• البث المباشر
  • آخر نشرة أخبار

nt© ويكيبيديا/أرشيف imec إحياءً للذكرى المئوية لولادة الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير (1918-1990)، أطلق "معهد ذاكرة النشر المعاصر" برنامجاً أسبوعياً يتضمن دعوة مفكرين للتعليق أسبوعياً على أرشيف نجم الفلسفة الماركسية الفرنسية الأشهر. هنا نص الكاتب الفرنسي فرانك دامور Franck Damour (العنوان منّا

التفصيل الذي يلفت عين الناظر إلى هذه الورقة المطبوعة بالآلة الكاتبة هو أن حرف Eالكبير في كلمة Eglise]كنيسة[ يبدو وكأنه ممحي. E شبحية، كما لو أن ما بقي من الـEglise بحرف كبير هو églises]كنائس[، أي مبانٍ مفرّغة من المعنى. ربما كان الأمر متعلقاً بعيبٍ في الآلة أو في شريط الطباعة كما كان الحال في أيام آلات "أندروود" و"ريمنجتون" و"جيبي" وغيرها. غير أن حرف E الممحي ذاك -لاحظوا أنه الحرف الوحيد المموه على طول الورقة- يمكنه أن يفضح تردد اليد حين أرادت تسمية تلك المؤسسة باسم Eglise. لا سيما أن بقية الورقة المطبوعة، بهامشها الكبير على اليسار وخطوطها المنتظمة والعدد المحدود من التصحيحات، تُظهر نصاً جاهزاً ومدعوماً بملاحظات دونت على كرّاس.

هذه الرسالة الشبحية شاهدٌ على ما كانته الكنيسة بالنسبة للويس ألتوسير. وهي قد تكفي وحدها كجواب على السؤال الذي طرحته مجلة Les Cahiers de Jeunesse de l’Eglise في واحد من الاستطلاعات التي تميزت بها منذ عام 1942: التساؤل حول مستقبل الكنيسة وجمع إجابات ليس فقط من كاثوليك، بل وبروتستانت وأرثوذكس ويهود وماركسيين وغير مؤمنين... أما السؤال الذي طرحته المجلة في مجلدها العاشر فيركز على الانحسار الاجتماعي للكنيسة في عالم ما بعد الحرب: "هل أُعلنت البشارة للبشر في عصرنا؟".

عبّر هذه المجلة عن حركة، عن حلقة صغيرة تجمعت حول شخص الأب الدومينيكاني موريس مونتوكلار Maurice Montuclardالذي جمع حوله، بعد تأثره بأحداث عام 1936، كهنةً وعلمانيين منخرطين في شكل من أشكال الحياة المجتمعية بهدف تجديد الكنيسة. عام 1946، استقر الناجون بينهم في أرض في ضاحية "كلامار" ]جنوب باريس[ غير بعيدة عن مبنى "الجدران البيض" الذي كان مقر إقامة إيمانويل مونييه Emmanuel Mounier وبعض الأعضاء في مجلة Esprit. تألفت هذه المجموعة من شباب تلقوا في الغالب تعليمهم في مدرسة أورياج Uriage]شكلها نظام فيشي العميل للألمان لتخريج الكوادر الوطنية[ وانخرطوا في صفوف المقاومة وكانوا منجذبين إلى مشروع مونتوكلار الفكري والروحي: إعادة بناء روحي لحضور الكنيسة بين البشر. كانت المرحلة حينها مرحلة يوتوبيات مجتمعية وتجارب تُمدّد خبرة المقاومة، كنزٌ من الحرية اكتشف فجأة، كما وصفته جيداً حنا أرندت. عملت شبكة "شباب الكنيسة" على نشر المجلة، غير أنها كانت مرتبطة على الأخص بحياة مجتمعية تنظم إيقاعها أوقات من التشارك والتكوين الروحي. وغالباً ما كنا نرى مونييه وعمّالاً كهنة وأحياناً هنري إيرينيه مارو Henri-Irénée Marrou أو الأب بيار. وكذلك، بدءاً من خريف 1947، لويس ألتوسير، الشاب الحاصل حديثاً على شهادة التبريز الجامعي والعائد بعد اعتقال دام خمس سنوات في معسكر "ستالغا"، "الأمير تالا" في مدرسة الأساتذة العليا أو الاسم الذي كان يطلق على طلاب المدرسة المرموقة "الذين يذهبون إلى القداس". كان ألتوسير يأتي مع رفيقته هيلين ريتمان-ليغوتين Hélène Rytmann-Legotien، وهناك كانت تناقش طرق إعادة بناء الكنيسة ومنحها موطئ قدم في العالم الحديث. وكانت مشاركة لويس الكثيفة الوافية في هذه المناقشات قد تسببت في أن يعهد إليه بكتابة المقال الافتتاحي للمجلد العاشر من المجلة.

لكن ألتوسير في تلك السنوات كان في طريقه إلى أن يغادر الإيمان الكاثوليكي، بعد أن اكتشف الشيوعية أثناء الحرب والتي بدت له أكثر وأكثر شكلاً أكثر اكتمالاً من الأخوة الكونية. وهكذا فإن نصه يصف الكنيسة من بعيد، مع نظرة سريرية: "لم تعد الكنيسة الحديثة في مكانها في عصرنا، وتتواجد الكتلة العظيمة من المؤمنين في الكنيسة لأسباب لا تعود في الحقيقة إلى الكنيسة". لقد أصبحت غريبة عن العالم، خارج "النضال". ومع ذلك، فإن نهاية النص تتخلى عن هذا التباعد حين يصف لويس "المجموعات الصغيرة النشطة" باعتبارها "وحيدة بشكل رهيب في عالم الكنيسة الهائل". لويس مفتون بهذا المسعى، لكنه يعتبره يائساً لأن مؤسسة الكنيسة تبدو له غارقة في الرأسمالية المحتضرة. لم يعد ألتوسير يؤمن بهذه القوى الروحية الخالصة، حتى لو كانت لا تزال تجذبه مقدمة إليه أخوة سهلة المنال ضمن تلك الأخوية في حي كلامار-الصغير.