نص: علاء خزام - انشغلت، ولا تزال، الأوساط الثقافية الفرنسية بجدل جديد بدأ على مواقع التواصل الاجتماعي ثم انتقل فيما بعد إلى الصحافة المكتوبة، بين معادي العنصرية من رافعي شعار الهويات والمتثبتين هوسياً بإيديولوجيا "الأقليات كضحايا أبديين" من جهة وبين معادي العنصرية أيضاً من الجمهوريين العلمانيين الذي يؤطرون أنفسهم تاريخياً بتراث ثورة 1789 وتطبيقها الفعلي المتمثل في إنجازات الجمهورية الثالثة (قانون العلمانية والقطع النهائي مع "النظام القديم" لمصلحة مثال جمهوري "تقدمي"، ليبرالي اقتصادياً وعدواني استعمارياً في الخارج) من جهة أخرى.

ورغم أن البعض قد يجد في الجدالات السيبرنية نوعاً من حوار عقيم تسيطر فيه المشاعر القطيعية البدائية على التفكير الهادئ (القول المتسرع "الوسخ" بديلاً للكتابة المتأنية "النظيفة")، فإنها رغم ذلك كاشفة عن "قلق في النموذج" يجتاح التيارات الفكرية والسياسية في فرنسا والعالم ويستقطب أكثر فأكثر: بين من يدعون إلى عودة حالمة نحو الدولة/الأمة القوية الواثقة والفاتحة دون الانخراط في النقاش حول سيطرة السوق العالمية الرأسمالية وانهيار سيادة الدول من ناحية ومن يدعون من ناحية أخرى إلى معانقة غير محسوبة النتائج لنزعات سائدة وضاغطة ترسي مناخاً متعصباً وطارداً لكل نقاش لا يقوم مسبقاً على قاعدة مانويّة تقسم باستمرار إلى ضحية/جلاد، مغتصَب/مغتصِب، قامع/مقموع... الخ، والتي يمكن اعتبارها وصفة ناجزة للحرب الأهلية الدائمة.

باستثناء مساهمات ميشال كلوسكار Michel Clouscard المبدعة والسبّاقة في السبعينات والثمانينيات، سادت سنوات طوال من التكتم على نقد التغيرات الكبرى التي طرأت منذ أيار/مايو 1968 على المجتمع الفرنسي "التقليدي" (زراعي/صناعي/ريفي/متديّن كفاية/متماسك بواسطة علاقات القرابة تقابله صورة الأب الحامي التي مثلها الجنرال ديغول). عملت تلك التغييرات على تحويل المجتمع بعمق شديد عبر عنف رمزي هائل خاصة من خلال إيديولوجيا "الحركة والتنقل الدائمين" و"الانتزاع من الجذور" التي رافقت المعونة الأمريكية "المجّانية" لما بعد الحرب. لكن اليوم، تعاود إلى الظهور بجرأة أصوات جمهوريّة مثقفة طلّقت خوفها من اتهامات رخيصة كـ"عنصري أبيض" أو "كاره للمرأة" بسبب انتقاداتها العلنية لـ"اللائق سياسياً" والتمييز الإيجابي وسياسات الهوية وتجهيل الفاعل والنسوية المتطرفة... الخ.

لكن هذه الأصوات، على جرأتها الضرورية وأهميتها في هذه الأزمنة العصيبة، لا تزال قاصرة عن إنتاج خطاب شامل بديل وتجد نفسها مضطرة المرة تلو الأخرى، وعن حق ربما، إلى العودة والالتزام بخط الدفاع الذي تمثله فلسفة الأنوار وشرعة حقوق الإنسان ودوغما الكونيّة المطلقة المفارقة لتصور هيغيلي-ماركسي يعتبر الكونيّة "حذفاً مع إبقاء" (Supprimer en conservant) أو "كونيّة محددة" (Universel concret) بالزمان والمكان. في نهاية المطاف، تكمن خطورة تمترس الجمهوريين النهائي خلف إيديولوجيا الأنوار "التقدميّة" في أنها ستوقعهم، عاجلاً أم آجلاً، في فخ قبول مقولات تدمير الهوية الوطنية و"الاقتلاع" و"الذهاب إلى الأمام مهما كلف الأمر" و"الماضي كان سيئاً على الدوام" وغيرها التي يدينون اليوم نتائجها المنطقية جداً والمتمثلة في خطابات الهوية المتفقة تمام الاتفاق مع السياسات الرأسمالية.

بمعنى آخر، لم يستطع الصوت الجمهوري العلماني الفرنسي حتى اليوم إلا أن يكون صوتاً "يسارياً"، و"اليسار" تسمية لطالما رفض الحزب الشيوعي الفرنسي الالتزام بها خاصة خلال فتراته الأكثر ثورية مطلع القرن العشرين. يعيد هذا الصوت إذاً إنتاج الانقسام الذي انطلق في فرنسا بعد قضية درايفوس الشهيرة (1894-1906) وقولب المجتمع بكامله في معسكرين كبيرين تمثلا بـ"التقدميين أو حزب الحركة" (اليسار) من جهة و"القداميين أنصار الملكية والنظام القديم" (اليمين) من جهة أخرى، وذلك بعد أن كانت الحياة السياسية الفرنسية تتمحور حول أقطاب ثلاثة تقابل ألوان العلم الوطني هي البرجوازية التقدمية الجمهورية (الزرق) والإقطاع المحافظ الأرستقراطي-الملكي (البيض) والاشتراكية الديالكتيكية الشيوعية/الأناركية/النقابية (الحمر).

بعد تحطيم انتفاضات ربيع الشعوب (1848) والكمونة الباريسية (1871)، واستلام "الزرق" مقاليد الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية (والإعلامية لاحقاً)، فُرضت على "الحمر" باسم الأولويات معارك لانهائية سابقة على كل تفكير بالانتقال إلى الاشتراكية اضطرتهم إلى الانخراط في حروب "التقدميين" مرة ضد أنصار النظام القديم ومرة ضد الفاشية ومرة ضد رجال الدين... الخ؛ وهي نماذج تعيد إنتاج نفسها اليوم في صورة "التصويت المفيد" في فرنسا الذي يلزم رمزياً الشيوعيين مثلاً على التصويت لمصلحة أي منافس لحزب "الجبهة الوطنية" المتطرف حتى لو كان نصيراً علنياً لرأس المال الكبير أو أن يكون هو نفسه من مضاربي البورصة الكبار. وحتى حين تعلق الأمر بمطلب "بناء الاشتراكية" نفسه، قيل للحمر إن من الواجب الالتحاق بالركب الأزرق "اليساري التقدمي الليبرالي" انتهازياً لأنه هو من سيبني "القاعدة المادية اللازمة" لتجاوز الرأسمالية... الخ. انتهى هذا الانخراط إلى الانحلال التام للحركة العمالية التي لطالما حافظت على استقلالها تجاه الأحزاب السياسية، في مقولات ومشاريع وخطط الاشتراكيين الديمقراطيين أو من يسميهم البعض اليوم بـ"مديري أعمال رأس المال الكبير اليساريين".

رغم ذلك، فإن من المفيد للغاية أن يتم كسر حاجز الصمت الذي يلف قضايا الاضطهاد والعبودية والأقليات والعنصرية والإجهاض والثقافة القومية... وغيرها وأن توضع على بساط نقاش رصين لا علاقة له بالديماغوجيا المتطرفة التي يمارسها اليساريون واليمينيون في أجواء أكثر صحية لا تفترض مسبقاً التسليم الناجز بوجهات النظر المقابلة ولا تعتبر خوض الجدل وتقديم الحجج العقلانية والمقارعة في ميدان الكلمة أمراً نافلاً في مسائل قررت "السلطة" أنها باتت من الماضي بإيعاز من إيمان أسطوري بأن للتاريخ معنىً ما محدداً وبأنها (السلطة) أمينة على توفير شروط تحقيقه.

لكن، ما هي المناسبة المحددة لكل هذا الكلام؟

وردت في المقطع الأول عبارة "جدل جديد بدأ على مواقع التواصل الاجتماعي... الخ"؛ يتعلق الأمر بمقابلة مع الفيلسوف الفرنسي الشاب رافائيل إنتوفين Raphaël Enthovenالذي طالته بين آخرين اتهامات صحافية وصفتهم جميعاً بـ"الرجال البيض والمثقفين الإعلاميين" وذلك في معرض الدفاع عن ناشطة وصحفية فرنسية تدعى رقيّة ديالو Rokhaya Diallo يمكن اعتبارها صورة مثالية لإيديولوجيا الضحية التي تمارس مع أنصارها في الإعلام والفضاء العام والدوائر الجامعية رقابة شديدة على حرية التعبير. وقد اخترنا ترجمةاللقاء الذي أجرته "لوبوان" مع إنتوفين يوم الثلاثاء 4 أيلول/سبتمبر 2018.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

صنفك الصحافي في صحيفة "لوموند" حميدو آن بين "أولئك الرجال البيض، مثقفو وسائل الإعلام" الذين يقدمون رقيّة ديالو فريسة لمتابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي ويقومون بـ"إعدامها إعلامياً دون محاكمة"...

إن المفردات المستخدمة هنا غير بريئة، بل عنصرية وشائنة. التعامل مع آرائي وفقاً للون بشرتي عنصري. إن الحديث عن "فريسة" أو "إعدام دون محاكمة" أو حتى "تحرش" (في وصف دعوات مهذبة للنقاش) أمر شائن. يشعر المرء في هذا النص (المنشور في "لوموند") بوجود. نشعر في هذه المقالة برقابة حاقدة لا يمكن تبريرها. يصرح الكاتب في مقدمة النص أن السيدة ديالو "تزعج"، غير أن رقيّة ديالو لا تزعج أي شيء على الإطلاق! تصريحاتها (التي يمكن التنبؤ بها جميعاً) حول مواضيع مثل لون الضمادات الطبية والاتهام المنهجي لكل من يحاورها ويختلف معها ويكون أسود البشرة بأنه يلعب دور "خادم زنجي" والعناد في تقديم نفسها كضحية لتحالف "الجمهورية والسلطة البيضاء" المقدس، يحولها كل ذلك إلى وزن ثقيل في الكفاح من أجل المساواة ومناهضة العنصرية. الأسوأ من ذلك (دون رغبة في اتهامها بما اتُهمتُ به) هو أن الوحيدين الذين أعلنوا بعد انتصار فرنسا في كأس العالم أن الفائز بالكأس في الواقع كان إفريقيا هم من الهوياتيين البيض (ليحزنوا من ذلك) والهوياتيين "المُعنصرين" (كما يصفون أنفسهم) ليفرحوا بذلك...

ربطتك المقالة بحركة "الربيع الجمهوري" الموصوفة بأنها "جمعية هوياتية". لكنك لست عضواً في هذه الحركة...

بالطبع لا. لست عضواً في "الربيع الجمهوري" ولقد شرحت ذلك بالفعل في مقابلة مع مجلتكم. وليعذرني من ينتقدني، لكن ما هو مثير للاهتمام هو ضيق الصدر الذي يشهد عليه هذا النوع من الخلط. هما شخصان متمايزان ولا يتفقان على كل شيء؟ وماذا يهم ذلك! لن نزعج أنفسنا بهذه التفاصيل الدقيقة! لنضعهما في السلة نفسها والشاطر يدقق وراءنا. إنتوفين = الربيع الجمهوري = اليمين المتطرف. إذاً، إنتوفين = اليمين المتطرف... وهو المطلوب. تبسيط مقدّس وقسمة العالم إلى أبيض وأسود... بدلاً من أن تقدّم هذه المقالة لقرائها تمييزات يمكن أن تساعد في فهمهم، فإن هدفها الوحيد (وهدف كل ما يشبهها) هو تحطيم الفروق الدقيقة وجعل الخصم متجانساً. عندما نقرأ حكمة بيرغسون المدهشة التي تقول "لا نرى الأشياء بنفس الطريقة، بل نرى فقط العلامات التي ألصقناها بها" فإننا نعود إليها على الدوام. فهل هي استراتيجية أم مجرد وهم بصري؟ هل يكون الأشخاص الذين يصنفون خصومهم بهذه الطريقة (حتى لو خاطروا بتزوير آرائهم أو انتقادهم على ما لم يقولوه) استراتيجيين يقومون بتحييد خصمهم عن طريق تصنيف ما يقوله في إطار انتماء مزعوم أم أنهم مصابون بقصر نظر لم يعد بإمكانهم، انطلاقاً من موقعهم المتطرف، التمييز بين النقد والإساءة؟ لا يمكن أن نتخذ قراراً حول ذلك، لكن النتيجة هي نفسها: يهين الجميعُ الجميعَ ولا أحد يناقش.

كتبت على "تويتر" أنه "حوار طرشان بين من يريدون الحوار ومن يعتقدون أن للألوان آراء"...

لقد تمت تغطية المواجهة المثيرة بين رؤيتين لمناهضة العنصرية من خلال الصدمة العقيمة لمنهجين: الأول جمهوري يتضمن مناقضة الخصم والتفكير خارج إطار لون بشرته؛ الثاني هوياتي يتضمن نزع الأهلية عن عدو يتم في حال تباين المواقف تصنيف رأيه بحسب لون البشرة. وبذا فمن المستحيل أن يتفاهم الطرفان! بين أشخاص ينددون بشكل منهجي بالهجمات العنصرية التي تتعرض لها السيدة ديالو أحياناً (ولا ينسون أن مرتكبي هذه الهجمات هم أعداؤنا المشتركون) وبين أنصار السيدة ديالو الذين (على حد علمي) سيقطعون ألسنتهم قبل أن تدافع عن خصومهم إذا دعت الحاجة... لذا فاللعبة غير متوازنة. لا يمكننا أن نكون مع الطرفين في آن واحد. لا يمكن لمنطق النقاش الذي يسود الغالبية العظمى من صفوف المعسكر الجمهوري أن يجد أي أرضية اتفاق مشتركة مع منطق التمثيل الذي تندرج ضمنه في فرنسا معاداة عنصرية هي بدورها عنصرية. وما يجعل الأمر مؤسفاً أكثر بعد هو أن يكون من الواجب تقديم تنازلات كثيرة من كلا الجانبين!

ولكن، كما توضح المقالة، فإن رقيّة ديالو هي فعلاً ضحية للعنصرية على الشبكات الاجتماعية...

لا أحد ينكر ذلك! بالنسبة لي -ومن السهل التحقق مما أقول- أقوم بشكل منهجي بحذف أي شخص ينخرط في تعليقات عنصرية موضوعياً ضد رقيّة ديالو كالقول مثلاً "عودي إلى بلدك في بنين" أو "اخرسي أيتها الزنجية!". رأيت ذلك كثيراً ولم أدع ذلك يمر أبداً، وأكتب إلى هؤلاء المعلقين فيما بات تقريباً صيغة اعتيادية مكررة: "أفضل رفقة خصوم مثلها على رفقة أنصار مثلكم". ليس هناك ما هو أوضح من ذلك. إن العنصرية التي تتعرض لها ديالو عنصرية قديمة وغبية تماماً ويعاديها الجميع. ولكن هناك فرقاً بين التعرض لهذه الهجمات (والسيدة ديالو تواجه ذلك بشجاعة) وبين استغلال الهجمات التي نتعرض لها في تفادي الإجابة على الانتقادات الحقيقية (وهو ما تقوم به السيدة ديالو سراً). هنا نكون في صميم نزعة الضحية ومحاكمة النوايا: التعامل مع جيل كلافرول أو لوران بوفيه باعتبارهما من "العنصريين البيض"، كما يحاول أحياناً نشطاء بليدون، سخيف بقدر ما كان سخيفاً أيضاً القول إن شوكولاه Galakالبيضاء هي شوكولاه عنصرية.

في اليوم ذاته، ظهرت مقالة أخرى في صحيفة "ليبراسيون" كتبتها المخرجة ليما دوميناك وتحتج فيها على وجدك في المحاضرات الصيفية المخصصة للحديث حول النسوية في 13 و14 أيلول/سبتمبر...

هذا ليس جديداً. دعيت كذلك "معهد الدراسات السياسية" في باريس مع أورور بيرجي ولورانس روسينيول وإيليزابيت ليفي وبيار أوليفييه سور لمناقشة "الموت عبر الإنترنت على الشبكات الاجتماعية". اغتاظت "نسويات" معهد الدراسات السياسية (ولكن لماذا؟) من وجودي ومن وجود إيليزابيت ليفي (وهو في رأيي مفهوم أكثر رغم أنه ليس مبرراً) وهددن بشكل واضح للغاية بالتشويش على النقاش. خاف المسؤولون عن المناقشة وقاموا بإلغائها. بعد أسبوع، دعيت إلى برلمان اتحاد والونيا-بروكسل للنقاش مع مجموعة كان بينها ساندرا مولر التي أطلقت حملة #افضحي_خنزيرك. واجهت الانتقاد ذاته والضغوط ذاتها لمنع هذا "الفاشي الأبيض كاره النساء المدعو إنتوفين" من الكلام، لولا أن البلجيكيين هم أقل جبناً من "معهد الدراسات السياسية" في باريس. وقد قدّم رئيس اتحاد والونيا-بروكسيل خطاباً نموذجياً وفولتيرياً أعرب فيه عن أسفه للمقاطعة والرقابة المخيبة للآمال، ثم تناقشت مع ساندرا مولر ولم نكن متفقين، ولكننا قبّلنا بعضنا في النهاية. عالم أفضل ممكن (يضحك)!

"يجب أن نتجنّب انحراف تنظيف حظيرة الخنزير باتجاه التطهير"... ما الذي يوحيه إليك هذا النداء الجديد فيما يتعلق بمنعك من نقاش حول النسوية؟

مزاجي ليس مزاج ضحية. لا أحب التلويح بجروحي أو أن أستفيد من الظلم الذي يقع علي، ولذلك، بصراحة، فإن هذا الأمر يزعجني. لا أحب الفائدة التافهة التي تعود علي من ذلك. لكن في نفس الوقت، بالنسبة لي كأستاذ في الفلسفة، فإن من المبهج أن يقوم بالرقابة على خطاب ما خطاب آخر يرى نفسه أكثر تسامحاً من ذلك الذي يمارس الرقابة عليه! ودون أن يقع المرء في العنصرية، أقول إن هذا النوع من التناقض يشبه العثور على الكمأة البيضاء(1).

لكن هل يمكن للمرء أن يكون نسوياً وهو ينتقد في الوقت نفسه الدعوات إلى "الكتابة الشاملة"(2) و"المانسبريدينغ"(3) و#افضحي_خنزيرك؟

من الضروري أن نعود مرة أخرى إلى النص المنشور في الصحيفة والذي يقول أولاً بطريقة أسود وأبيض (فيما يخصني) أن "آرائي التي أقولها على الراديو هي صفعات في وجه النسويات". وهذه استعارة غير تافهة تهدف إلى تصنيفي ضمنياً في معسكر الرجال الذين يمكنهم تلقيم الصفعات. لكنني لا أصفع لا حرفياً ولا مجازياً النساء (أو النسويات). كنت لأقطع يدي قبل ذلك. خلال ثلاث سنوات من العمل في إذاعة "أوروبا 1"، كان أكثر ما تم الحديث عنه مداخلتان قمت بهما تعلقت أولاهما بأولئك القذرين الذين ضربوا ناشطات "فيمن" في تظاهرة "صالون المرأة المسلمة" والثانية حول برتراند كانتان(4). ربط اسمي بفكرة صفع النساء أمر بغيض. كما تقول دومينيك بينهارد "أرغب في صفعها" (يضحك).

أما بالنسبة للكتابة الشاملة فقد أكدت فعلاً إنها "عدوان على النحو من قبل النزعة المساواتية". وهذا لا يجعل مني مؤيداً لعدم المساواة، بل خصماً للنزعة المساواتية، أي: خصماً لمحاولة أورويل الهادفة إلى غرس الفضيلة والمساواة بشكل خبيث من خلال إصلاح عمودي لقواعد الإملاء. إن تطور وتغير اللغة أمر طبيعي وأنا أول من يؤيد ذلك، لكن التفكير بتعديل اللغة عبر مرسوم (وبواسطة حكم أخلاقي) يتبدى، في رأيي، عن طموح استبدادي يتستر خلف النضال من أجل المساواة بين الرجل والمرأة.

فيما يتعلق بـ"المانسبريدينغ"، تشرح كاتبة المقال أنني قدمت هذا الموضوع كمفهوم جنسي، بينما -وآسف أن أقتبس نفسي- شرحت في مقالي أن الـ"المانسبريدينغ" هو "الحد الأقصى لقلة أدب ذكورية عادةً تتعلق بالجلوس في المترو وفتح الساقين في تجاهل تام للفتاة الجالسة بجانبه". أضفت ببساطة أن كلمة "مانسبريدينغ" هذه تستثني 1٪ من النساء اللواتي يشاركن أيضًا في هذه الممارسة، وأنها بوصفها كذلك، كلمة ذات طابع جوهراني. هذا كل شيء! إنه أمر ذو طابع جوهراني كما هو الحال أيضاً في القطارات حيث يرتبط الرمز الذي يشير إلى طاولات تغيير حفاضات الأطفال وبشكل منهجي بمراحيض النساء. قد يكون هناك 1٪ من الرجال يغيرون حفاضات أطفالهم (وهم ينقذون شرفنا)، حسناً، لكن هذا ليس سبباً لإضفاء صبغة جوهرانية على سلوك أنثوي متكرر. من ناحية، فنحن نرهن النساء إلى الأبد لمهمة تغيير الحفاضات، وهو أمر شنيع، ومن ناحية أخرى، يتم تصنيف الرجال باعتبارهم الكائنات الوحيدة قليلة الأدب، وهذا غير صحيح. لا شيء كاره النساء في هذه الملاحظات.

أخيراً، فيما يتعلق بـ"#افضحي_خنزيرك"، قلت إن هذه الحملة كانت ضرورة ديمقراطية. أن يتم رفع النقاب عن السفالات اليومية التي تقع النساء ضحيتها، والابتزاز والإذلال والمدراء الفاسقين في العمل، والبلطجية الذين يريدون "مسك الفتيات من فروجهن"، والضعفاء الذين يطلبون منهن إخفاء وجوههن، والمغتصبون الذين يقولون إن الفتيات يمارسون الجنس للترقي في مهنهن... كل هذا رائع! كان الجانب السلبي الوحيد، في رأيي، هو الخطر المتمثل في أن الكلام الفاضح لهذه القضايا سيصبح هو ذاته كلاماً مغلقاً بقاضي بلا محاكمة ولا يفرق بين جان كلود دوس وفريدريك أزيزا وطارق رمضان وهارفي وينشتاين... عندما يعيّن الخصم نفسه قاضياً ويعتبر، في تحدِّ لقرينة البراءة، أن من الممكن أن نضحي ببعض الأبرياء في معرض التشهير بغالبية من الخراف السوداء، فإن هذا يشبه أسلوب الخمير الحمر (الذين كانوا يقولون "من الأفضل وضع بريء في السجن بدل ترك مذنب حراً"). وإن أي شخص مرتبط مثلي بهذا الشعار عليه أن يمنع أن ينحط تنظيف حظيرة الخنازير إلى أن يصبح تطهيراً.

أنت نسوي إذاً؟

أنا نسوي بحزم! غريزياً. فالتحيز الجنسي، مثل العنصرية أو معاداة السامية، قضية تهم الجميع، رجالاً ونساءً. لقد كنت دائماً وسأظل دائماً وفي كل مكان أدافع عن حقوق المرأة ضد أولئك الذين يودون سحقهن، ولكن أيضاً ضد أولئك الذين، تحت ذريعة الدفاع عنهن، يحاربون الإجهاض أو يتركون النساء الإيرانيات لمصيرهن. إن نسويتي ومناهضتي للعنصرية كونية لن يكون من سبب لوجودهما يوم لا يعود الجنس ولون البشرة في المجتمع ميزة أو عائقاً. هذا ليس خطاب رجل أبيض. كم وددت لو أكون امرأة سوداء لأتمكن من قول الشيء نفسه بالطريقة نفسها وأن نتوقف عن مضايقتي بالنظر إلى جنسي أو لون بشرتي. لكن لا أحد مثالي.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

(1) من الصعوبة بمكان العثور على الكمأة البيضاء في فرنسا. ما يريد إنتوفين قوله من خلال عبارة "العثور على كمأة بيضاء" هو أن على المرء حتى يقع في هذا النوع من التناقض الصارخ أن يعمد إلى نوع من المعجزة غير الموجودة أو صعبة الحصول للغاية. وهو استخدم الكمأة "البيضاء" في نوع من السخرية على تركيز خصومه الهوسي على ألوان الأشياء.

(2) التي تعمد إلى تصحيح أو تنقية ما تعتبره "تمييزاً وعنصرية" جنسية أو عرقية... الخ في اللغة والكتابة.

(3) مصطلح نسوي يشير إلى سلوك بعض الرجال في مرافق النقل العامة ويتمثل في الجلوس وتمديد السيقان واحتلال مساحة أكبر من تلك المخصصة لمقعد واحد... ومضايقة النساء.

(4) مغن "يساري" فرنسي شهير (54 عاماً) قتل زوجته بـ19 ضربة سكين بينها 4 في الوجه عام 2003. في 2017، خصصت له مجلة Les Inrock اليسارية الليبرالية عدداً خاصاً انتقده بشدة رافائيل إنتوفين.