لم يعد للقتل تلك القوة الصادمة التي كانت تمتلكها في ما مضى في مخيلتنا وفي عقولنا اللاواعية، بل أصبح الأمرُ مختلفاً جداً وعلى النقيض؛ فبسهولة يمكننا رؤية مقاطع مصوّرة لمشاهد دموية بشكل عنيف جداً، ويتم تداول هذه المقاطع بين الجميع على أنها مقاطع يجب مشاهدتها والأدهى إذا ما كُتب قبلها (فقط لمن هُم فوق الثامنة عشر)، هذه الكلمة بالنسبة للبعض تشكّل مصيدة قوية، فهم يفتحون هذه المقاطع وينظرون لها بتحديق مستمر ويلغون كل ما هو حولهم، وفي كثير من الأحيان يُعاد نشر مثل هذه الرسائل "لقروبات" الأصدقاء والرفاق والأهل .. مع تحذير من أن المقطع المصوّر يحتوي على مشاهد لا تصلح إلا لم هُم فوق الثامنة عشر!.
هذه المقاطع باتت تشكّل روتيناً يومياً، فهواتفنا الذكية وبكل لحظة يصل عبرها إلينا العديد من الرسائل التي تحتوي على مقاطع فيديو قصيرة لوحشية هذا القرن، ومشاهد عنيفة جداً لا تصلح للمشاهدة بأيّ حالٍ من الأحوال، وللأسف أن هناك من يقتات على هذا الأمر ويشعر بالشهرة ما أن ينشر هو بنفسه هذه المقاطع، والبعض الآخر يستمتع فعلياً بمشاهدة هذه الأمور بشكل مُرعب، فلا شيء يوقف لحظة المشاهدة، بل إن البعض يتناسى بأن هذه المشاهد تُغرس وعلى المدى الطويل في العقل اللاواعي، والأخطر من هؤلاء البعض أن هناك فئة تعيش لحظة القتل يومياً وبشكل خطير، فهذه الفئة تكوّن بنكاً من مقاطع القتل هذه ويقومون بإعادة مشاهدتها بين الحين والآخر في محاولة لتغذية الذات بمثل هذه المشاهد الدموية.
لازلت أتذكر فيما مضى كان كتّاب المقالات يحذرون الآباء من مشاهد العنف التي تعرض على شاشات التلفزيون أو السينما، والحملة الأشرس في ذلك الوقت كانت من ألعاب الفيديو التي كانت تضج بالعنف واللقطات غير الأخلاقية، ولكن العجيب أنّ بعض هؤلاء الكتاب لم يحرّك ساكناً اتجاه هذا الغزو المصّور وبشكل يومي الذي يصل لأيدي الجميع ويدخل في عقولهم وقلوبهم ويشكّل شخصيات بعضهم، يمكنك أن تشاهد مجموعة أطفال تتناقل هذه اللقطات الغريبة، وبإمكانك أيها القارئ الكريم استشفاف رغبة بعض مشاهدي هذه اللقطات بتقليدها لمجرّد شعورهم بأنّك تُشكل خطراً على شيء يمسّهم حتّى وإن كان رأياً في -فريق رياضي يشجّعه الشاب!-، أصبح الأمر بادراً لا يُحرّك فينا الكثير، لا يثير سخطنا، بل وشاهدنا فريقاً من البشر من يشجّع على هذه الجرائم في حق البشرية.
أرجوكم لا تنشروا هذا القبح بين البشرية، ورفقاً بعقولكم وقلوبكم.