النص:
"كانت الأرض كلها لسانًا واحدًا ولغة واحدة، وحدث بعد ارتحال الناس شرقًا أن وجدوا بقعة في أرض شنعار فسكنوا هُناك. قرروا أن يبنوا برجًا عاليًا رأسه في السماء لئلا يتبددوا على وجه الأرض. نظر الرب لتطاول بنيانهم وقال: هو ذا شعب واحد، ولسانٌ واحد وهذا ابتداؤهم بالعمل، وبعده لن يمتنع عليهم ما ينوون أن يعملوه.
فبلبل الربّ ألسنتهم كي لا يسمع بعضهم بعضا، فتعذّر التواصل فيما بينهم وتوقف البنيان، وتفرّقوا في الأرض ومن هنا نشأت اللغات."
ــ
الاستدراك:
قبل أن يُبلبل الربّ ألسنة القوم الذين يعتلون البرج ويطيلون بنيانه، كان الشعراء في الأسفل يلوذون بظل البنيان ولا ينظرون إليه، كانوا يفكرون في استعارات لوصف السماء التي سيصل إليها البرج. حين تبلبلت ألسن البنائين الموجودين في الأعلى، انهمرت الكلمات على الشعراء الذين في الأسفل، أصابتهم بعض الكلمات الثقيلة بالكسور، وكلمات أخرى رفّت فوق رؤوسهم بخفة الملائكة، اختبأت في أيديهم بعض الكلمات، وكلمات أخرى علقت في ثيابهم... حازوا أكبر عددٍ ممكن من الكلمات التي نتجت عن تلك البلبلة العظيمة، كلمات كثيرة تكفي لوصف كل شيء، لبناء أي شيء، ولوصف الهدام. حين تبدد القوم في الأرض وكفّوا عن البنيان، ظلّ بعض الشعراء يحدّقون في السماء ويصفونها باستعارات لا نهائية لو رصفوها فوق بعضها لوصلت إلى السماء قبل برج بابل. أما باقي الشعراء فقد ساروا خلف قومهم وتبددوا في الأرض يعمرونها بكلماتهم في وصف الخراب، فيمدّون بالاستعارات التي تصف خيبة الأمل جسورًا بين أقوام لا تشترك في اللغات، لكنها منذ الأزل تشترك في التيه والشتات.