© أرشيف imec

إحياءً للذكرى المئوية لولادة الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير (1918-1990)، أطلق "معهد ذاكرة النشر المعاصر" برنامجاً أسبوعياً يتضمن دعوة مفكرين للتعليق أسبوعياً على أرشيف نجم الفلسفة الماركسية الفرنسية الأشهر. هنا نص الفيلسوف إتيان باليبار Étienne Balibar (العنوان منّا):

قبلت بسرور، ولكن ليس دون قلق، دعوة "معهد ذاكرة النشر المعاصر" للمساهمة في هذه السلسلة المخصصة لتحية ذكرى لويس ألتوسير في مئوية ولادته، وبأن أقوم أنا بافتتاحها إذا ما فهمت الأمر بشكل جيد. لم أختر الصورة التي طلب مني التعليق عليها. وهي تقلقني وإن كنت لا أرفضها. يبدو فيها ألتوسير كما عرفته، غير أنني لا أتعرف عليه فعلاً فيها. أو بالأحرى: عايشت ألتوسير لسنوات؛ عملت وفكرت وأملت وتشاجرت معه. قضينا بضع عطلات معاً. زرته في المستشفيات والعيادات الطبية. ولكن هذه الصورة تجعلني أشعر بقوة كم كان فهمي له محدوداً. "مذكراته"، أي سيرته الذاتية التي لم يكملها يان مولير بوتان Yann Moulier-Boutang، وكذلك المحادثات وتبادل الذكريات مع أصدقاء آخرين وزملاء دراسة قدامى ورفاق، علمتني أشياء كثيرة، ولكن الجزء المبهم لم يزل قائماً، بل ونمى أيضاً. ما زلت أفكر في ذلك.

تبدو للوهلة الأولى صورةً تقليدية. ها هو المثقف، الأستاذ في "موقع عمله" (كان يحب هذا الوصف "المادي"). خلفه وأمامه، "وسائل إنتاجـ"ـه: كتب يبرز بينها واحد واضح يحمل اسم تولياتي Togliatti (رمز كبير للحزب الشيوعي الإيطالي الذي كان ربما يود أن ينضم إليه). هناك أيضاً عدد من مجلة ذات عنوان غير مفهوم (بالبولندية؟ كان قد تعلم في معسكر الاعتقال القليل من هذه اللغة السلافية، وكان فخوراً بذلك). رزمة أقلام. آلة كاتبة (من نوع "هيرميس"؟) كُتبت بواسطتها آلاف الصفحات العامة والخاصة، الأدبية والفلسفية والتربوية والسياسية والعاطفية (كان ألتوسير يطبع عليها طوال عدة ليال، ولم أر في حياتي قدرةً كهذه على كتابة سطور كاملة على لوحة المفاتيح). أعرف كل مجال العمل المتحمس هذا (studium). أما التفصيل الذي يستثيرني، punctum كما كان يقول بارت (وهو ما صادفته مرةً في منزله مع مجموعة من الطلاب)، فهو بالطبع تلك النظرة الغريبة: لمن يتوجّه بها؟ إلى المصور، ربما (صديق؟ صحفي؟ ناشر؟). غير مبتسم ولا قاسٍ. غير قلق، لا، ولكنه يبدو لي متحفزاً. ومن ماذا إذاً؟ من نفسه، من الآخرين، من المستقبل الذي "يستمر زمناً طويلاً" ربما (لا أعرف تاريخ الصورة، أفترض أنها من مطلع السبعينات أو حتى من الستينات: كان ألتوسير لا يزال نحيفاً حينها. لكن عمره الظاهري كان يتغير طوال الوقت بحسب حالته.

أخيراً، أرى في الصورة ما يزعجني: تبدو وكأنها تطلب إلى الناظر إليها (أنا) أن يقول شيئاً عنه، شيئاً مفقوداً. ماذا إذن؟ ما الذي يمكنه أن يكون مفقوداً لدى هذا النموذج من الإنسان الدارس الذي تغطي صورته هكذا مجال الرؤية؟ ينقص أمران: دفء الصداقة ولغز الجنون.

بالنسبة للأمر الأول، صحيح أنني شهدته وانتفعت منه دون قيود، بين آخرين عديدين، ولكن بطريقة فريدة. ما كان يميّز ألتوسير هو حديثه "الحصري" مع كل واحد من أصدقائه، حتى داخل مجموعة الطلاب والمريدين الصغيرة الذين تشكلت من حوله، وحتى في هذا المكتب نفسه. ومن هنا نشأت معجزة وغموض تدريس وتعاون كان على الفور يعكس الأدوار بيننا. لم يكن المُحاور بالنسبة إليهم مَعيناً للعقيدة أو أمين سر مشروع ما أو شخصيةً افتراضيةً، بل ذلك الآخر الذي يجب أن تأتي منه الفكرة، والذي يُطلب إليه سريعاً أن يشغل خلاياه الدماغية. دون "خطاب المعلّم"، دون تحليل، دون هستيريا، ويتحول خطاب "الجامعة" على الفور إلى بحث عن الفكرة الحقيقية من خلال "مصطلحات مشتركة". أما الجانب الآخر، الجنون، الذي نبحث عنه دون جدوى في هذه الصورة، فيجب استدعاؤه أيضاً. اكتشفت هذا الجانب في وقت مبكر جداً في شخصه، متردداً بين الإرهاب والشفقة أو إبقاء جنونه محظوراً (وذلك حين كان يقول لي: المجنون بيننا نحن الاثنين ليس أنا، بل أنت...). يختبئ الجنون أيضاً في هذه الصورة، موقظاً قلق الأيام السالفة: ولكن ما يفاجئني أكثر من ذلك هو الشعور الذي يتملكني من أن جنونه لا ينتقص من صداقتنا، حتى حين "يؤثر بعمق" في جميع أعماله. أو أنه، بعد ذلك، يكثفها.

هل أنا الوحيد الذي يشعر بذلك، الذي لا يريد ولا يستطيع أن يقسم، أن يفصل الأضداد؟ حين أنظر إليه هكذا وهو لا يزال ينظر إلي، أشعر برغبة فظيعة في أن ألتقيه وأخبره بآخر فكرة "نظرية" أو آخر مشروع "سياسي" نشأ في رأسي، حنين رهيب يتأتى من عدم قدرتي على القيام بذلك. وبالتالي، الشعور بشك رهيب حول مسألة ما إذا كان الأمر بالنسبة لي اغتراباً أو حريةً... ولكن مَن بين البشر يعرف أنه حر؟ ربما لا يكون ألتوسير، مع آخرين نادرين للغاية، سوى وسيطاً مميزاً في هذ السؤال الذي نطرحه على أنفسنا دونما نهاية. وهو سيكون ذلك الوسيط بالنسبة لآخرين لا تشوش عليهم صورة، وذلك بفضل كثير من كتاباته التي لم أكن أشك بها أبداً وباتت اليوم في متناول الجميع.