حين يتوضأ الساسة بماء الانتخابات، و يستقبلون قبلة البرلمانات، و يأمون الشعوب تحت قبب الحكومات، آنذاك يؤذن الإعلام للصلاة، فتخشع من المصلين الأصوات، و تنصت خاضعة للقوانين المتلاة، و تعلن الولاء للحكام و الولاة.

لكن كما أن للحكم أركانا لا يستقيم بدونها، و شروطا لا يطلب بدونها، له أيضا نواقض و مبطلات، غير أنها في مجال السياسة قد لا تجيز إعادة الصلاة.

و في المغرب، كان للربيع العربي شكل آخر، فآثر المغاربة التغيير عبر صناديق الاقتراع، فصوتوا على ” حزب العدالة و التنمية” الإسلامي أملا في غد أفضل، سيما أن شعار المرحلة كان ” صوتك فرصة ضد الفساد و الاستبداد “، و تزامن ذلك مع أول دستور للمغرب بعد الربيع العربي و الذي عوض مؤسسة ” الوزير الأول ” بمؤسسة ” رئيس الحكومة ” بصلاحيات أوسع.

بدأت السنون تمضي تباعا، و أحوال المغاربة تزداد سوءا و ضاقت بهم أرض المغرب بما رحبت، حيث أن ” الإسلاميين ” رفعوا الدعم عن الفقراء بإلغاء ” صندوق المقاصة ” الذي أسسه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله لدعم الطبقة الفقيرة، كما رفعوا الدعم عن المحروقات ليحرقوا آمال الشعب في العيش الكريم، فاشتعلت الأسعار و التهبت الأسواق، و جمدت الرواتب، و توقف التشغيل و جمدت المناصب، و تدهور التعليم بالخوصصة و بالتعاقد، و كذلك الصحة أو أسوأ حالا، أما العدل فيشكو فسادا و استبدادا و رشوة و محسوبية أكثر من العهود الماضية، يحدث هذا في عهد ” الحكومة الإسلامية “.

مضت الولاية الأولى و الشعب المغربي يرزح تحت ضغط الفساد و الاستبداد الذين سقطا من شعار الحزب الإسلامي ليرويا الأرض التي أثمرت مسؤولين عاثوا فيها فسادا و نهبا لثروات البلاد و العباد، و مرت السنة الأولى من الولاية الثانية للحكومة الإسلامية و الأوضاع تزداد سوءا، و المواطن يرى ثروة هائلة تتداول بين الساسة التجار أمام عينيه و هو لا يملك منها ما يسد به رمقه و يذهب غيظ نفسه.

و حين خرج هذا المواطن البئيس محتجا، انهالت عليه الحكومة بعصي القمع و السجن و مارست عليه كل أشكال ” إرهاب الدولة “، فهداه ذكاؤه إلى خلق نوع جديد من الاحتجاج، فصوب سهام مقاطعة السلع إلى ثلاثة رؤوس للفساد و الاستبداد و هي شركة ” أفريقيا للغاز ” و شركة ” سنطرال دانون ” و شركة ” سيدي علي ” للماء المعدني، و أعلنها حربا لا هوادة فيها، لكن الحكومة المفترض فيها أنها صديقة للشعب الذي أبلغها مركز القرار و صدارة المشهد السياسي، غطت في سبات عميق نقض وضوءها الذي هو عهدها و ميثاقها الذي عاهدت عليه الشعب غداة الربيع العربي.

ثم استفاقت الحكومة الإسلامية على خسائر تكبدتها الشركات الثلاث، فبدأت تهذي بكلمات السب و الشتم للمواطنين من قبل ” المداويخ ” و ” الخونة” فأجابها المواطنون بحضارة و وعي عن طريق استمرارهم في المقاطعة.

و هاهي المقاطعة تدخل شهرها الثاني و تتحول إلى أداة سياسية قوية بيد المواطن، فأحسن استعمالها، و وجه سهامها إلى كل من أخذ منه عزته و كرامته و على رأسهم حكومته التي نقضت حكمها فبطلت صلاة ” محاربة الفساد و الاستبداد “.

إن نواقض حكم العدالة و التنمية بالمغرب تمثلت، إضافة إلى نقض وضوء العهد، في اصطفاف الحكومة إلى جانب الشركات ضد إرادة الشعب و المواطن، و استخدامها للغة التهديد و الوعيد ضد شعب ” المداويخ”، و لن تهدأ ثائرة المقاطعين حتى يطيحوا برؤوس الفساد ممن نقضوا العهد، و يؤسسوا لمغرب جديد طاهر طهارة المقاطعة.