علي بانافع
من لا يقرأ التاريخ جيداً لن يعرف كيف يشق طريقه وسط الأطماع والدسائس والأكاذيب والتلفيقات والتهديدات والألغام الكثيرة المحيطة به من الخارج أو الناشئة من الداخل، إن قراءة موضوعية للتاريخ تؤكد أن الهجمة التي يتعرض لها الوطن العربي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية ليست جديدة بل قديمة قدم التاريخ، وتمتد جذورها إلى الصراع بين قوى الشر والطغيان والاستبداد والنهب للسيطرة على هذه المنطقة الغنية الاستراتيجية.
إننا هذه الأيام لا نعيش ظروفاً طبيعية بل نخوض أزمة وجود -نكون أول لا نكون- لم تعهدها المملكة عبر تاريخها كله، وهي أزمة تهدد الكيان ذاته وتهدد أغلى ما في الكيان وهو عقيدته، ولعلنا نحسن صنعاً إذا ركزنا كل طاقاتنا وجهودنا الفكرية لمجابهة الخطر الداهم الذي يتطلب منا أن نقف كالبنيان المرصوص، إن في المملكة إجماعاً بين ملكها وأصغر طفل فيها ألا وهو أنه لا نقاش ولا جدال حول الشريعة، لا تحليل لما حرّمت ولا تحريم لما حلّلت وأن ما عدا ذلك من أمور يظل قضية مفتوحة للنقاش، سواء كان النقاش معجّلاً أو مؤجّلاً قضية يحسمها الحوار بمساعدة الزمن أو يحسمها الزمن بمساعدة الحوار أو يحسمها الزمن وحده، وعلى هذا الطريق -ذي النكهة السعودية الخاصة- حُسمت قضايا عديدة لم يعد يذكرها أحد، حُسمت قضية اللاسلكي وقضية المذياع وقضية السيارة وقضية التلفزيون وقضية تعليم المرأة وقضية عمل المرأة وأصبحت اليوم أموراً تهم المؤرخ وَحده.
على أن منطق الأمور يقضي أنه في الوقت الذي تُحسم فيه بعض القضايا تجد قضايا أخرى تنتظر دورها، وبالحوار الهادي البعيد عن التشنج والإنفعال وبعيد عن استعداء الدولة، وبعيداً عن الإتهامات التي تُلقى جزافاً وبلا مبالاة، وأحسبنا نحسن صنعاً إذا فرقنا بين ما تحرمه الشريعة وهذا أمر لا يقبل الأخذ والرد، وبين ما تستنكره العادات التقاليد وهذا أمر يحسن تركه لهذه العادات والتقاليد ذاتها، وأحسبنا -أيضاً- نحسن صنعاً إذا فرقنا في المسائل الشرعية بين الأمور الخلافية وهي موضع يقبل الخلاف والاجتهاد في الفتوى وبين ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهو لا يحتاج إلى فتوى ولا يقبل خلافاً في اجتهاد أو فتوى.
إن زُراع الفتنة وخبراء تمزيق الوحدة الوطنية يتركون القضايا الحقيقية ويطرحون مطلباً لا وجود له على قائمة مطالب المواطنين، ولا ثار ببالهم ويثيرونه كشرط من شروط الوحدة، وهو مطلب مستحيل بالطبع فمروجي حراك 15 سبتمبر يتاجرون بأقدس قضايانا الدينية ومكتسباتنا الوطنية وعليهم أن يتلمسوا رؤوسهم فإن كل من على رأسه بطحة راح يحسس عليها؟! فالخيانة لا تعرف الوطن إنه الوطن أقوى أنوع الإنتماءات البشرية والهوية الأقوى فهل من مدكر؟!