© كاترين دونوف (رويترز)

ترجمة: علاء خزام

هنا نص البيان الكامل الذي نشرته صحيفة "لو موند" الفرنسية في 9 كانون الثاني/يناير 2018 وحررته ووقعت عليه 100 سيدة فرنسية بين ممثلات وأديبات وكاتبات وصحافيات وطبيبات، يدين اتجاهاً "نسوياً"، بات سائداً منذ الكشف عن فضائح الاعتداء الجنسي في 2017، يميل إلى خلق معارضة جوهرانية مع الرجل وتقييد المرأة في صفتها الطبيعية الأولى.

موقعات البيان يؤكدن أن الغزل الذي ليس في مكانه والمجاملات الخرقاء وحماقات التحرش الجنسي (التي يتوجب انتظار أن تبت فيها السلطة القضائية المخولة) لا يجب أن تقلب كيان المرأة النفسي وتجعلها تقع في براثن الصدمة وتدفعها إلى الاعتقاد السهل بدورها كـ"ضحية أبدية"، وذلك في عالم يتدهور شيئاً فشيئاً إلى درك الفصل العنصري "الرمزي" بين البشر على أساس ألوانهم وأجناسهم وأديانهم... الخ. هنا، إذاً، صوت مختلف أثار ردود أفعال معارضة.

بالمقابل، يمكن تسجيل 3 اعتراضات إجرائية على البيان:

1- توجد ربما لدى المحررات رغبة في التقليل من فداحة الأفعال التي تمارس في أماكن العمل بين الزملاء أو بين الموظفات ورؤسائهن ولا تندرج في إطار الاعتداء الجنسي الواضح (كالاغتصاب مثلاً). فإذا كان "التحرش" البسيط من مجهول في المترو ليس أمراً خطيراً للغاية (رغم أنه مدان)، فإن الملاطفة الملّحة أو "الخرقاء"، على حد قول البيان، في أماكن العمل قد لا تنحد في لمس الركبة أو سرقة القبلة... إلخ "لمرة واحدة"، والإلحاح يمكنه (حتى لو لم يكن مترافقاً مع فعل أخرق) أن يتحول جحيماً حقيقياً بين أفراد يلتقون يومياً بحكم عملهم.

2- لا شك أن كثيراً من الغموض يلفّ مفهوم "المغازلة الخرقاء" وأن القضية كلها تنحصر تحديداً في توضيح الفروق: بعد كم "لا" ترد بها سيدة على "ملاطفة خرقاء" يمكن اعتبار هذه الأخيرة بمثابة اعتداء أو تحرش؟ كم لمسة لركبة أو غيرها يمكن للمرأة أن تتحمل قبل أن تتوجه إلى الشرطة وتشتكي؟ مرة أخرى، وإن تكن نوايا المحررات والبيان واضحة في مواجهة المد الهوياتي وثقافة الضحيّة للأقليات، فإن في النص علامات مبهمة وفراغات تترك مجالاً واسعاً للمتصيدين من جماعات اليسار الثقافوي للتشكيك فيهن واعتبارهن ببساطة مروجات لثقافة ذكورية متفوقة على النساء.

3- اعتراض من طبيعة قانونية. يبدو أن البيان لا يأخذ بعين الاعتبار تمايز حضور مؤسسات الدولة المعنية (الشرطة خاصة) في ما يتعلق بقضايا التحرش الخطيرة بحسب اعتبارات هوية "الضحية": سيدات المجتمع البرجوازيات تؤخذن على محمل الجد فيما تترك العاملات الفقيرات لمصيرهن لفرط عدم الاهتمام بقضاياهن ولنا في مثال عاملات التنظيف في "محطة الشمال" الباريسية للقطارات خير مثال. ونتذكر جيداً أن نضال تلك العاملات المتحرش بهن واللواتي كان يتم استغلالهن بطرق غاية في الإهانة قد استمر 5 سنوات كاملة قبل أن يحكم القضاء أواسط تشرين الثاني/نوفمبر 2017 لصالحهن (لنلاحظ أن كاتبات وموقعات البيان جميعهن ذوات أوضاع اجتماعية واقتصادية تساهم في حمايتهن وفي فرض الجدية على الشكاوى التي قد يتقدمن بها. الأمر الذي يعيد إلى الواجهة الأهمية الحاسمة "في التحليل الأخير" للعامل الطبقي في مسائل الثقافة والحقوق... الخ).

أياً يكن الحال، هنا نص البيان:

"الاغتصاب جريمة، لكن المغازلة اللحوحة أو الخرقاء ليست فعلاً يعاقب عليه القانون، كما أن ملاطفة النساء ليست اعتداءً ذكورياً.

عقب قضية واينستين، ساد وعي مشروع بالعنف الجنسي الممارس على النساء، ولا سيما في السياق المهني، حيث يسيء بعض الرجال استخدام سلطتهم. كان ذلك الوعي ضرورياً. ولكن تحرر الكلام على هذه الممارسات يتحول اليوم إلى نقيضه: يطلب منا الحديث كما يجب والسكوت عمّا يُغضِب، ويتم النظر إلى اللواتي يرفضن الامتثال لأوامر كهذه باعتبارهن خائنات ومتواطئات!

ولكن ذلك سمة للنزعة التطهريّة بالذات، حيت تتم، باسم صالح عام مزعوم، استعارة حجج حماية النساء وتحررهن بغية تقييدهن بشكل أفضل في وضع الضحايا الأبدية والأشياء الصغيرة التعسة الواقعة تحت رحمة شياطين تعبد أعضاءها الذكرية، كما كان عليه الحال في الأيام الخوالي للشعوذة.

الشجب وعرائض اتهام

في الواقع، أدت metoo# في الصحافة وعلى الشبكات الاجتماعية إلى حملة من الشجب وأنتجت عرائض اتهام عامة ضد أفراد لم تتح لهم الفرصة للرد أو الدفاع عن أنفسهم ووضعوا على المستوى ذاته مع مرتكبي الاعتداءات الجنسية. هذه العدالة العجولة لها بالفعل ضحاياها، رجال عوقبوا بمنعهم من ممارسة أعمالهم، أو اضطروا إلى الاستقالة وما إلى ذلك، في حين أن خطأهم الوحيد لم يكن سوى لمس ركبة أو محاولة سرقة قبلة أو الحديث عن أشياء "حميمة" خلال عشاء عمل أو إرسال رسائل ذات دلالة جنسية لامرأة لا تبادلهم الانجذاب.

هذه الحمى المتمثلة في إرسال "الخنازير"(1) إلى المسلخ، وبعيداً عن مساعدة النساء على تمكين أنفسهن، تخدم في الواقع مصالح أعداء الحرية الجنسية والمتطرفين الدينيين وأسوأ الرجعيين وأولئك الذين يؤمنون أن النساء، باسم مفهوم جوهراني للخير وللأخلاق الفيكتورية التي تتضمنه، كائنات "ذات خصوصية"، كما لو كن أطفالاً ذوي وجوه الراشدين يطلبن الحماية.

في مواجهة ذلك، يرغم الرجال على محاربة ذنبهم والعثور، في أعماق أعماق وعيهم الماضي، على "سلوك في غير محله" يمكن أن يكونوا قد اقترفوه قبل عشرة أو عشرين أو ثلاثين عاماً وعليهم التوبة عنه. إن الاعتراف العلني والتعدي الذي يمارسه من نصبوا أنفسهم مدعين عامين في المجال الخاص هو ما ينشئ مناخاً للمجتمع الشمولي.

لا يبدو أن للموجة التطهريّة من حدود. فهناك، تمارس الرقابة على ملصقات للوحات إيغون شيلي (1890-1918) التي تصور عراة؛ وهنا، تتم الدعوة إلى إزالة لوحة لبالثوس (1908-2001) من متحف بحجة أن إبقاءها يمكن أن يعتبر دفاعاً عن الاعتداء الجنسي على الأطفال؛ وفي سياق الخلط بين الإنسان وإنتاجه، يُطالَب اليوم بحظر الحفل الذي قررته مؤسسة "سينيماتيك فرانسيز" لمسيرة رومان بولانسكي السينمائية ونحصل على تأجيل الحفل المكرس لجان كلود بريسو. سيدة أكاديمية تصف فيلم ميكلانجيلو أنطونيوني المعنون "Blow-Up" (1966) بـ"الكاره للمرأة" و"غير المقبول". في ضوء هذه المراجعات والتنقيحات، ليس جون فورد في فيلم "أسير الصحراء" (1956) أو حتى نيكولاس بوسين في لوحة "اختطاف السابينيات" (1637) بمنأى عن اتهامات شبيهة.

بعض الناشرين يطالبون بعضنا بجعل شخصيات الذكور في أعمالنا أقل "تحيزاً جنسياً" وبالحديث عن الجنس والحب بطريقة أكثر لياقة أو بجعل "الصدمات التي تعاني منها الشخصيات النسائية" أكثر وضوحاً! على حافة السخرية، يرغب مشروع قانون في السويد في فرض إخطار بالموافقة الصريحة للشخص الذي نود ممارسة الجنس معه! قليل من الجهد الإضافي وسيصبح من الواجب مسبقاً على شخصين راشدين يرغبان في النوم معاً وضع علامة في "تطبيق" على الهاتف الذكي بجانب قائمة الممارسات المرتبة بدقة التي يقبلان وتلك التي يرفضان القيام بها.

حرية الإساءة التي لا غنى عنها

كان الفيلسوف روين أوجين Ruwen Ogien يدافع عن حرية الإساءة التي لا غنى عنها للخلق الفني. وبنفس الطريقة، نحن ندافع عن حرية الإزعاج، التي لا غنى عنها للحرية الجنسية. ويطلب منا اليوم بما فيه الكفاية أن نعترف بأن الغريزة الجنسية هي بطبيعتها مزعجة وهمجية، ولكننا كذلك متبصرات بما فيه الكفاية كي لا نخلط بين المغازلة الحمقاء والاعتداء الجنسي.

نحن ندرك على وجه الخصوص أن الإنسان ليس بنية متجانسة: يمكن لامرأة ما قيادة فريق محترف، وفي اليوم نفسه الاستمتاع بكونها موضوعاً جنسياً لرجل ما، دون أن تكون "مومساً" أو متواطئة شريرة مع النظام الأبوي. تستطيع هذه المرأة أن تناضل ليكون راتبها مساوياً لراتب الرجل، ولكن دون أن تشعر بصدمة أبدية إذا ما تم الاحتكاك بها في المترو، حتى لو كان ذلك تصرفاً يعاقب عليه القانون. يمكنها حتى أن تنظر إلى هذا الفعل كتعبير عن بؤس جنسي كبير أو حتى باعتباره لا شيء (لا يرقى حتى إلى أن يكون "حدثاُ" non-événement).

وبصفتنا نساءً، فإننا لا نرى أنفسنا في هذه النسوية التي، فيما عدا إدانة انتهاكات السلطة، تكتسي طابعاً كارهاً للرجال وللجنس. ونحن نعتقد أن حرية قول "لا" لعرض جنسي لا تخلو من حرية الإزعاج ونعتبر أن من الواجب معرفة الطريقة التي نرد بواسطتها على حرية الإزعاج هذه دون أن ننغلق في دور الفريسة.

بالنسبة إلى اللواتي اخترن أن ينجبن أطفالاً، نرى أنه من الحكمة تربية بناتنا بحيث يكنّ واعيات وعلى معرفة كافية ليعشن حياتهن دون أن يتعرضن للتخويف أو يشعرن بالذنب.

إن الحوادث التي يمكن أن تصيب جسد المرأة لا تطال بالضرورة كرامتها ولا يجب بالضرورة أن تجعل منها ضحية دائمة رغم الصعوبة الكبيرة للقيام بذلك أحياناً وذلك لأننا لسنا قابلات لأن نقلّص إلى أجسامنا. لا يمكن انتهاك حريتنا الداخلية. وهذه الحرية التي نعتز بها لا تخلو من المخاطر أو المسؤوليات.

(1) في إشارة إلى balance_ton_porc#، الاسم الذي اتخذته في فرنسا حملة إدانة الاعتداء الجنسي والذي يعني "افضحي خنزيرك".

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

كاتبات هذا النص هن: سارة شيش Sarah Chiche (كاتبة وطبيبة نفسانية ومحللة نفسية)، وكاترين ميليه Catherine Millet (ناقدة فنية وكاتبة)، وكاترين روب-غرييه Catherine Robbe-Grillet (ممثلة وكاتبة)، وبيجي ساستر Peggy Sastre (كاتبة وصحفية ومترجمة)، وأبنوس شالماني Abnousse Shalmani (كاتبة وصحفية).

انضمت إلى هذا البيان: كاتي أليو Kathy Alliou (مساعدة اجتماعية)، ماري لور برناداك Marie-Laure Bernadac (أمينة عامة فخرية)، ستيفاني بلاك Stéphanie Blake (مؤلفة كتب للأطفال)، إنغريد كافين Ingrid Caven (ممثلة ومغنية)، كاترين دونوفCatherine Deneuve (ممثلة)، غلوريا فريدمان Gloria Friedmann (فنانة تشكيلية)، سيسيل جيلبير Cécile Guilbert(كاتبة)، بريجيت جاك-فاجمان Brigitte Jaques-Wajeman (مخرجة)، كلودين جونيان Claudine Junien (اختصاصية بعلم الوراثة)، بريجيت لاهاي Brigitte Lahaie (ممثلة ومقدمة إذاعية)، إليزابيث ليفي Elisabeth Lévy (مديرة تحرير مجلة "Causeur")، جويل لوسفيلد Joëlle Losfeld (ناشرة)، صوفي دو منتون Sophie de Menthon (رئيسة حركة ETHIC)، ماري سيلير Marie Sellier (مؤلفة ورئيس جمعية أهل القلم)