© فليكر (Jean Burgess)/أرشيف imec

إحياءً للذكرى المئوية لولادة الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير (1918-1990)، أطلق "معهد ذاكرة النشر المعاصر" برنامجاً أسبوعياً يتضمن دعوة مفكرين للتعليق أسبوعياً على أرشيف نجم الفلسفة الماركسية الفرنسية الأشهر. هنا نص المؤرخ وعالم الاجتماع السياسي الفرنسي مارك لازار Marc Lazar (العنوان منّا):

مجلة "خدمة الشعب" Servir le peuple في أرشيف لويس ألتوسر، من يعرف رأيه فيها؟ إن احتفاظه بهذه النسخة قد يعني أنه كان متابعاً لإنتاج كثيرين من طلابه السابقين اللامعين، ومعظمهم من الفلاسفة، في "مدرسة الأساتذة العليا" في شارع "أولم"، بدءاً بروبير لينهارت Robert Linhart.

مارس ألتوسير تأثيراً كبيراً على مجموعته التي قامت بإعادة قراءة وإعادة استثمار لأعمال ماركس. وبالمقابل، فقدّ تعلم من تلاميذه الكثير قبل أن يقاطعوه، انتقدوا الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي الفرنسي واتجهوا نحو الصين وماو تسي تونغ الذي كان يمارس عليهم سحراً أعمى في كثير من الأحيان، وخاصة في لحظة الثورة الثقافية. ووصل ذلك إلى قيامهم بتأسيس اتحاد الشبيبة الشيوعية الماركسية اللينينية بين 10 و11 أيلول/ديسمبر 1966، وكانوا عددهم بضعة مئات حينها، وذلك بعد أن تم طردهم من منظمة الشبيبة التابعة للحزب الشيوعي الفرنسي. لم ينضم إليهم ألتوسير بالرغم من أنه كان يرى في الصين تجربة نقدية لشيوعية متحجرة، إلا أنه لم يعتبرها نموذجاً لفرنسا وفضّل البقاء ومحاولة تطوير الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان يتمتع بنفوذ كبير، خصوصا، في أوساط جزء من عالم العمل بقيادة فالديك روشيه Waldeck Rochet.

ركّز اتحاد الشبيبة الشيوعية الماركسية اللينينية، الذي كان يجمع بضع مئات من الأعضاء معظمهم من الطلاب، أنشطته حول ثلاثة محاور رئيسية، نقد حاد مستوحى بقوة من الخطاب الصيني باسم الماركسية واللينينية لـ"تحريفية" الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي الفرنسي، ودراسة معمقة لـ"فكر ماو تسي تونغ". لم تكن المواجهة نظرية فحسب، بل إنها أدت كذلك إلى مواجهات فعلية بين عناصر حفظ النظام من الفريقين. بالإضافة إلى ذلك، أطلق الاتحاد حملة نشطة للغاية، وعنيفة في كثير من الأحيان للتضامن مع كفاح الشعب الفيتنامي ضد "الإمبريالية الأمريكية" من خلال إنشاء "لجان فيتنام القاعدية" تحت شعار "النصر للجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام". أخيراً، وانطلاقاً من عام 1967، سيحاول من سيطلق عليهم بشكل متزايد اسم "الماويين" العمل باتجاه الطبقة العاملة والفلاحين. في 1 تموز/يوليو من العام نفسه، ستطلق شهرية المنظمة على نفسها اسم "خدمة الشعب" وستقوم بطبع 5000 نسخة بحسب معلومات المخابرات العامة. وقد تُرجمت الرغبة في الخروج من الإطار الطلابي بسلسلة أبحاث اجتماعية استرشدت ببوصلة الماركسية واستلهمت مجدداً التجارب الماوية، وخاصة منذ عام 1967، بغية وضع سياسة تأسيسية. تخلى هؤلاء المثقفين الشباب عن دراستهم أو عن وظائفهم الأولى المتوافقة مع مؤهلاتهم وذهبوا للعمل في المصانع بهدف مشاركة العمال ظروف حياتهم وليحوزوا، بالتالي، القدرة على مخاطبتهم. وقد تم نشر عدد من الشهادات المتعلقة بهذه التجربة الفريدة، أشهرها شهادة روبير لينهارت في كتاب مثير للإعجاب بعنوان "L’Établi"، وكُرست لها العديد من الدراسات الاجتماعية والتاريخية. كما حاولوا النشاط في أوساط "الكونفدرالية العامة للعمل" لكسر هيمنة الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان يسيطر كلياً على هذا الاتحاد النقابي الرئيسي، وعملوا على إنشاء "مجموعات عمل شيوعية". في شباط/فبراير 1968، أصبحت "خدمة الشعب" رمزياً لسان حال هذه المجموعات واتحاد الشبيبة الشيوعية الماركسية اللينينية.

يرمز مانشيت عدد الجريدة بتاريخ 1 أيار/مايو 1968 إلى سياستهم: فالكلمات والعبارات المستخدمة مثل "تخفيضات أسعار"، "كاسرو الإضرابات"، "بيروقراطيون منفصلون عن الجماهير"، "متخاذلون"، "إلغاء العمل المأجور وأرباب العمل"، "الصراع الطبقي"، تستدعي تلك التي استخدمتها الأممية الشيوعية، أممية لينين (يخفي المؤيدون للصين الدور الذي لعبه تروتسكي فيها ويناضلون ضد ورثته كذلك) منذ تأسيسها عام 1919 حتى أوائل الثلاثينات. لكن هذه اللغة تظهر بالفعل توتراً داخل الاتحاد بين شكل من أشكال النزعة العماليّةouvriérisme من جهة، وبين شعبوية كامنة يرمز إليها اسم الصحيفة: "خدمة الشعب". هل يجب الذهاب نحو الطبقة أم نحو الشعب؟ لم تحل هذه المعضلة، غير أنها قادت الاتحاد في الأيام التي أعقبت نشر هذا العدد في أوائل أيار/مايو إلى وصف الحركة الطلابية بـ"البرجوازية الصغيرة". وعندما بدأت الطبقة العاملة خلال شهر أيار/مايو أكبر إضراب في تاريخها حاول الاتحاد جاهداً الانخراط فيه. سوف يتم حل الاتحاد في حزيران/يونيو 1968، جنباً إلى جنب مع عشر حركات أخرى من اليسار المتطرف لتعاود الظهور باسم اليسار البروليتاري مع جريدة "قضية الشعب"La Cause du peuple. وسوف تشهد هذه المنظمة، وبسرعة، انحرافاً أكثر عنفاً وإطلاقاً تامّاً لإمكانياتها الشعوبية. وقد أدى ذلك إلى مزيد من الحيرة لدى لويس ألتوسر الذي سيعارض في عام 1976 إنكار الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي جورج مارشيه Georges Marchais لديكتاتورية البروليتاريا.