فكر العرب في تحرير أسبانيا بعد أن طردوا البيزنطيين من شمال أفريقيا، وكانت أسبانيا قبل الفتح قد ملكها الرومان حتى القرن الخامس للميلاد، ثم انقض الوندال والآلان والسويف، الذين هم من القبائل البربرية الجرمانية على أسبانيا، ولم يلبث القوط أن قهروهم واستولوا على أسبانيا في القرن السادس للميلاد وظلوا سادتها إلى أن جاء العرب. وقد اختلط القوط بالسكان الأسبان – الرومانيين، فاتخذوا اللاتينية لغة لهم، وتحولوا من الآريوسية إلى المذهب الكاثوليكي، وكان اختلاط القوط باللاتينيين قبل حركة التحرير العربي مقتصراً على علية القوم، وكان سكان البلاد الأصليون من الأرقاء، والذين كانوا مستعدين لقبول أي سلطان عليهم، كما أن التنافس على عرش أسبانيا أدى إلى نزاع سياسي اجتماعي، وفتن داخلية، وفقدان الروح العسكرية، وفتور عن الدفاع بين الأهلين المستعبدين، وكان من جراء ذلك تفرق الدولة القوطية وسهل للعرب تحرير أسبانيا

ونتيجة للتعاون بين العرب والبربر بعد تحرير شمال أفريقية، دخل جيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي بلاد أسبانيا في سنة 92هـ/ 711م وتم فتحها بقيادة طارق ابن زياد ثم القائد موسى بن نصير 93هـ/ 712م وقد وصفها القائد العربي في رسالة للخليفة الأموي أنها: (شامية في طيبها وهوائها يمنية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منافع سواحلها)

وتميزت الفترة الأولى من تاريخ العرب في الأندلس بين 92- 138هـ/ 711- 756م والتي تسمى (عصر الولاة) بعدم الاستقرار وانشغال الولاة فيما بينهم بالمنازعات مما مهد لدخول عبدالرحمن الداخل الأموي (صقر قريش) بعد فراره من وجه العباسيين وأسس الدولة الأموية في الأندلس بعصريها (الأمارة والخلافة) والتي امتدت من سنة 138هـ - 422هـ/ 756- 1031م

ولم يكن الفتح العربي لأسبانيا احتلالاً عسكرياً بل كان حدثاً حضارياً هاماً وحركة تحرير للشعوب الأسبانية فقد أمتزجت حضارة سابقة كالرومانية والقوطية مع حضارة جديدة هي الحضارة العربية الاسلامية، ونتج عن هذا المزج والصهر حضارة أندلسية مزدهرة أثرت في الحياة الأوربية وتركت آثاراً عميقة مازالت تتراءى مظاهرها بوضوح حتى اليوم.

وباستكمال حركة تحرير أسبانيا استقر العرب والبربر مع سكان البلاد، وكان للسلوك العربي الانساني أثر كبير في تآلف القلوب إذ لم يلبث العرب أن أنسوا إليهم وحصل التزاوج والمصاهرة بينهمفنشأت طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة المولدين التي هي خليط من دم أهل البلاد الأصليين ودم العرب والبربر، كما ظهرت طبقة جديدة أخرى هي طبقة المستعربين وهم الأسبان المسيحيون الذين ظلوا على ديانتهم المسيحية، ولكنهم تعربوا بعد دراسة اللغة العربية وآدابها وثقافتهاوأحسن العرب سياسة سكان أسبانيا، فقد تركوا لهم كنائسهم وقوانينهم وأموالهم وحتى المقاضاة إلى قضاة منهم، ولم يفرضوا عليهم سوى جزية سنوية صغيرة، ولم يبق للعرب إلا أن يقاتلوا الطبقة الأرستقراطية المالكة للأرضين

لقد أثر العرب في أخلاق الشعوب النصرانية فقد علموهم التسامح الذي هو أثمن صفات الانسان، وبلغ حلم عرب الأندلس نحو الأهلين مبلغاً كانوا يسمحون لأساقفتهم أن يعقدوا مؤتمراتهم الدينية كمؤتمر أشبيلية الذي عقد سنة 782م، ومؤتمر قرطبة الذي عقد سنة 852م، وتعد كنائس النصارى الكثيرة التي بنوها أيام الحكم العربي من الأدلة على احترام العرب لمعتقدات الأمم التي خضعت لسلطانهم، فغدا اليهود والنصارى مساوين للمسلمين قادرين مثلهم على تقلد مناصب الدولة

وفي مثل هذا الجو من التسامح أصاب البلاد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بحيث أصبحت الأندلس أكبر قوة سياسية في المنطقة، وعلى الرغم من هذا التسامح العظيم، فقد ظهر فرق واضح بين هذه السياسة المتسامحة، وبين سياسة الاضطهاد الأعمى الذي وقع على المسلمين بعد سقوط الأندلس، حيث ذبح نصارى الأندلس أعداداً كبيرة من المسلمين، وحتى أنهم رفضوا تنصر من تنصر منهم لعدم الثقة بهم وبنواياهم ولم يكد العرب يتمون تحرير أسبانيا حتى بدأوا بتطبيق رسالتهم الانسانية في الحضارة فاستطاعوا في أقل من قرن أن يحيوا ميت الأرضين، ويعمروا خراب المدن ويقيموا أفخم المباني، ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بالأمم الأخرى، وشرعوا بدراسة العلوم والآداب وترجمة كتب اليونان واللاتين، وإنشاء الجامعات التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوربا زمناً طويلاً، وأخذت حضارة العرب تنهض في الأندلس منذ ارتقاء عبدالرحمن الأول العرش، أي منذ انفصالها عن الشرق سياسياً باعلان إمارة قرطبة سنة 138هـ/ 756م فغدت الأندلس أرقى دول العالم حضارة مدة ثلاثة قرون
ziri mohammed abderrahmane
 

Image title

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/260/#ixzz545aijRUB

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/260/#ixzz545aVa87q