخ بعيدة المدى. فقياسات توزيع كتلة الأرض وحركة صفائح القشرة الأرضية تتطلب وضع نقاط محددة على سطح الأرض وقياسها بدقة وهي في نفس الوقت تفيد في تحديد دقة الإصابة بين الأهداف وقس على ذلك العديد من الأمثلة ذات التطبيقات المزدوجة.
لكن معرفة صناع القرار ببطء حركة الأبحاث الدفاعية التي كان يجريها الجيش بشكل سري آنذاك دفع بهم إلى دعم القرار باستمرار النشر وذلك إدراكًا منهم بأن ذلك سيمنح الولايات المتحدة السبق في ريادة تقنيات الفضاء ويزيد من شفافية التعامل ويقلل من شكوك الدول الأخرى في نواياها خلف ذلك البرنامج وغيره خاصةً بعد استخدامها للقنابل النووية لإنهاء الحرب العالمية الثانية التي لم يمر بعد وقت طويل على انتهائها. وبذلك تم التصويت بدعم القرار رغم مخاطر الكشف عن معارف تخدم تقنيات حساسة وخصوصًا منها مايتعلق بدقة التوجيه والتحكم في الصورايخ، فعلى سبيل المثال فإن تمكن الروس من إطلاق قمر سبوتنك الصناعي ودورانه حول الأرض كان له معنى تقني جوهري يمثل امتلاك السوڤييت لتقنية التوجيه والتحكم في الصواريخ الباليستية عابرة القارات.
إمكانية النشر أتاحت لللجنة الوطنية الاستشارية لعلوم الطيران "ناكا" ،المؤسسة التي سبقت وجود ناسا، القدرة على اجتذاب مئات الباحثين والأكاديميين للعمل في مشاريعها ودفع عجلتها خلال فترة وجيزة، فبدأت بنشر التقارير العلمية المحكّمة بدقة عالية بين معاملها المتعددة مما أدى إلى رفع جودة الأبحاث وإمكانية وصولها لمن يحتاجونها في أعمالهم وفوق ذلك كانت أفضل مادة تسويقية لها مكنت من استمرار دعمها ماليًا وسياسيًا ومن ثم بقاءها. لم تكن ناكا وحدها من ينشر بل إن معظم مراكز البحث حذت حذوها مثل مكتب المقاييس ومعامل بيل ولجنة أبحاث الصواريخ والأقمار الصناعية ومعامل جي بي إل في جامعة كاليفورنيا للتقنية وغيرها من المراكز البحثية.
ومع ذلك كان هناك ضجر من المجتمع العلمي من أسلوب المجلات العلمية المؤسسية والتوزيع المحدود لها ذلك أن نشر الأبحاث في مجلات يصدرها نفس المركز قد يشكك في صرامة مراجعتها ويقصر تواجد الأبحاث على فئة محدودة من الباحثين بينما يوجد هناك من هو جدير بأن يطلع عليها ليستفيد منها و يمحصها ويبني عليها. لمع نشوء الجمعيات العلمية لاحقًا ونموها واندماجها تمكنت مراكز الأبحاث مع تلك الجمعيات من التوصل إلي طريقة تتيح نشر الأبحاث في مجلاتها وبالتالي الوصول إلى شريحة أكبر من المهتمين.
توافقت قضية النشر الحر مع تبني الأمريكان نهج "قول ثم فعل" في برنامجهم الفضائي فكانوا يعلنون مايودون تحقيقه ثم يعملون على تحقيقه أمام مسمع ونظر العالم مثل مافعل الرئيس كينيدي عندما دشن مهمة الصعود إلى القمر. بينما تبنى السوڤييت نهج "فعل ثم قول" فكانوا يدشنون الإنجاز تلو الإنجاز ثم يتحدثون عنه، فعلى سبيل المثال لم يعلم العالم أجمع إلا وقمر سبوتنيك الصناعي قد أطل فوق سمائهم دون استئذان، ثم بدأ السوڤييت يتحدثون عنه خلال اجتماع أكاديمية العلوم في اليوم الثاني أمام قرنائهم الأمريكان الذين صدمتهم المفاجأة. نهج الأمريكان أتاح لهم إشاعة الوعي الشعبي ببرنامج الفضاء بالتعاون مع المتاحف والجمعيات العلمية، وبناء التحالفات العلمية والمؤسسية حول العالم مما مكنهم من نشر أعمالهم و تطوير معرفتهم بمشاركة مصادر متعددة، ومتابعة تجارب مركباتهم من دول متعددة بينما ظل البرنامج السوڤييتي أسير القصص الخيالية التي تسربت لاحقًا بعد انهياره.
لاشك أن تقارير ناسا العلمية المنشورة قد شكلت أساسًا قويًا لصناعة الطيران في والفضاء في الولايات المتحدة يستفاد منه إلى يومنا هذا كما يؤكده جيف بيزوس مؤسس آمازون وبلو أوريجين الفضائية بقوله إننا نقف على أكتاف ناسا فلولا مانشرته من تقارير في أساسيات علوم الطيران والفضاء وتصميم المركبات لم يكن لشركاتنا الابتكارية الناشئة في مجال الفضاء وجود.