بدأت العشرية الثانية من الألفية الثالثة بما عرف ب "الربيع العربي"، كان مستهلها من تونس ب"ثورة الياسمين" تعبيرا عن رفض الشعب التونسي لغطرسة حكامه، و فاض الكأس بإحراق " البوعزيزي " بائع الياسمين لنفسه بعد صفعة من شرطية، فخرج الشعب إلى الشارع محتجا في تجاهل من النظام ثم قمع للثورة، فما زاد ذلك الطين إلا بلة، و الأوضاع إلا سوءا، فغادر المواطنون بيوتهم و سكنوا الشوارع، ثم التقت الجموع في سيل بشري جارف جرف الحكام خارج حدود البلاد، و بدأ التأسيس لدولة تونس الحرة المتطلعة إلى الرقي و الازدهار.

ثم إلى مصر حيث البيوت خالية من أهلها الذين سكنوا الخيام في ميدان التحرير، و احتشدت الحشود في جمع غفير، و سبق الترغيب الترهيب لينزل حرس القصر الجمهوري بخيلهم و ركابهم و يدوسوا بها رقاب الثوار، فما كان من الجيش إلا أن أعلن الدفاع عن الشعب ضد الحكام، فتم أسر الرئيس حسني مبارك من أجل محاكمته، و تولى الجيش زمام الأمور ليعلن عن انتخابات حرة شفافة أسفرت عم صعود الإسلاميين و تنصيب الدكتور مرسي رئيسا شرعيا لمصر، لكن الأمر لم يدم طويلا حيث انقلب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، المعين من طرف الرئيس، على رئيسه بجمعه توقيعات من الشعب بعزل الدكتور مرسي من سدة الحكم، و لتسرق الثورة المصرية و توأد في المهد.

وتغلي بعد ذلك ليبيا لتأتي على نظام معمر القذافي، و تغرق البلد في حمام من الدم لم يسلم منه الرئيس فغرق فيه بعدما تم القبض عليه و قتله، و أضحت الأرض الليبية حصيدا كأن لم تغن بالأمس، فبدأ الشعب بريها بالمساواة و العدل و الكرامة و الحرية مع ما يعترض ذلك من عقبات و مشاكل سياسية كبيرة، عسى أن يجني ثمار الرخاء و الرغد.

و لم تسلم اليمن من رياح " الربيع العربي " التي عصفت بحكم الرئيس علي عبد الله صالح، لتشمر الأكف عن سواعدها لإعمار اليمن من جديد، لعهد جديد يشهد نماء و تطورا بعد تدهور و انحطاط.

و لا تزال سوريا تتخبط في الحرب الأهلية، و السبب راجع إلى تدخل القوى الأجنبية و العربية الجارة في شؤون البلد، فهذه أوربا و أمريكا من جهة، و هذا حزب الله يساند حزب البعث من جهة ثانية، و ها هو الصمت العربي من جهة ثالثة يخرج الشعب السوري من أرضه باحثا عن ملاذ آمن.

و في المغرب قامت ثورة "20 فبراير " لتعم كل أرجاء البلاد ممثلة، في فسيفساء، كل أطياف الشعب من إسلاميين و يساريين و يمين و وسط، فخرج الملك محمد السادس إلى شعبه في خطاب امتص به غضبه و لبى مطالبه في دستور جديد، يؤسس لعهد جديد، و مغرب جديد، مع ملك شاب ينصت لنبض الشعب و يسارع في تلبيه طلباته، سيما أن الشعب المغربي متعلق بملكيته التي لم يعرف غيرها منذ عهد الملوك الأمازيغ. و صعد حزب " العدالة و التنمية " المغربي إلى سدة الحكم، و تشرف أمينه العام عبد الإلاه بن كيران بلقب أول " رئيس حكومة " بصلاحيات واسعة، و بدأ الحكم " الإسلامي " المنتظر طويلا من أجل مساواة و كرامة و عدالة اجتماعية، فما لبث الحلم أن تلاشى و تدهورت الأوضاع الاجتماعية، و بدأ الاحتقان و الاحتجاج، و ووجه بالقمع بمختلف الوسائل، غير أن الشعب المغربي، على عكس ما كان يتصور فيه، أبان عن حنكة و دهاء سياسيين عاليين، فلجأ إلى حرب باردة و ثورة هادئة، و أعلن المقاطعة الاقتصادية لرؤوس الفساد و الاستبداد، في حفاظ على ثوابته و مقدساته التاريخية، وفي تعنت انتحاري للحكومة، و المغرب بذلك كل يوم هو في شأن.

بعد هذا الحراك العربي الذي أوشك ربيعه على الانتهاء، بدأت الأجواء تسفر عن قدوم " الصيف العربي " مع ارتفاع حرارة الاحتجاجات، و نضج ثمار المطالب الاجتماعية، و حلول موسم الجني و الحصاد، و الآتي خريف يسقط أوراق الفساد و الاستبداد، يعقبه شتاء يروي العدل و المساواة و الحرية، ليزهر بعد ذلك العالم العربي في " ربيع دائم".