أرشد الشيخ إبراهيم السكران -ثبّه الله- إلى أنفع علاج لقسوة القلوب وإيقاظها من غفلتها بل وإحيائها بعد موتتها : العلاج لما يحيك في هذه الصدور هو مداواتها بتدبر القرآن ، بالله عليك تأمل في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ) ، هكذا تقدم الآية المعنى بكل وضوح (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ) ، ولكن ما الذي في الصدور ؟! 

في الصدور شهوات تتشوف ، وفي الصدور شبهات تنبح ، وفي الصدور حجبٌ غليظة ، وفي الصدور طبقات مطمورة من الرين (كَلّا بَل رانَ عَلى قُلوبِهِم ما كانوا يَكسِبونَ) ، وهذه الدّوامات التي في الصدور دواؤها كما قال تعالى : (قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ) ، فإذا شفيت الصدور وجدت خفة نفس في الطاعات ، وإذا شفيت الصدور انقادت للنصوص بكل سلاسة ونفرت من التأويل والتحريف ، وإذا شفيت الصدور تعلقت بالآخرة واستهانت بحطام الدنيا ، وإذا شفيت الصدور امتلأت بحمل هم إظهار الهدى ودين الحق على الدين كله .

وأعجب من ذلك إذا شفيت الصدور استقزمت الأهداف الصغيرة ، تلك الأهداف التي تستعظمها النفوس الوضيعة ، الولع بالشهرة ، وحب الظهور ، وشغف الرياسة والجاه في عيون الناس ، ترى كل ذلك حطام إعلامي ظاهره لذيذ فإذا جرب الإنسان بعضه اكتشف تفاهته ، وأنه لا يستحق لحظة من العناء فضلاً عن اللهاث سنوات ، فضلاً عن أن يقوم المرء بتحريف الوحي ليقال : فلان الوسطي الراقي الوطني التنموي الحضاري النهضوي التقدمي ، إلى غير ذلك من عصائب الأهواء التي تعشي العيون عن رؤية الحقائق .

وهل يمكن أن يكون تحريف معاني الشريعة لا صلة له بقسوة القلب ؟! أفلا تقرأ معي يا أخي قوله تعالى (وَجَعَلنا قُلوبَهُم قاسِيَةً يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ) .

على أية حال .. دعنا نُعِد قراءة آية الشفاء (يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ) ، يا ألله !! هل قال الله : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ) ؟ نعم إنه شفاء لما في الصدور ، هكذا بكل وضوح ، هذا القرآن يا أخي له سحر عجيب في إحياء القلب وتحريك النفوس وعمارتها بالشوق لباريها جلَّ وعلا ، وسر ذلك أن هذا القرآن له سطوة خفية مذهلة في صناعة الإخبات والخضوع في النفس البشرية كما يقول الله تعالى : (وَلِيَعلَمَ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَيُؤمِنوا بِهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلوبُهُم) ، فإذا أخبتت النفوس ، وانفعلت بالتأثر الإيماني ، انحلت قيود الجوارح ، ولهج اللسان بالذكر ، وخفقت الأطراف بالركوع والسجود والسعي لدين الله ، كما يصور الحق تبارك وتعالى ذلك بقوله : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلودُ الَّذينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلينُ جُلودُهُم وَقُلوبُهُم إِلى ذِكرِ اللَّهِ) ، لاحظ كيف تقشعر ، ثم تلين ، إنها الرهبة التي تليها الاستجابة ، وتلك هي هيبة القرآن .

ص ٣٩